جرائم “الأوامر العليا” .. و “الظروف الاستعجالية” / سيدي علي بلعمش

الزمان أنفو _

 

محاربة الفساد تبدأ مع ظهوره، لا بعد أن يصبح ظاهرة متفشية تتعايش معها الناس ، تفترس أظافرها جسم الدولة مثخن الجراح.
و العقوبات في محاربة الفساد، يجب أن تكون جادة و رادعة أي أن تكون مضاعفة، لردع الآخرين.
اليوم، يطل علينا الوزير الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب بصفقة تراضي في منتهى الوقاحة و من آخر من كنا نتوقع أن تصدر منه (وزير الشؤون الإسلامية و التعليم الأصلي) !!
و يبرر الوزير جريمته بما هو أقبح ألف مرة من الذنب (أوامر عليا)، جاهلا أو متجاهلا أن مسؤولياته و صلاحياته تحددها ترسانة قوانين ليس من بينها “أوامر عليا” و أنه مسؤول أمام الشعب الموريتاني كما هو مسؤول أمام رئيس الدولة و رئيس حكومته و عليه إذا وصلته “أوامر عليا” بالفساد، أن يقدم استقالته و يصارح شعبه.
ربما يجهل هذا الوزير أن القانون يلزمه بالاستقالة في حالة إكراهه ب”أوامر عليا” على عملية يمنعها القانون كهذه و يجهل أكثر أن قوله بأن “أوامر عليا” صدرت إليه، تجعله مرتكب جريمة و متستر على أخرى.
و زيادة على أن عبارة “أوامر عليا” ، أصبحت فوق سوئها ، تمثل إحدى أبشع حساسيات شعبنا ، فهي عبارة وقاحة و استهتار ، تعني أن الوزراء و المسؤولين لا تتغير عقلياتهم و غير معنيين بالقوانين المسيرة لمؤسساتهم.
لماذا لا يستقيل الوزير حين وصلته “أوامر عليا” بانتهاك القانون ؟ أم أن مصلحته الخاصة و حفاظه على وظيفته أهم من مصلحة الوطن؟
من جهة أخرى و فوق هذا و ذاك، لا بد اليوم أن يكون الوزير كاذبا أو يكون رئيس الدولة هو الكاذب، حين أعلن أنه أصدر الأوامر للوزراء بأداء عملهم بكل حرية و أن يتحملوا مسؤولياتهم في تسيير الشأن العام.
إذا كان الشعب الموريتاني يريد محاربة الفساد و القضاء على هفوات هذه الإدارة المريضة، عليه اليوم أن ينزل للشارع حتى يعاقب وزير الشؤون الإسلامية و يطرد من وظيفته و يمنع رجل الأعمال هذا و بتعميم قضائي، من الحصول على أي صفقة للدولة مستقبلا، مع غرامات للحق العام و أتعاب القضاء و استفزاز الشعب.
إذا كان الشعب الموريتاني جاد في محاربة الفساد و رفضه، ماذا يمكن أن يقول سوى أن أمثال هذا الوزير ليسوا أهلا للمسؤولية؟
لا شك أنكم ما زلتم تتذكرون فضيحة شاحنة المساعدات الأمريكية و لا شك أنكم تتذكرون مبررات مفوض الأمن الغذائي حينها ، بأن تكيبر هي من أصدرت له الأوامر بنقل الشحنة إلى بيتها ، أيكون أمثال هؤلاء أهلا للمسؤولية؟
من يتذكرون ما يعانيه حجاجنا كل عام في الأراضي المقدسة بسبب تلاعب هذه المافيات ، من فوضى و إهمال و هدر حقوق و استهزاء ، يفهم الآن بوضوح من خلال هذه الصفقة ، لماذا يتعرضون لكل ذلك ، حيث تمنع الوكالات المستعدة لتقديم خدمات أفضل و تغلق كل أبواب المنافسة الضامنة لجودة الخدمة و تعطى الصفقة لمعتوه محمي ، يتلاعب كيف شاء ، بحياة و مصالح و راحة حجاجنا و حين يشتكون إلى الوزارة ، ينسى المساكين أنهم يشتكون إلى طرف في صفقة شقائهم و التحايل عليهم.
على الجميع أن يعي اليوم أن هذه الصفقة إذا مرت من دون عقوبات قاسية على الطرفين، لن يكون من حقنا أن نقف في وجه أخرى أو نلوم أي مسؤول آخر.
و هي مناسبة أيضا لنوجه نداء صارخا إلى النظام ، بما يدعي من نوايا محاربة الفساد و القضاء على الفوضى ، أن يأخذ مسؤولياته في هذه القضية و يبرهن للشعب على جدية سعيه لبناء أقل قدر من الثقة مع الشعب.
نريد أن يتم حذف عبارات “ظروف استعجالية” “ملحقات” و “أوامر عليا” من قاموس الصفقات، تلك العبارات المبررة لكل جرائم صفقات التراضي و أن يتم إصدار قانون بمسؤولية الطرفين في العقوبة ، إذا كانت الحكومة جادة في إخراج هذا البلد الغارق في الفوضى، من مستنقع الفساد و التخلف بسبب بشاعة نخبه و تهاون الأحكام التي توالت عليه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى