محاضرة لنقيب الصحفيين عن وسائل الاتصال والإرهاب

altنص المحاضرة الزميل النقيب الحسين ولد مدو:

تأصيل تبعا لاعتبارات منهجية ، ووفاء لطبيعة الموضوع: “وسائل الاتصال والإرهاب” فلن تستعرض الورقة المقدمة تعريف الإرهاب وتجلياته والخلافات المتعلقة بالتوصيف والتصنيف، ولكنها بالمقابل ستهتم بالوقوف عند الحالة الإعلامية الموريتانية واقعا نستقرئه ومستقبلا نستشرفه من حيث طريقة التعاطي مع قضايا الإرهاب.

إن تاريخ الإرهاب قديم وطبائع تعاطي الإعلام معه ليست بجديدة ؛ وحتى وإن كانت متفاوتة ومختلفة ، فان الثابت الأساس هو حقيقة أن حاجة الإرهاب إلى الإعلام لم تتغير مطلقا؛ بوصف الارهاب عملية اتصالية تستعين بالتدمير والتفجير كجزء من آلياتها؛ ما تغير فقط هو نوعية الوسيلة الإعلامية التي شهت تحولات نوعية وصلت حد التأثير على الرسالة ولكن على المستقبل أيضا؛ وعلى حِرَفية الممتهن. فتطور الأداة الناقلة أمَّن الانتشار والمواكبة والتفاعلية، وتغير المرسل ولَّد الانحدار الأخلاقي في مِهنية الرسالة والأخلاقيات الضابطة. كما أن طبيعة الترابط بين الإعلام والإرهاب أعادت تجديد التأكيد على ضرورة طرح التساؤل مجددا عن أي منهما يستغل الآخر في نزعتي التشويق والتسويق. وسنعمد من خلال هذه الورقة إلى استعراض الظاهرة في موريتانيا وطرائق تغطيتها والاستدلال بنماذج من التغطية الإعلامية بموريتانيا ومن التحديات التي واجهت الصحفيين الموريتانيين فضلا عن مقترحات من شأنها تعزيز آليات التعاطي المهني مع قضايا الإرهاب. في البداية عرفت موريتانيا أول عملية إرهابية يقوم بها تنظيم إجرامي دولي ضد وحدة لمغيطي سنة 2004 دون أسباب تذكر. كان الصف السياسي منقسما. حينها أيضا تحدث البعض عن تجار السجائر وعن المؤامرات وعن عدم وضوح في الرؤية الفعلية اتجاه الفاعل والمنطلقات، وشارك أساسا النظام الحاكم في مسيرات التنديد وساهمت عملياته في التبشير بالإرهاب، لكن كذلك، في تضخيم صناعة الإرهاب. ولما وقعت العملية الأولى نُظر إليها للأسف بشيء من التشكيك؛ ومن التشفي في النظام حينا، وبقليل من الإجماعية و تبعا للقاعدة الإجماعية المهزوزة التي قامت عليها عمليات محاربة الإرهاب في بدايات القرن الجديد وكذا التطور النوعي في مواجهة وملاحقة الإرهابيين والجماعات المسلحة لم تؤمَّن لها الأرضية الإجماعية على مستوى المشهد السياسي وهو ما طال في جزء من تجلياته أنواع التغطية الإعلامية التي وصلت لدى بعض الصحفيين إلى الاعتقاد بأن التسليم بالمخرجات التي يقدمها النظام هي إيمان بنجاح المقاربة الأصلية التي اعتنقها النظام دون كبير تشاور. وقد انعكست تلك الأرضية القلقة على التعاطي الإعلامي مع ملفات الإرهاب بموريتانيا، سواء في مرحلة البدايات مع نظام ولد الطايع بفعل الاختلاط بينها والتوجهات السياسية لمواجهة فصيل إسلامي أو في مرحلة النظام الحالي بفعل انتهاج سياسة دفاعية أكثر جرأة دون الانطلاق من أرضية سياسية إجماعية مهيأة. وعلى المستوى النظري لمّا توجَدْ بعدُ بموريتانيا دراسات تسائل صلات الإرهاب والإعلام وتأثير القائم بالاتصال أو تستهدف توضيح درجة التأثير والتأثر سواء بالنسبة لمستهلكي المادة الإعلامية من جمهور المتلقين أو لطبيعة الصلات الموجودة بين القائم بالاتصال والتنظيمات الإرهابية تبعا لغياب التراكم الكافي والتجذر المؤسس لدراسات من هذا القبيل. الاستغلال المتبادل تطرح التغطية المهنية للأعمال الإرهابية في موريتانيا تحديا كبيرا. ويضطلع الإعلام بدور كبير في مواجهة الإرهاب؛ فالصحفيون كثيرا ما كانوا ضحايا للإرهاب وشموع المجتمع في مواجهته. ومع ذلك ففي بعض الحالات يظهرون كمتهمين -بحكم مهنتهم- بتمجيد العنف والتحريض عليه لمجرد نشر أخباره، ومن جهتهم يمنح الإرهابيون مكانة خاصة للإعلام وكثيرا ما تساءل الباحثون عن حقيقة الهوس المشبوه الذي يدفع الإرهابيين إلى هذا التعلق الدائم بالإعلام بشكل يضمن الأخبار والاستعراضية والإشهار. وضمن مسار التدرج والتنوع للوسيلة الاعلامية فقد انزاح الوسيط الإعلامي من النص إلى الصورة، وهو ما يفسر حقيقة الاهتمام الارهابيين كما الاعلاميين بالأحداث القابلة للتسويق والتصوير وتحول الإرهابيون إلى مخرجين للصور في كل مرة لتعزيز الموقع التفاوضي ولإعلانات الحياة أو الوفاة بالنسبة للمخطوفين، يخاطبون بالصورة أساسا ويعمدون إلى توظيفها بمختلف الإيحاءات المرهبة. فلقد لقد منحتهم فرصة الجندي المصور في الصومال حقيقة أن حربا كاملة يمكن كسبها بلقطة تلفزيونية مذلة.1 . وتستمد تغطية الأعمال الإرهابية من مقتضيات الاستجابة لطلب الجماهير للإعلام في اللحظات الحاسمة. ومن الآثار الكارثية المترتبة على العمليات، فضلا عن طابع الإثارة الذي تحمله العمليات الإرهابية والغرابية والفجائية التي تحولها إلى دراما فعلية. كما ان العمليات التي لا صدى لها في عُرف الإرهابيين لا أثر لها، وعمليات التقتيل والتدمير ليست إلا عتبة ضمن مسار طويل غايته السيطرة على الإنسان قبل الميدان أو الاستبداد بالأذهان. إن الإرهاب، بهذا المفهوم، عملية اتصالية في غاياتها تدميريةٌ في وسائلها. إنها عملية اتصالية بامتياز غايتها إثارة الخوف وتملك الرهب والرعب لدى الفرد وتحويل ذاتيته المقاومة إلى أداة مساعدة على تعطيل الفكر، ومن ثَم اكتساب الجماهير إلى جانب المنطق الإرهابي أو تحييدهم على الأقل في معركة التجذر هذه. وعندما ينجح الإرهاب في الترهيب يكون قد كسب المعركة عبر تخاذل القائمين على الحماية وقبول الشعب بالتعايش مع الفكر الغريب والانخراط في ديناميكية الوهم لتبرير العجز. يقول الباحث يسري منصور ، خلال التطور المعاصر لوسائل الإعلام، لم يعد الإرهاب سلاحاً جديداً فحسب؛ بل أسلوباً للتواصل يقوم على إحداث صدمة نفسية وَجَني فوائد سياسية من خلالها. وانتشار الذعر يعني نزع احتكار الدولة للعنف المشروع ونزع مصداقيتها منها، وتحدِّي عمل الديمقراطية وحتى الإسهام في تشويه عملها بجعله مدعاة للسخرية بغية إفقاده توازنه من خلال استغلال الصدمة التي لا يستهان بها والتي تحدثها وسائل الإعلام لدى الرأي العام. وأهداف الاستراتيجيات المضادة للإرهاب ووسائلها (وحتى الصراعات ضد الجريمة والإجرام) سرعان ما ظهر أن لها حدوداً لأن الآثار النفسية للإرهاب تجاوزت الحدود قياساً إلى أضرار العنف وحدها.2 وتمكن ملاحظة جملة من الاعتبارات التي تفسر هذا الترابط والاستغلال المتبادل بين الإعلام والإرهاب؛ منها وتيرة الطابع التشويقي والإثارة”3، وسعي الإعلاميين إلى الحصول -في سوق تنافسية- على أكبر عدد من المستخدمين وسعيُ الإرهابيين الدائمُ إلى الدعاية لنشاطاته والترويج لها. فالإرهابيون يُمثِّلون المَشهد والصحفيون هم مخرجوه بالضرورة. والإرهاب يخشى المعلومة المحضة أو تعميق وعي الجمهور بدور الأجهزة الأمنية في حماية الوطن والمواطنين، بما يعزز الثقة المتبادلة. الإطار القانوني الناظم تمكن مساءلة الإطار القانوني الناظم لمواجهة الإرهاب، وتجريم تمجيد العنف عبر استقراء الترسانة القانونية بدءا من قانون النشر سنة 2007 والقانون الجنائي وقانون تحرير المجال السمعي البصري، فضلا عن دفاتر الالتزامات والعقود التي قررتها السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، علاوة علي آليات التنظيم الذاتي التي اقرها الصحفيون ذاتهم وهي: ميثاق أخلاقيات الصحافة المكتوبة، وإعلان نواكشوط لأخلاقيات المهنة. وتتدرج المساءلة من عبارات عامة تواجه الإرهاب أو تُجَرم تمجيد العنف دون توضيح كامل لمفهوم التمجيد أو التحريض. . ويشير قانون النشر في المادة 32 إلى الجرائم المرتكبة من جانب الصحافة. فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة من طرف الصحافة بخصوص الشأن العام (34)، يعاقبون بوصفهم متمالئين في عمل جنائي أو جنحي أولئك الذين يحرضون مباشرة أو عن طريق: إما خطب، أو صراخ، أو تهديد موجه في أماكن أو اجتماعات عامة، أو عن طريق كتابات أو مطبوعات أو رسوم أو نقوش أو صور أو أي وسيلة للكتابة أو الصوت أو للصورة، مباعة أو موزعة في أماكن عامة أو اجتماعات عامة، سواء عن طريق الإلصاق أو أي وسيلة أخرى للعرض في أماكن عامة على مرأى من العموم أو أي طريقة أو أية وسيلة سمعية بصرية… يعاقب هؤلاء إذا كان الفعل قد تبع التحريض ويطبق هذا الحكم كذلك إذا تبع التحريضَ محاولةُ جرم. يعاقب بالسجن خمس سنوات وبغرامة خمسة ملايين كلُّ من حرّض عن طريق إحدى الوسائل المنصوص عليها في المادة السابقة وإن لم يسفر التحريض عن فعل ولكنه دفع إلى ارتكاب إحدى المخالفات التالية: المساس المتعمد بحياة وحرمة الأشخاص السرقات والتحطيم والتدمير المؤدي إلى التدهور المتعمد للأشخاص الجرائم الموجهة ضد الأمن الخارجي والداخلي للدولة تبرير جرائم الحرب والجرائم والجنح المتعلقة بالاستخبارات لصالح العدو وسيعاقب بنفس العقوبات كل من استخدم الوسائل ذاتها إذا أفضى ذلك إلى إحدى هذه الجرائم والجنح المتعلقة بالمصالح العليا للأمة المقررة في قانون العقوبات: كل تحريض بإحدى الوسائل المبينة في الما دة 32، موجه للقوات المسلحة وقوات الأمن بهدف صدها عن واجباتها العسكرية وعن احترامها لرؤسائها، يعاقب عليه بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من مائة ألف إلى مليون أوقية. وينص قانون تحرير الاتصال السمعي البصري 2010 في مادته التاسعة علي وجوب ان لا تتضمن البرامج او البرامج المعادة ا اجزاء من هذه البرامج ما يمكن ان يشكل تمجيدا للعنف او التحريض علي التمييز العنصري او الارهاب او العنف تجاه شخص او جماعة اشخاص نتيجة لاصولهم او انتماءاتهم الي جنس او عرق او امة او عنصر او دين وبخصوص آليات التنظيم الذاتي المطبقة في موريتانيا يقر ميثاق أخلاقيات الصحافة المكتوبة الصادر 2001 بأنه يمتنع الصحفي عن كل دعوة إلى الكراهية أو التفرقة أو الحث على العنف. ولئن حرص ميثاق أخلاقيات وأدبيات الصحافة المكتوبة الصادر سنة 2001 على الدعوة للتقيد بالأخلاق المهنية بصفة عامة ، فإن إعلان نواكشوط كان الأكثر تحيينا من حيث التنصيص على تجريم تمجيد العنف و يُلزم إعلان نواكشوط لأخلاقيات المهنة الصادر 2010بالتحلي بأعلى درجات اليقظة المهنية في حالات التعاطي مع ملفات المحالين للقضاء وذوي الاحتياجات الخاصة والصور العنيفة واحترام الكرامة الإنسانية والحياة الخاصة للأفراد وينص قانون الإرهاب علي ان الإرهاب يمجد العنف وعدم التسامح كما يهدد استقرار الدولة و المؤسسات، وأمن الأشخاص والممتلكات ويشكل خطرا على المصالح الحيوية للوطن. وتنص المادة الثالثة منه على أن العمل التالي يعد إرهابا ويد القانون قد تطال مرتكبه: “توفير الأسلحة أو المتفجرات أو الذخائر أو المواد الأخرى، أو معدات مماثلة لصالح شخص أو تجمع أو تفاهم له علاقة بجرائم الإرهاب، أو وضع المهارات أو الخبرات في خدمتهم، أو توفير، بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، معلومات لمساعدتهم على ارتكاب جريمة إرهابية”. ولم تمنح الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب المكانة اللازمة لوسائل الإعلام، مكتفية بالإشارة إلى أن وسائط التواصل المؤسساتي، ووسائل إيصال الرأي “الصحافة الخاصة ، الصحافة الإلكترونية ، الشبكات الاجتماعية …” لها مكانة مهمة في محاربة الأفكار المتطرفة بكل أشكالها. واقترحت جعل مختلف مساهمات القادة ووسائل الإعلام ضمن لجنة يتولى رئاستها الوزير الأول، ووسط هذه اللجنة تكون وزارة الاتصال والعلاقات مع البرلمان وسيطا، إضافة إلى العدالة والدفاع، والداخلية ، والشؤون الخارجية والتعاون، إلى جانب الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، التي تتقاسم ـ حسب الظروف ـ مهام الإخبار والتنشيط من أجل إنقاذ الرأي العام ضد التضليل و”التسمم”، ومن أجل كذلك تحصين المواطنين ضد التلقين والتجنيد الإيديولوجي. و يبقى هذا الهيكل الدائم مرنا حسب الحاجات، وبعض القطاعات. كما تقول الاستراتيجية. العمليات الإرهابية: سباق في الميدان للسيطرة على الأذهان انتشر في العديد من الأوساط الإعلامية الاقتناع بضرورة التعايش مع الكائن الغريب المزعج بدافع الإشفاق على البلد أو بفعل الإيمان بإخفاق التجارب السابقة أو عدم الحسم النهائي في مجابهة الظاهرة الكونية، كما هو الحال في أفغانستان والجزائر والعراق والصومال واليمن ونيجيريا. واعتقد البعض أن مجابهة الجماعات الإرهابية تعني دفع ضرائب غير محددة فضلا عن تعذر إمكانية كسب المعركة، وبات النظام المالي نموذجا في تكريس هذا التعايش الفعلي أو التغافل عن الأفعال المزعجة لهؤلاء ما دامت لا تلحق ضررا بمواطنيه في مقاربة يمكن أن نطلق عليها مقاربة الأرض مقابل السلام وفي تنازل كبير للدولة عن صلاحياتها لتعذر إمكانية التعايش بين الدولة والتنظيمات المسلحة وما يترتب عليه من سلب للدولة خصائصها الإلزامية وتآكل لوجودها الفعلي. وبالفعل، فقد ساد اعتقاد لدى أوساط من المواطنين ومن المراقبين والإعلاميين بضرورة التحلي بالحكمة التي تعني عدم المواجهة لضرورات براغماتية أو في أحسن الحالات أن نواجه القاعدة دون أن نحدث أنفسنا بذلك. وكانت السلطات الرسمية حريصة في أكثر من مناسبة على التأكيد على أنها لا تحارب القاعدة؛ إنما جماعات العصابات المنظمة وتجار المخدرات، رغم أن لا خلاف في ذلك. وكان ولد السمان، أحد قاتلي السياح الفرنسيين، حريصا على استقبال العلماء المحاورين في السجن بقميص يحمل اسم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. وبوصف وسائل الإعلام أحد أكبر المتدخلين الجدد في مجال التنشئة الاجتماعية عبر نشر الأخبار والآراء، ولها إسهام معتبر في بلورة وتشكل أغلب القناعات التي نُكَوّنها عن العالم من حولنا، فقد أثرت تلك المعطيات في أدائها نسبيا وأمّنت نوعا من الاستغراق في الطابع الحدثي والعزوف عن البعد التحليلي. وقد عززت من تلك المخاوف العملياتُ النوعية التي قامت بها القاعدة في مختلف المناطق والطابع الفتاك لعملياتها في أفغانستان والجزائر والعراق وباقي الدول. وفي كل من هذه الحالات بدأت المواجهة مع الإرهاب استئصالية، وانتهت استقطابية نتيجة لغياب الحسم وتزايد الخسائر. . وكان الاختيار الصعب بين دفع الضريبة باكرا في مواجهة حتمية ، كما حدث في موريتانيا والجزائر، أو دفع ضريبة مؤجلة تتمثل في خسارة وطن لا حكم كما حدث في مالي؛ فلقد كان توري الرئيس الديمقراطي الذي تنازل أول مرة عن الحكم وأعاده الماليون بشرف وشغف إلى الكرسي أقل حزما وأكثر استعدادا لتكريس مقاربة “الأرض مقابل السلام” وكان شبيها إلى حد ما براعي الفيلة الذي يكتفي بمراقبتها ولا يملك كبير تأثير في توجيهها، ومع مرور الوقت يفقد حتى إمكانية تتبع آثارها في الصحراء الشاسعة؛ فيتنازل مُكرَهًا حتى عن متابعة الدور الابتدائي في الرقابة التي لم تكن إلا تغطية على العجز جدة الظاهرة وحداثة التغطية وجد الصحفيون الموريتانيون أنفسهم مع بدايات العمليات الإرهابية في إشكال كبير حيال آليات التغطية الخاصة للعمليات الإرهابية، في ظل عدم وجود سوابق حدثية ولا بدائل للتغطية الإعلامية، وتحت متطلبات السبق الصحفي والاستجابة للفضول المنفجر لدى المتابعين وتسارع الأحداث في وقت يفسر فيه أي غياب للمعلومة كحجب وتعتيم. وبالفعل فكثيرا ما تكون الحقيقة والحرية ضحايا الحروب، ولكن كذلك الاستقلالية. ولذلك يحرص الصحفيون على أهمية الاضطلاع بمسؤولياتهم كاملة في توفير الأخبار وضمان دقتها وتلبية تطلعات المواطنين دون خلط للأدوار. وكثيرا ما تترب على عمليات التجييش والتجنيد التضحيةُ بالأدوار الإعلامية والتضييق على الحريات الصحفية تحت ذريعة التحدي الأمني والتخلي عن ترف صدام الأفكار الذي تقتضيه التعددية أو الاستقصاء المفرط الذي يقتضيه الحق في الإعلام النزيه والموضوعي. كما ان غياب المعلومة يرتب تلقائيا البحث عن بدائل تكون في الغالب شائعات او اخبارا مغلوطة؛ ولأن السعي الإعلاني بالأساس قد يخدم لحظة، لكنه تحت تأثير الصحوة يشعر الوسيلة الإعلامية مع مرور الوقت بالوقوع تحت طائلة التغرير والاستقالة من دورها النقدي المستقل لتبدأ في طرح التساؤل والتشكيك في مختلف المصادر، محرضة علي ذلك بتاريخ طويل من صمت الجهاز الحكومي ومن سابق الاخبار غير الدقيقة. وقد سعت بعض الدول إلي استصدار ومراجعة الترسانة القانونية والمخاطر المترتبة على التضييق. وقد توسعت دول أمريكا الشمالية وأوروبا في سن حزمة من قوانين مكافحة الإرهاب. ومما يثير الملاحظة في ملابسات سن هذه القوانين أنها جاءت في ذروة الصدمة والذهول من ما حدث في مانهاتن والبنتاغون، أي إنّ العاطفة قد تكون كبحت جماع التعقل والتروِّي، وأنها تمت بشكل سريع وخاطف في كثير من البلدان، دون أن يُتاح لنواب الأحزاب الحكومية والمعارضة، أو لقوى المجتمع المدني، فضلاً عن الرأي العام، فرص الاطلاع على مضمونها واستشراف فعاليتها وعواقبها بالقدر الكافي. وبالفعل فقد باتت كل عملية تقنين جديدة يُنظَر إليها بوصفها تضييقا وتقنينا ومكسبا يحققه الإرهابيون. ويعتبر التضييق أحد أهم المكاسب التي يمكن أن تحققها العمليات الإرهابية حينما تدفع الأنظمة إلى تكميم الأفواه أولا بحجة محاربة الإرهاب وتحت تلك الطائلة يتم المساس بباقي الحريات. وفي موريتانيا كثيرا ما دعا المسؤولون الصحفيين إلى استحضار المسؤولية الاجتماعية في تلك اللحظات. وتم اختزال السؤال في كثير من الأحيان لدي عامة الناس في صيغة ما إذا كان الصحفي مع قوات بلاده أم مع الإرهابيين، وفُهِمت الدعوة إلى تفعيل آليات التنظيم الذاتي كنوع من الدعوة إلى المصادرة، واتهم الصمت الأكبر بمحاولة جر المتحدثين أكثر إلى عادتهم في لحظات يكون فيها الحديث مفروضا والجمهور المتعطش في غايات الترقب في خلط بين الأدوار تتعين المحافظة عليه. وقد وعت السلطات الأمنية مؤخرا حجم تأثير غياب التنسيق والتكوين على نجاعة العملية والدور الكبير الذي تضطلع به وسائل الإعلام في تسيير الأحداث المواكبة، وواجب التحضير للتغطية قبل مباشرة الدخول فيها، فبادرت بتنظيم ورشات تكوينية للصحفيين أمّنت -لأول مرة- درجة مقدرة من التواصلية مع القطاعات الأمنية وإيجاد المخاطب في تلك اللحظات مع التطلع الدائم إلى تعزيز الحد المطلوب من عملية الانفتاح على مصادر الأخبار واستثمار واستحداث بدائل عملية تنير وتعمل على توجيه الصحفيين في هذا النوع من الحالات. وقد تمكن الجيش، بدءا من عملية باسكنو، من تجاوز المرحلة الأولى التي كان الصحفي ضائعا لا يجد من يتجه إليه من المخاطبين المحليين، كما تخطى الجيش المرحلة التي كان فيها دور الناطق الرسمي باسم الحكومة أو الجيش ينحصر بالأساس في التغطية على الأحداث، وليست تغطيتها. وإلى ذلك أخذت القوات المسلحة، بدءا من عملية باسكنو، زمام المبادرة الإعلامية في إعلان الخبروالتعاطي مع الاعلاميين. تاريخ الإرهاب والمستجد الاتصالي لقد أمّن تطور وسائل الاتصال ودخول الوسيط الإلكتروني إلى المجال الموريتاني درجة من التفاعل أو حتى استباقا للأحداث ومن المساهمة إلى حد ما في التأثير عليها بفعل المعطيات التي تكتسي أهمية خاصة في تلك اللحظة. في لمغيطي كانت الصحافة الموريتانية مكتوبة من حيث الوسيلة الاتصالية وأسبوعية من حيث الدورية، وكان بإمكانها التريث لمعرفة نتائج المعركة من مصدر رسمي أو من القاعدة بعد أيام؛ إنها تغطي حدثا إخباريا بعمليات مكتملة، وتنحصر مهمتها بعد أن انحسمت المعركة في توفير مزيد من التفاصيل حول الطريقة التي تمت بها والخسائر التي ترتبت عليها. وكانت الصحافة التي تعاني الرقابة القبْلية تمارس التغطية البعدية باعتبارها صحافة مكتوبة، ولمَّا يدخلْ بعدُ البعدُ الإلكتروني. وفي العمليات الإرهابية اللاحقة كانت عشرات المواقع واليوميات والتلفزيونات الخاصة والإذاعات جاهزة لاستقبال المتيسر من الأخبار وإضفاء البعد الدرامي المواكب لها. وفي حالات أخرى لم تتغير الوسيلة، بل الفاعل كذلك؛ فلم يعد الصحفيون وحدهم ولا وسائل إعلامهم صانعة الحدث بقدر ما تدخل وافدون جدد أوصلتهم صدفة التزامن وحظوة امتلاك هاتف ومصورة إلى الوجود في المكان المقصود؛ فقد نقل مواطن عادي صور الفرنسيين الأربعة الذين تم اغتيالهم بألاك إلى العالم، ولم يكن المواطن صحفيا؛ بل أحد الركاب العاديين الذي وجد نفسه بفعل الآلة التي يحملها والصدفة التي وجد بها ينتزع من وكالات الأنباء العالمية أحد أهم اختصاصاتها. لقد تغيرت كل أطراف العملية؛ تغيرت طبيعة المستهدف ومكان المستهدف ودورية وسيلة الإعلام وهي كلها متغيرات تصب في صالح المواكبة الدائمة للحدث أو تأثير الإعلام المتزامن حتى على المجريات الفورية والمستقبلية، وقد ترتب علي التغيير في طبيعة الناقل الوسيلة فك احتكار مهنيي الإعلام و وسائل الإعلام وتفتيت الاحتكارات. وبات بإمكان صحافة المواطن غير المؤهلة للمعالجة المهنية أن توفر الأخبار الأكثر فورية في المناطق التي لم تكن مؤهلة لاستضافة الأحداث. وبات بإمكان صحفي صغير أن ينقل، بلقطة من هاتفه، الأحداث، وأن يسبب -برعونته أو لامهنيته- كل المخاطر لمجرد توفره على هاتف أو تزامن مروره مع حادثة على أن تتكفل وسائل الإعلام الجماهيرية تحت طبعة التسويق والتشويق بضمان التوزيع الآمن. فكثيرة هي العمليات التي علم بها المعنيون عبر الوسيط السريع والرسائل النصية القصيرة؛ فقبل أربع سنوات تقدم أحد الصحفيين إلى السفير الفرنسي ليسأله عن ردة الفعل حول هروب منفذ عملية اغتيال الفرنسيين من السجن، فأجابه السفير بأنه لم يعلم مطلقا بذلك. تسلل الشك إلى الزميل الذي أظهر له هاتفه الذي يحمل رسالة إلكترونية من موقع الأخبار تفيد بذلك. انسحب السفير لا حقا من المطار لاستكمال متابعة الملف الذي علم به على الفور. معارك باسكنوو وواغادو وحاسي سيدي كانت معطياتها، أو ما يعتقد أنه كذلك، تنقل عبر الأس.أم.أس مع ما يترتب على ذلك من سرعة أكثر وإرباك وتدقيق أقل. ومن الإنصاف الاعتراف بأن الجيش الموريتاني حقق للمرة الأولى نجاحا في تغيير التعاطي الإعلامي هذه المرة بتوفير السبق الصحفي (المعلومة) وعادة الأطراف التي تبدأ بالاتصال، تتحول إلى فاعل وترغم الأطراف الأخرى علي الاقتصار علي ردات الفعل. وقد شكل ذلك مرحلة جديدة من التعاطي الايجابي والإقرار بتعذر التحكم في المعلومة وواجب العمل على تسييرها بتوفيرها والانفتاح على العاملين على نقلها مميزات التغطية الإعلامية • تميزت طبيعة التغطية الإعلامية للأعمال الإرهابية بموريتانيا أساسا بجملة من الخصائص التي تلخص جدة الظاهرة والارتباك الحاصل في التوفيق بين الفورية والمهنية وغياب التقاليد. ففي موريتانيا تلقفت وسائل الإعلام دون تمحيص فيديو الدركي اعل ولد المختار وهو يطالب السلطات مقيدا بالتعجيل بالاستجابة لمطالب خاطفيه . ولم يطرح الصحفيون السؤال عن مدى مهنية عرض صور الضحية بين خاطفيه؛ بل استغلوا الفيديو للعمل من أجل تشكيل مبادرة مدنية “كلنا اعل ولد المختار” للدفع نحو الحل. وكثيرا ما اعتبر المفرجُ عنهم أن التسجيل يعمل عملا إيجابيا بإيجاد قناة للتواصل وتسهيل عملية الاطلاق كما لم يتساءل الصحفيون كثيرا عن مهنية عرض صور اعترافات اخذت لأحد المواطنين الموريتانيين قبل مقتله على يد التنظيمات الإرهابية وتم نشرها بعد اغتياله • وقد با ت من المالوف ان تتوالي الاحتجاجات ساخنة وباردة من المراقبين لوسائل الإعلام الموريتانية بعد كل تغطية: “لقد تحولت وسائل إعلامكم إلى أبواق للدعاية للإرهاب” يحدثني أحد الدبلوماسيين، “إنكم تنشرون بيانات الإرهابيين بفواصلها، وقد تكون تلك البيانات مشفرة”، يعلق وزير، “إن نقل تحركات الجنود عمل استخباراتي وليس إعلاميا؛ لأنه لا يهم المواطنين بل يقدم الخدمية المجانية للإرهابيين ويضع أرواح الجنود في خطر” يقول عسكري. واحتج إعلامي آخر “إنكم بذلك تمنحون الإرهاب حيزا لا يستحقه وفرصة للاتصال. وأعتقد أنني لن أكون محرَجا في وضعية اختيار فيها بين الإرهاب والوطن”. • وعموما فإن أهم خصائص التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية بموريتانيا تتمثل في : • سيطرة التغطية الحدثية الإخبارية على المواضيع ذات الصلة بالإرهاب؛ • غياب البعد التحليلي واستبداد المعالجة التجزيئية وفصل الخبر عن سياقه، • سيطرة الرؤية الوطنية على التعاطي مع الملف، • حضور مفهوم المخالفة المتخصصة والذي ولَّد نوعا من التشفي أو النزوع الدائم نحو المخالفة لدى البعض ونوعا من الشعور بأهمية مخالفة الطرح الرسمي حتى لو تعلق الأمر بحياة جنود وبأوضاع جيش في مرحلة حاسمة. جز. حالات من الميدان يجد الإعلامي نفسه امام اشكال حقيقي في ظل صعوبة التوفيق بين مقتضيات نقل الحقيقة بطريقة مجردة في غياب كامل للتدفق الإعلامي إلا مما تقدمه مصادر الإرهاب، أو الصمت المطبق والاستقالة من المهنة المزعجة والاستسلام لنقل الأخبار والتحلي بالوطنية بترديد كل ما وصله من أي طرف أو أن يعمد إلى ابتداع آليات لتحقيق السبق في النشر والتضحية بالتدقيق؛ فالزمن والجمهور ضاغطان: ويمكن تعداد بعض تلك الحالات • وكيل الجمهورية يستدعي موقعا إلكترونيا نشر طريقة تحميل كتاب حول تكفير جيش موريتانيا؛ • موقع إلكتروني يصف وصول جندي كمجنون من أرض المعركة؛ • موقع إلكتروني يبعث رسالة هاتفية بتحركات عسكرية في طريقها للجنوب؛ • نشر خطابات تتعلق بدعوة قادة الإرهابيين للموريتانيين إلى الالتحاق بالمعسكرات؛ • الاعتماد المطلق علي مصادر المسلحين دون تدقيق؛ • إعطاء الانطباع الكاذب بالقوة والانتشار والفاعلية وبتعذر المواجهة والخسارة المسبقة؛ • إظهار عجز السلطات الأمنية والتشكيك في الفاعلية؛ وهو مكسب نفسي كبير يعتبر إحدى الغايات الكبرى للحرب؛ • الاقتصار على الطبعة الإخبارية السطحية المفصولة عن سياقها التاريخي التحليلي؛ • نشر وسائل الإعلام الرسمية للصور الصادمة والعنيفة التي تظهر الانتحاريين سواء في العملية الانتحارية التي جرت قرب السفارة الفرنسية أو تلك التي استهدفت تجمعا للقوات بمدينة النعمة مع تركيز كبير على تفاصيل الأشلاء المتطايرة. وهو ما يشكل مساسا بالحرمة الإنسانية، ولكن كذلك بالجمهور؛ • نشر اعترافات أحد المواطنين الموريتانيين بعد مقتله على يد الجماعات الإرهابية. . استدعاءات الإرهاب موضوع جديد نسبيا في موريتانيا، ويعود بالأساس إلى أقل من عقد من الزمن، فما كانت تتم تغطيته هو إرهاب الآخر في أرض الآخر، ولا يحظى بتلك الدرجة من التغطية أو الإحساس بالحميمية كما لو كان قريبا منا أو من صنعنا. وقد انعكست طبيعة الجدة هذه على نوعية التعاطي غير الموسوم بالتقاليد ولا بالتراكمات من طرف الصحفيين ولا المستخدمين ولا حتى من هيآت التنظيم والتنظيم الذاتي. وفي بعض الحالات يتم استدعاء الصحفيين تحت ضغط الحقيقة المتحركة والتي لم تكتمل بعدَ والوضعية المربكة؛ فتوجه استفسارات إلى الصحفيين على التسرع في تأويل الحدث أو في الإضافة أو على ما اعتُبِر تحريضا أو إيلاء لمنابر زائدة لإرهابيين مع أنه كثيرا ما لا يتطابق الاستفسار المكتوب والاستفسار الشفهي فيما أُرجعه أيضا إلى الضبابية التي تتملك المشهد من حيث آليات الضبط؛ فأحيانا بدلا من التهنئة على السبق نتهم بالتمجيد وأخرى بدلا من الإدانة نطوي الملف. ومع ذلك لم يحدث أن تمت مصادرة أو مطالبة بحذف خبر باستثناء حالة الكتاب المذكور الذي طلبت النيابة حذف آليات تحميله من الموقع، وهو ما يفسر امكانية ان تكون السلطات المعنية تتعرض لضغوط فورية تستدعي التعاطي أو أنها لا تستبين حقيقة ما ينبغي فعله؛ فتستدعي شفهيا وتعيد كتابيا الاستفسار بصيغة مغايرة. ومن بين هذه الحالات التي تم فيها استدعاء الصحفيين من قبل السلطة المختصة (السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية): • استدعاء “السراج” من قبل السلطة العليا بعد شكوى من الجيش؛ • استدعاء مراسل “الجزيرة” عشية الحديث عن عملية إرهابية استهدفت السفارة الفرنسية تبين أنها حادث مرور أفلتت منه مكابح السيارة؛ فدخل إلى السفارة؛ • استدعاء “صحراء ميديا” على خلفية الاتهام بنشر خطاب لبلعور يدعو إلى تجنيد الموريتانيين؛ • استدعاء “أخبار نواكشوط” واتهامها بالدعاية للإرهابيين بعد حادثة اين امناس؛ • استدعاء مدير “أخبار نواكشوط” إلى إدارة الأمن بعد رحلة إنتاجية إلى أزواد؛ • استدعاء “صحراء ميديا” و”أخبار نواكشوط” من قبل المدعي العام على خلفية اتهامهما بنشر إجراء قضائي لما يكتمل؛ ويتعلق الأمر بإطلاق سراح بعض المتهمين في ملف لمزرب للمخدرات؛ • اعتقال أحد الصحفيين من موقع “الأخبار” لم يكن يحمل بطاقة مهنية، وكان من أول الحاضرين إلى عملية مقتل المواطن الامريكي لاكيت بنواكشوط. مقترحات يتعين على التعاطي الإعلامي أن يركز على الحفاظ على الحرية وتمكين الصحفيين من الاضطلاع بدورهم في تنوير الرأي العام أو في معالجة القضايا الإرهابية بكل مهنية وتخصصية مع الوعي بمخاطر النواقص التكوينية على ذلك. وتفيد متابعة مختلف آليات التعاطي على المستوى العالمي أن مسارات التضييق على حرية الصحافة هي مكاسب للإرهابيين بالدرجة الاولي أكثر من الوطن، وأن أهم تحصين للعملية الاتصالية يكمن في تكوين الصحفيين وتشجيع انبثاق الحس المهني لديهم والوعي بخطورة القضايا المرتبطة بالإرهاب حتى يتمكنوا من إدراجها في سياقها الكامل والتعاطي مع ما يترتب عليها من خطورة وتحسس المخاطر المترتبة على ما يكتبون في قضايا الإرهاب وما يترتب عليه من إضرار بالوطن والمواطن. وتقتضي المقاربة التكاملية الوعي بالتشاركية والانفتاح على الصحفيين أوقات السلم قبل أوقات الحرب والوعي بأن المحاربة لا تعني التماهي؛ إنما كذلك الوعي بالدور. إن معالجة قضايا الإرهاب تشكل تحديا جسيما يتطلب تملك الإجراءات الفنية ولكن كذلك تمثل فرصة لتعزيز الصحافة المتخصصة وآليات العمل الإعلامي بموريتانيا. و تتطلب مشاركة مختلف الفاعلين طالما أن انعكاسات التغطية غير المهنية لا تقتصر فقط على أداء إعلامي ناقص؛ إنما تطال كذلك التضحية بحياة مواطن وأمن مواطن. كما ان عملية تعزيز التغطية المهنية لوسائل الاتصال للعمليات الإرهابية تتطلب عدم الاقتصار على عصب العمل الإعلامي، وإنما كذلك انتهاج مقاربة شاملة تراعي باقي الشركاء المتدخلين. والي ذلك فإن التعاطي مع القضايا الإرهابية يقتضي زيادة علي تعزيز آليات التنظيم والتنظيم الذاتي وصياغة القواعد الإرشادية المتخصصة ، تملك الصحفيين للحس الصحفي اللازم للتعاطي مع هذه القضايا بمراعاة حجمها وتأثيراتها الخاصة فقد بينت حادثة اين امناس الارهابية انه رغم الانتقادات التي توجه الي المواقع الموريتانية بالنشر المستفيض لاخبارالارهابيين فان قنوات الجزيرة وافرانس 24 تلقفت بشظف توسلات المختطفين و بثتها علي الفور وهو ما كانت وسائل اعلام موريتانية قد رفضت نشره رغم اغراء السبق وامتنعت البيبيسي مرات عدة عن بث خطابات المختطفين وبادرت في حالات أخري لبثها ،وامتنعت الجزيرة في يومها الأول عن بث صورة مقتل الطفل محمد الدرة في حضن والده بوصفها صورة عنيفة وصادمة قبل ان تعود في اليوم الموالي الي نشرها لفضح الارهاب الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني . وكل ذلك يكشف حقيقة ان الامر يتطلب مواثيق متخصصة ولكن كذلك تملك الحس المهني من طرف صحفي مهني واع بالمخاطر المترتبة علي النشر وملزم باتخاذ قرار حاسم في لحظات ومن بين المقترحات: • تملك الصحفيين للحس المهني والوسائل التحليلية الضرورية اللازمة لمعالجة قضايا الإرهاب؛ • الوعي بالطابع الحساس للتقارير والأخبار المرتبطة بالإرهاب؛ • التمييز الواضح بين الطابع الإخباري والتحريضي؛ • انفتاح مصادر الأخبار من المسؤولين عن الملف على وسائل الإعلام وتوفيرها المعلومات الضرورية؛ • إعداد دليل استرشادي للصحفيين بشأن التعاطي الفعلي مع الأحداث الإرهابية؛ • تنظيم الدورات التكوينية المتخصصة في تغطية قضايا الإرهاب؛ • التحديد الصارم بين الأخبار والتمجيد والتحريض؛ • إعداد المنظمات المهنية لميثاق شرف سلوك الصحفيين والمصورين حول الأعمال الإرهابية؛ • تجنب الوقوع في مقاصد الإرهابيين بإثارة التهويل العام أو تضخيم الأعمال؛ • الامتناع عن نشر الصور العنيفة التي يمكن أن تمس الحياة الخاصة أو الكرامة الإنسانية للفرد؛ • الامتناع عن حجب أو التضييق على المعلومات المرتبطة بالإرهاب بذريعة محاربته؛ • إعداد دليل للصحفيين المهتمين المعدين تقارير حول الإرهاب؛ • التعاطي مع الأعمال الإرهابية كأحداث مأسوية عادية لمنع الفاعلين من اكتساب صفة البطولة؛ • إعداد الكوادر الإعلامية المتخصصة في مجال الإعلام الأمني. هوامش 1 تقارير لجنة الثقافة والاعلام بالبرلمان الاوروبي 2 يسري منصور الارهاب ووسائل الاعلام والاتصال 3 اديب خضور الدورة التدريبية حول التغطية الاعلامية للعمليات الارهابية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى