احذروا تجاهل اكتمال أسباب الغضب الشعبي / سيدي علي بلعمش

الزمان انفو –

بالعودة إلى نبض الشارع الموريتاني الخادع و حراك الساحة غير السياسية و الإستياء العام الذي وصل إلى مرحلة الإنفجار و في استطلاع عام من نوع جديد و بالغ الدقة، يمكن لأي منكم أن يطبقه على نفسه بسهولة (أن يسأل كل من يلتقيهم خلال يوم كامل هل هم مع “السلطة” أو مع “المعارضة”؟) ، يمكننا الآن أن نجزم بأن أربعة مترشحين أقوياء سيدخلون معترك الرئاسية ؛ سيكون ولد الغزواني أضعفهم في الشوط الأول و لن يكون ولد محمد لغظف أقواهم في الشوط الثاني.

كل المؤشرات تؤكد وقوف ولد عبد العزيز وراء الإثنين أو وقوفهما دونه وعدم قدرة أي منهما على إظهار شخصية مستقلة ومسؤولة أمام الناس . و هذه الميوعة الباردة ستقتل الاثنين حتما ..

لن يكسب ولد الغزواني و لا ولد محمد لغظف و لا هما معا هذه الانتخابات ما لم تكن محاسبة ولد عبد العزيز على رأس برنامجه الانتخابي و لا أتوقع أن يستطيع أي منهما فعلها و بهذا يحكمان على نفسيهما بالسقوط و بالمقابل لن يفكر أي مترشح من المعارضة في غير تخليص موريتانيا من هذه العصابة الشريرة ؛ فلا شيء إذن يجمع “الموالاة” غير حماية جرائم ولد عبد العزيز و لا شيء يقوي تماسك المعارضة أكثر من الخوف من استمرار هذا الوضع البائس . و حين تكون نقطة ضعف العدو هي نقطة قوتك ، لا يمكن أبدا أن يهزمك. لكن فوز المعارضة في هذه الانتخابات لا تحسمه صناديق الاقتراع بل تشكيلة اللجنة الوطنية للانتخابات و المجلس الدستوري. هذه هي المعركة الحاسمة الأهم بكثير من مرشح المعارضة و من المترشح ضدها. في هذه المعركة سيتنافس من يريدون موريتانيا و من يريدون ولد عبد العزيز و من يريدون أنفسهم و سيكسبها حتما من يريدون موريتانيا . سيقول لي الكثيرون إن من يريدون موريتانيا لم يكسبوا معركة من قبل. و أنا أوافقهم تماما و أخالفهم تماما : أوافقهم تماما لأن كل الأنظمة كانت تعتمد على التزوير بكل أشكاله المباشرة و غير المباشرة، في بقائها. و أخالفهم تماما لأن الناس لو لم تعط أصواتها للمعارضة لما احتاجت الأنظمة إلى التزوير (الأمر بديهي لمن يملك أبسط منطق استنتاجي). لهذا لن تكون هذه المعركة معركة شعارات سياسية و برامج انتخابية فضفاضة مثل عناوين المواقع الاخبارية الموريتانية، بل ستكون معركة محاربة التزوير و هي اليوم (و هذا هو الجديد) ليست معركة المعارضة الموريتانية وحدها كما يعتقد البعض بل معركة العالم أجمع . و هذا هو ما نسف حملة ولد الغزواني قبل بدء المعركة حين أعلنت على لسان ولد محم خيرة و ولد بايه أنها حملة “استمرارية النظام” أي حملة تزوير. و ما زلنا نتمنى أن تحمل حملة ولد محم لغظف الأكثر إقناعا حتى الحين، شعار “لا لتزوير الانتخابات” لتكون حملة وطنية جديرة باحترامنا حتى لو اختلفنا معها.
هنا نحتاج إلى وقفة توضيح : إذا أعلن أي من ولد الغزواني أو ولد محمد لغظف أنه سيوقف عملية نهب ثروات البلد و لا يحمي المفسدين و سيفصل السلطات و يلتزم باحترام القانون و يفك القيود عن أجهزة رقابة الدولة و يحرر القضاء ، ستكون المعارضة خائنة إذا لم تتبنى مشروعه. و إذا لم يستطع أي منهما أن يفعلها فعليه أن يفهم أنه لن يحصل على أصوات الناس بخنجر يوجهه إلى قلب شعب أنهكته الفوضى و الظلم و الغبن و الفساد. لقد تغير الكثير و تغيرت عقول الناس : لا تستطيع اليوم أن تقول للناس مثل حملة ولد الغزواني “نحن مفسدون وقحون ، فامنحونا أصواتكم لنحمي أموال تكيبر و بنوك افيل ولد اللهاه و موانئ أهل غدة و شركات ولد عبد العزيز العابرة للقارات و جرائمه العابرة للحدود” . هذا ما أعلنته بتبجح و غباء حملة ولد الغزواني على لسان ولد محم خيرة و ولد بايه و رسالة تضامن ولد أنحوي المقززة أكثر من لافتات ولد إياهي.

الشيء المؤكد الآن ، هو أن هذا الفساد الذي بلغ مداه بل تجاوزه في كل الاتجاهات ، لم يعد يخدم أي جهة في موريتانيا غير المفسدين و السكوت عليه أصبح جريمة أخطر من ارتكابه و مولاة المفسدين من قبل ضعفاء النفوس من علماء “متشيطنين” و مثقفين متمصلحين ليس جديدا و لا خاصا بموريتانيا . و صحيح أنه ابتلاؤنا الأكبر لكن كل شيء بلغ مداه ينعكس إلى ضده و قد بلغ مداهم مداه أي أنهم انقلبوا إلى ضدهم من دون توبة.
و كل المؤشرات تؤكد بأن المعارضة ستظهر بشراسة غير متوقعة رغم ما نكيل لها جميعا من الاتهامات ـ حبا لها و استنهاضا لهممها ، لا العكس ـ و كل قادة المعارضة مؤهلين للحكم ؛ فليس من بينهم من يخشى اختياره و ليس فيهم من نخاف أن يدخل القصر ببرنامج حزبه و لا بتوجهاته الإيديولوجية: ستكون هناك إرادة جماعية و رؤية موحدة يلتف حولها الجميع ، سواء توفقوا في اختيار مرشح موحد أو اختلفوا فيه. فقصية المرشح الموحد في النهاية، ليست سوى إجراء استثنائي ، قد لا يكون حاسما أكثر من غيره بالضرورة.

و ستكون الحركات الشبابية (محال تغيير الدستور، كفانا، 25 فبرابر و الحركات الشبابية داخل الأحزاب …) فعالة في هذه الحملة إذا تعاملت معها المعارضة بشيء من الاهتمام ، يحتاجه العصيان المدني المطلوب في حالة قررت العصابة تزوير الانتخابات لأنها ستحتاج ذلك حتما و ليس من عادتها أن تتورع عن ما تحتاجه..

حين تبرر الآلامُ نسف الآمالَ يكون الغضب الشعبي هو الحل . و حين يكسر هذا الشعب الصابر ، المتألم ، حاجز الخوف بسبب انسداد الأفق ، سترون هذه العصابة الجبانة تسحب في الشوارع بأرجلها في مشاهد مرعبة ما زلنا نحذر العقلاء من تجاهل اكتمال أسبابها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى