ولد محم يكتب : المرحوم الشيخ ولد لوداعة … صدق فى المهنة وتواضع فى الحياة

الزمان أنفو ـ رحل عن هذه الدنيا الفانية المرحوم الشيخ ولد الحافظ ولد لوداعة ، مساء الجمعة 30 ربيع الثاني 1441ه الموافق 27دجمبر 2019م ، بمدينة شنقيط مسقط رأسه، حيث كان في رحلة اليها لصلة أرحامه وزيارة أهله في مقبرتها الشهيرة .
بدأ المرحوم الشيخ العمل في جريدة <<الشعب>> اليومية – الطبعة العربية- لدى انطلاقتها في يوليو عام 1975م ، وجاءها قادما من سوريا التي درس بها فترة من الزمن، وكان من أوائل الطلبة الموريتانيين الذين صحبوا معهم سيداتهم إلى المشرق العربي ، حيث كانت معه سيدته الفاضلة و ابنة عمه:هندو – أطال الله بقاءها – و كان في تلك السنة في آخر العقد الثالث من عمره – .
و مارس العمل في جريدة ” الشعب ” كمحرر ، ومخبر ، و مترجم ، وكاتب زوايا، و مخرج ، و مصحح ، و تولي المسؤولية في أقسامها .
نشرت له في أغشت 1975 بجريدة “الشعب ” حلقة من زاوية << حديث الناس>> ، وأعتقد أنها أول مادة نشرت له موقعة باسمه فى ” الشعب” .
وشارك في أكتوبر 1975 في مقالات نشرت عن الانتصارات التي حدثت في شهر رمضان المبارك .
وحينما اندمجت جريدة “الشعب ” بالوكالة الموريتانية للأنباء سنة 1991 اختار العمل في مجال الأخبار ، و اسندت إليه قطاعات حكومية ليتولي تغطيتها.
تميز المرحوم الشيخ ولد لوداعة ، طيلة عمله ، بالتواضع و الزهد في المناصب و الانسجام مع محيطه و الدقة في معلوماته ، ومجلسه لايمل لما يخلل به حديثه من نكت و طرف .
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن نعيم: “رحم الله نعيما أضحكنا حيا وميتا”.
وكان رحمه الله لديه عطف خاص على صغار العمال الذين كانوا منسجمين معه.
كان بيته العامر من بيوتات نواكشوط المعروفة منذ سبعينيات القرن الماضي بأنها مفتوحة أمام الأقارب و الزملاء و الأصدقاء و أصدقاء الأصدقاء يتناولون فيه الوجبات و الشاي مع الترحيب ويذهبون إلى شأنهم..
شهد المرحوم الشيخ أحداثا وطنية كبري تولي تغطيتها بكل ما يتطلب ذلك من أمانة في النقل ، و نباهة ، و ذكاء في الحصول على المعلومات المهمة .
و تعود على أن يشرك زملاءه فى المعلومات المهمة التى يحصل عليها .. و كان حينما يعود من حدث مهم ، تولى تغطيته ، يبدأ في إطلاع زملائه بقاعة التحرير على ما حدث..
من ذلك محاكمة مدبرى العملية الانقلابية التى وقعت في 16مارس 1981م ، هذه المحاكمة جرت في قاعدة “اجريدة” القريبة من نواكشوط، وفي يومها الأول ذهبت اليها- و كنت يومها رئيسا لتحرير الشعب العربية – ، مع الزميل البو بن الطلبة مسؤل الشعب الفرنسية ، و المصور جيبي جالو.
و كان يوما مرعبا و يسوده توتر شديد ، ولما عدنا إلى انواكشوط في الليل قررت أن لا أعود إلى هذه المحاكمة ، و لكن المرحوم الشيخ ولد لوداعه كان متحمسا ليتولى المهمة، و تابع المحاكمة إلى أن تم النطق بالحكم ، و كان حينما يعود -كعادته- ينقل لنا كزملاء كل مادار في المحاكمة .
طبعالم يكن باستطاعتنا أن نشرك القارئ في ذلك ؛ فالذي يجوز لنا نشره في ذلك الوقت هو بيانات صادرة عن محكمة العدل الخاصة فقط.
وقد نقل لنا المرحوم الشيخ مرافعات مؤثرة لبعض المحامين ، حينما طالبت النيابة باعدام قادة الإنقلاب ، وهو ماتم بالفعل.
وكان ينقل المرافعة بالفاظها الفرنسية لأن المحاكمة تجري باللغة الفرنسية و يترجمها باللغة العربية لمن لا يعرفون الفرنسية.
فى مارس 1982 م ، كان المرحوم الشيخ ولد لوداعة من اوائل المعتقلين في حملة الاعتقالات ضد المتهمين بالانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وبقي في السجن فترة ثم أطلق سراحه.

في التسعينيات من القرن الماضي قرر المرحوم الشيخ ولد لوداعة أن يخصص جل وقته لحفظ القرءان الكريم ، وكان ذلك وراء رفضه لأي منصب قد يشغله عن مهمة العمر بالنسبة له ، وهي حفظ القرءان ، و تم له ذلك بعد سنوات من الجد و المثابرة..
طوبي له .
في التسعينيات طوى المرحوم الشيخ صفحة من حياته ، وفتح صفحة جديدة عنوانها الكبير: الاشتغال بالقرءان الكريم و الاعراض عن مجالس السياسة ، وكل مالا يفيد..
تقاعد في 31دجمبر 2011م هو وكوكبة من العمال المتميزين في الوكالة الموريتانية للأنباء ، ونظم السيد يربه ولد اسغير المدير العام للوكالة – حينها- حفلا لتوديعهم فى ال 24يناير 2012م ، وألقيت كلمة في هذا الحفل تحدثت فيها عن كل فرد من هؤلاء الزملاء .
وقلت حينها عن المرحوم الشيخ ولد لوداعة مايلي: ” السيد الشيخ ولد لوداعة يعد من الجيل المؤسس لجريدة “الشعب” ، برز في الريبورتاجات بشكل خاص ، منذ بداية عمله ، وغطى أحداثا وطنية كبري مثل محاكمة “اجريدة” الشهيرة لمنفذي محاولة انقلاب 16مارس 1981م ، تولي سكرتارية التحرير في جريدة “الشعب ” فى السبعينيات من القرن الماضي ، و استطاع أن يشيع تفاهما بين الصحفيين و الفنيين في المطبعة الوطنية بطرافته و نكته التي لا تنسى ..
يغطي أخبار القطاعات بمهنية و صدق منذ عقدين من الزمن >>.
رحم الله الشيخ ولد لوداعه و أدخله فسيح جناته و بارك في ذريته و جعلها الله ذرية صالحة وجعل منها ذرية صالحة ..
ونعزي فيه أسرته الكريمة و ذريته وزملاءه و أصدقاءه و كل من يعرفه ، و نعزى فيه انفسنا ، و نشهد له بالخير و الاشتغال بالقرءان الكريم .
انا لله وانا لله راجعون .

محمد الحافظ بن محم
طهران 28 دجمبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى