قصاصات_ ابروكسيل8

الزمان انفو _ كتب محمدالأمين ولد محمودي:

الثامنة –

صديقي الشيشاني يصرخ: محمد محمد قم ..خرجت فاذا المركز في حالة فوران.ظلال تتحرك في رجع المصابيح ومجموعات تقتتل في كل مكان..اخبرني احد الجزائريين وهو يبحث بعينيه عن عمود او آلة قتل ان الألبان اغاروا على عنابر المسلمين وان علي الهبوط الى الميدان لأنهم في النهاية سيصعدون في حال لم نقاوم..كنت اخطو في الرواق بصعوبة وانظر من النوافذ الكبيرة وحين مر من امامي الشيشاني وقد تأبط نافذة زجاجية احسست بأنه يجب علي المشاركة او التمثيل على الأقل..الهواتف تختلط: اروح ظروك اولاد…فعلوها بنا..النداءات والصراخ والاستغاثة.. حين لمعت عبد الرزاق والبقية يجرون باتجاه عنبرنا مستنفرين فهمت ان الخطب جلل، فنزعت النافذة بقوة وجريت باتجاههم وقد رسمت على وجهي الشر والحنق والغيظ..بادرني عبد الرزاق: من بقي في عنبركم ؟
– لا أحد من المسلمين.
صاح بعقيرته التي تهد الجبال :الله اكبر الى الميدان.
اصوات الجميع على السلالم كالكوماندوز..تخلفت قليلا وحين ابتعدوا وضعت النافذة جانبا واتخذت مكانا يسمح لي بالمتابعة،الدماء تسيل والنواح وطقم اسنان يسقط الى جانبي ثم تدوي الصفارات في المركز وتضاء الأنوار الكاشفة وبعد ربع ساعة تتدخل الشرطة الفدرالية وتقبض على من وجدتهم في الساحة او في حوارات جانبية بالمكتبة او في السينما او في اي مكان..الكثيرون عادوا الى غرفهم وذلك مافعلته قبل ان يخبرني الشيشاني بأنه رأى الألباني محمولا على نقالة ويقصد الفتى الذي يقتتل الجميع بسبب وقوع الفلسطينية بنت ابو محمود في حبه..فقد تلقى تهديدات من العرب بعدم التظاهر بهذه العلاقة وكان وخلص اصدقائه يمرون امام الجماعة وهم يقهقهون بوقاحة وهي معهم الى ان ضبطتهما المجموعة في حالة “حب” ..كان الرجل اعزل فانهالوا عليه وعليها ضربا ورفسا ونطحا فاستنفر بني جلدته لتبدأ الحرب..كنت اكره تلك الفتاة واسميها الأرشيدوق فيردناند لأنني اراها سببا لكارثة قد تقع..افرجت الشرطة عن الجميع بعد تحقيق ليوم واحد وعاد الجيشان الى القصر ودخل الكل في هدنة غير معلنة وعشنا اياما من الهدوء ودعة الحياة والسهرات وأغاني الراي والحب والاحساس بالأجواء الأوروبية الحقيقية نتيجة انفتاح بعضنا على الألبان والسلاف بمبادرات من المرشدات..قررت بعد ايام من الواقعة ان انضم لطابور الباحثين عن عمل اسود”( العمل الأسود يقتضي ان تزاول عملا غير مرخص لأنك لم تحصل على اوراقك بعد، او لأن رب العمل يتهرب من الضرائب والضمان الصحي وغيره،تتفقان على ان تزاول العمل وفي حال التفتيش تدعي بأنك تساعده لمدة يوم فقط)..كنا نقضي يومنا امام البوابة الكبيرة التي في الصورة،نجلس على ذات المقاعد التي ترونها، نسأل المارة بأعيننا وحين تتوقف احدى السيارات نركض جميعنا نحوها تماما كما هو الحال عند اكلينيك او الكنيسة بانواكشوط.
ذات وقفة توقفت سيارة حمراء من نوع ابورش،ركبت مع صاحبها دون استئذان في حين ركب نزيلان من نزلاء القصر في المقاعد الخلفية،اعرفهما جيدا فهما صديقاي من التيبت “داري” واخته..سار بنا السائق عشر دقائق تقريبا ثم ركن سيارته وطلب منا الترجل،دخلنا مقهى متواضعا فإذا بسيدة مغاربية ترحب بنا،وتطلب لنا شايا وبعض العصائر.
الرجل تونسي، وقد تعرف على بلدي دون عناء كبير،سألني بالفرنسية ان كنت اتكلم الانكليزية،قلت قليلا،عندها طلب مني ان اترجم املاءات السيدة لصديقي.
قالت وهي تتفحص الفتاة ان لديها قاعة تدليك، فنقلت لصديقي التيبيتي،انهم يريدون الفتاة لتتعلم التدليك على ان تشتغل براتب رسمي بعد التعلم،،شرح لها الأمر،ويبدو انها لم تتقبل في البداية،لكنها قبلت على مضض بعد ان اسهب في الحديث معها.
قالت السيدة المغاربية: بعض الزبناء يطلبون اشياء قد لاتكون تقليدية لذا عليها ان تكون متعاونة،نقلت له الفكرة بكل أمانة وهنا وقف والقى عليها نظرة غاضبة صاحبها لا يملك الحق في الشجار لأنه بلا اوراق وقال: تبا لكم جميعا وامسك يد اخته وخرجا دون انتظار لصاحب السيارة، التفت الي الرجل وقال غير مكترث: لنذهب فشغلك سيكون مختلفا و محترما فأنت عربي وابن عمي.
في الطريق حدثني عن انه يريدني جليس اطفال لدى اسرة بلجيكية وبمقابل جيد سيبدأ بأربعين او خمسين اورو لليوم مع الاقامة وغيره،وانني خلال دوامي سأزج الأشجار وانظف المسبح،الى آخره.
حدثته عن الشابي فلاحظت انه لايعرفه وحين تحدثنا عن حقوق العمال في العالم العربي، سألته ان كان يعرف فرحات حشاد فهز رأسه نفيا ليتضح في الأخير انه لايعرف تونس..
دخلنا الأحياء الراقية وتوقفنا عند فيللا منيفة،مررنا بجانب المسبح فاستقبلنا رجل يجلس على كرسي متحرك والى جانبه تقف طفلة آسيوية الملامح،جلسنا في البهو،ويبدو ان التونسي كان في عجلة من امره فبادر بالقول انه سيذهب مع اضافة عبارة” لن يكون هذا الرجل مثل جمال”..شكرته ثم خرج.
قال لي الرجل إنهما كأسرة يعيشان في هذا القصر بعد ان تبنيا هذه الطفلة وانها كل شيئ في حياتهما،وبالتالي يريدان من يهتم بها ويوصلها المدرسة،الى آخره،لم استسغ الأمر،لكن ماباليد حيلة،فمع الأم يمكن التحدث في التفاصيل،فأنا لن اكون ” حكامة” او حاضنة بالمفهوم الذي اعرف.
بدأ في شرح الوضع: غرفتك هي المحاذية لمنتهى السلم اي قبالة غرفة نومنا وهناك غرفة الفتاة،في البيت يحق لك تناول جعة واحدة لليوم وبحضورنا،لكن خلال نهاية الأسبوع يحق لك الذهاب للسهر معنا او مع اصدقائك..الآن يمكنك ان تصعد وبعد ساعة تخرج لنتناول العشاء معا،
الغرفة ضيقة كالتابوت ويبدو انهم لم ينظفوها،الشرانق تغطي السقف والبلاط مغبر رغم نقاء المحيط من البهو الى الرواق وحتى السلالم،بعد قليل جاءت “آنا” ذات السبع سنوات تحمل بيجامة واشارت الى قطعة قماش مرمية على السرير الذي يشغل الغرفة بالكامل: لاتلبس تلك فقد تركها جمال قبل ان يهرب!
يهرب!
اوكى!
تركتني الصبية في حيرة من امري: جمال المشهور في المركز بالنشاط والتحمس للعمل يفر! جمال يترك حذاءه! فتى “غيليزان” لايخاف الا من أمه.
جمال يهرب عن فرصة ” اندماج” حقيقية( الاندماج كلمة سحرية لدى المهاجرين وهي ترجمة ل انتيكراسيونه)..
حل الظلام،تحركت قليلا،فتحت الثلاجة فوجدتها خاوية الا من قنينة “جيبيلير” واحدة وقنينة ماء..
بعد قليل نزلت فوجدتهما على الصفرة ومعهما رجل آخر..سلمت
-محمودي
-“يان”
-تشرفت
-تشرفت
التفت الي المقعد الذي لم اعد اذكر اسمه وقال : هذا شريكي “يان” ويعمل في مصرف، وبما انني تعرضت لحادث وصرت الى ما انا عليه فقد وجب البحث عن معين لنا في تصريف اغراض ابنتنا آنا..خلال القائه للكلام ربت “يان” على شعره حيث لاحظ الحزن الذي تغشاه اثناء حديثه عن الحادث.
قال يان: جلبنا شخصا من نفس المكان الذي قدمت منه ويبدو انه آثر الخروج ليلا دون ان يخبرنا والمنطق يقول إنه سرق بعض اغراضنا لكننا الى الآن لم نلاحظ مايثبت ذلك..لم نفهم حقا سبب انصرافه.!
انتهى العشاء الذي لم اتناول منه بسبب حالة ارباك تملكتني،صعدت الى الغرفة الضيقة،لم البس المنامة وانما اتكأت على القفا المنهك وامام عيني ينتصب حذاء جمال كشاهد على قبر الشيطان..
بعدها بقليل سمعت حركة في الرواق،فهمت منها ان “يان”يساعد المقعد ليصل غرفة النوم،سمعت خطى آنا امام غرفتها،ثم اوصدت الباب ودخل المكان في حالة صمت قطعها بعد قليل رجع اغنية قادمة من غرفتها،” سيرخي” لفرقة لاست كيتشوب الاسبانية، اغنية العام بامتياز،متى انتهت اعادت الاستماع وفي كل مرة يأتيها الصوت من غرفة النوم : آنا كفى.. فترد : آخر اعادة بابي ..وهكذا حتى خمدت الأصوات.
لم يغمض لي جفن حتى الصباح حين سمعت ذات الأقدام تتحرك وذات الجلبة في الرواق فنزلت،اخبرتهم ونحن نشرب قهوة الصباح انه يجب علي جلب اغراضي من مركز اللاجئين،اعطاني “يان” اربعين اورو عن اليوم الأول ثم اتصلا بجارهما صاحب البورش الحمراء..،جاء مسرعا،ركبت معه السيارة.
-كيف ليلتك
– ليلة ليلاء..لم يفهم تأكيدا
غبت في اغفاءة خلال نصف ساعة،وتركته يتحدث عن كرم الثنائي يان والمقعد..ايقظني توقف المحرك: سألف من هناك من امام ساحة البورصة ريثما تخرج حقيبتك..خذ معك حذاء جمال وقل له إنه خذلني،فماهكذا يفعل العرب..
دخلت المركز مسرعا وتوجهت صوب جمال،سلمته حذاءه واخبرته الخبر فهم بالخروج لضرب الرجل لكننا تمكنا من صرفه عن مثل هذا التصرف..كان غاضبا اذ يعتبر ان الرجل احتقره بأن عرض عليه العمل كبيبي سيتير،ولمن؟ لمثليين!
لغاية خروجي من المركز مازال صاحب البورش الحمراء يتسكع امام القصر بحثا عن يد عاملة رخيصة او ” رخيصة”..ولعل اكثر شيئ خسرته في هذه الرحلة هو ان صديقي التيبيتي اعتقد انني كنت شريكا للرجل وانني كنت اعرفه قبل اللحظة التي اقلنا فيها.
يتواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى