أرض العجائب و الخيانات البطولية (3) / سيدي علي بلعمش

الزمان أنفو ـ

حين تشير في “مر الكرام” على فساد أو تقصير أي مسؤول (غير مسؤول) عاث فسادا و طغيانا في هذا البلد المنهك، لا بد أن ينبري لك جاهل، يزبد بالحمق والبذاءة ، لا يفرق بين التجريح و التشريح، يرغمك على وضع الحروف على النقاط، من دون أن يدرك أنه أكبر عدو لمن يدافع عنه و أسوأ محب له :

لأسباب سأكتفي بالقول بأنها كانت غامضة (باعتبار أننا أبرياء و أنه فوق الاتهام)، قام العقيد مولاي ولد بوخريص (و باستطاعة أي منكم أن يسأل أي عسكري في عهد قيادته للأركان)، ببيع جل سيارات العسكر المُصَلَّحة (Reformées) لأقارب له و لآخرين (للتمويه و المغالطة)، من بينهم لمشعشع . و يعرف الجميع أن يوم مغادرته لقيادة الأركان، كان جيشنا في حالة يرثى لها . و من يراجع لائحة الضباط الذين تم تسريحهم في عهده و يعود إلى تكوينهم و المدارس العسكرية التي تخرجوا منها و الدورات العسكرية التي شاركوا فيها و تميزهم بين أقرانهم ، لا بد أن يفهم أن ولد بوخريص لم يكن بريئا و أن مهمته كانت بكل وضوح ، تهدف إلى تدمير جيشنا . و حين نسأل لماذا؟ لن نحتاج إلى أكثر من سؤال بسيط : من هو مولاي ولد بوخريص؟
و حتى لا أكون مباشرا أكثر من اللازم أو أقل من المطلوب ، سيكون ردي على هذا السؤال من خلال الدائرة التي أحاط بها نفسه في عملية تدميره لأهم مؤسسة في البلد و أقلها تحملا لمثل هذه الممارسات غير السوية:
ـ شركة ميتشيبيشي : ممثلها الحصري في موريتانيا محمد ولد أجولي (أركيبات) و هو شريك للعقيد مولاي ولد بوخريص مع حصة للعقيد إبراهيم ولد علي انجاي ( أمه أركيبية) :
ـ أتكلم هنا، عن ضباط تحولوا إلى رجال أعمال (تحت العلم) . و هذا عمل يجرمه القانون و ترفضه الأخلاق .. و عن قائد أركان يدمر جيش بلد لبناء ثروته في خيانة عظمى بكل تجلياتها.
ـ أتكلم هنا، عن قرابات ستُظهِر علاقتها الاجتماعية خطورة ممارساتها داخل مؤسسة شديدة الحساسية (و من غرائب المنطق في موريتانيا أن تكون ممارسة القبلية أمرا عاديا في الواقع و يكون الحديث عنها هو ما يوصف بالقبلية). و ليس سرا أن قبيلة أركيبات (الموريتانية، الأصيلة) من أكبر القبائل المشكلة للجمهورية العربية الصحراوية . و هذا أمر لا يمكن تجاهله ، لا سيما إذا وجد ما يثيره مثل ما فعل ولد بوخريص . و بعيدا عن رأيي و رأي غيري ، لا يمكن لأي بلد أن يخاطر بتعيين قائد عام لجيشه في حالة مماثلة (مع نكران ذلك طبعا و تجاهله و حتى تفنيده : تلك إكراهات واقع لا حل لها).
ـ و في ما يشبه الرشوة الذكية ، أشترى ولد بوخريص ـ بعد أن باع كل سيارات الجيش العسكرية (في مزاد غير علني)ـ سيارات مدنية رباعية الدفع ، عالية الرفاهية، من شركته (ميتسوبيشي) لقادة الولايات العسكرية و الوحدات و سيارات أصغر بكميات هائلة لكبار الضباط و باصات نقل للجنود من نفس الشركة.
ـ تفرعت من ممثلية ميتسوبيشي وكالة لبيع قطع الغيار ، ظلت المهيمن الحصري على خدمات الجيش . و فيما ظلت كل طلبات الجيش الأكثر إلحاحا تقابل بالروتين القاتل ، كان التوقيع على إصلاح و تأهيل أي سيارة ميتسوبيشي غاية (في نفس يعقوب) ، لا تقبل التأجيل.
ـ و تفرعت عن شركة ميتسوبيشي (في عملية استنزاف لا غبار عليها) ، شركة متخصصة في أعمال الهندسة المدنية ، مديرها ولد أواه (أركيبات) ، تعاقدت مع الجيش في حفر الآبار و السدود و بناء و ترميم الجسور و كل أعمال الهندسة المدنية.
ـ قبل وصوله إلى قيادة الأركان، كانت عند محمودي ولد بوخريص (أركيبات / الأخ الأصغر للعقيد مولاي) وكالة سفريات (Sorci)، على وشك الإفلاس. و بعد تعيينه، حَوَّل لها المكتب الرابع (بقيادة الأركان)كل عمليات ترانزيت الجيش و تذاكر العسكريين و كل الخدمات العسكرية ذات الصلة ، لتصبح بين عشية و ضحاها أهم وكالة سفريات في البلد.
ـ و في جريمة مماثلة لبيع السيارات العسكرية المصلحة (reformées) للأقارب و المعارف (و من غير المفهوم شراء مدنيين لسيارات عسكرية بهذا الكم الهائل و من غير المفهوم أكثر أن لا نراها في حركة السير؟)، قام مولاي ولد بوخريص ببيع جل الثكنات العسكرية (في وقت تحتاج فيه بلادنا إلى مضاعفة عدد جنودها عدة مرات) : لم يكن أي من هذا مفهوما لمن يعطي نفسه حق الاشتباه في ما يثير الشبهة!!
ـ و لن أتكلم هنا عن الضريبة على رواتب العسكريين (ITS) التي لم تَدخُل قط لخزينة الدولة و لا تغذية الجنود (البائسين) التي دأب جميع قادة الجيش على اقتطاع أكثر من ثلثيها و لا عن العبث المستمر بميزانية تسيير الجيش و الملابس العسكرية و شراء التجهيزات و نهب المحروقات و صندوق الاستخبارات العسكرية ، لكن الغريب أن مولاي الذي أمضى عشر سنين في الوظيفة، لم يكتف بهذا الدخل الهائل الذي لم يكن أعدل الناس في تسييره !؟
ـ و في واقعة مشهورة (سنة 1999) ، استدعى العقيد مولاي ولد بوخريص النقيب عبد الله ولد سيد آمين (ضابط إشارة) ، في مكتبه. و عند دخول الأخير في مكتب قائد الأركان، وجد معه مجموعة من بوليساريو و معهم ملازم أول يدعى الخليل (من الدرك الوطني). كانت المجموعة تتابع عرضا عسكريا لقوات البوليساريو في مكتب القائد العام للقوات المسلحة . و عند انتهاء العرض طلب ولد بوخريص من النقيب عبد الله ولد سيد آمين أن يرافق جماعة البوليساريو و يرى ما سيقدمون له من سلاح الإشارة ليشتروه منهم (مخزن في مكان ما من العاصمة نواكشوط!؟).
ذهب النقيب (مستغربا مما يحدث) مع جماعة البوليساريو و رأى ما عندهم و عاد إلى قائده و أخبره أن ما رآه عبارة عن أجهزة إرسال مستخدمة ، رديئة و متهالكة لا تصلح لشيء، معرضا عن الموافقة على شرائها. قام ولد بوخريص فورا بنقله من مصلحة المشتريات و أمر خلفه الجديد بشراء الكمية . نفذ الأخير أوامر القائد العام بالحرف و وضعت الكمية في مخزن للقيادة العامة و ظلت فيه لفترة طويلة (لأنها غير صالحة للاستعمال) حتى تم رميها بعد فترة. هذه القصة يعرفها كثيرون بكل تفاصيلها، لكن، لأننا في موريتانيا ، فهي مجرد بطولة لا يهم من و بطلها و لا على حساب من، ما دامت مدموغة بطابع “صنع في موريتانيا” .
ما يهمنا اليوم، هو أن يفهم النظام الموريتاني أن هذا التسامح المستهتر لا يمكن أن يستمر و أن جميع المسؤولين اليوم متهمين حتى تثبت براءتهم : كل الجرائم التي حيكت ضد موريتانيا في منظمة نهر السنغال كانت في أزمنةِ تَوَلِّي موريتانيين لإدارتها؟ و لا يمكن أن نسكت عن هذه الجرائم مهما كانت قدسية سريتها، ما لم تقم السلطة بواجبها الكامل و ما لم نشعر في أعماق أنفسنا أننا أمام سلطة مؤتمنة على مصلحة البلد و سمعته، لا تهادن فيها و لا تساوم و لا تجامل و لا تتسامح مثقال ذرة.
أرض العجائب و الخيانات البطولية (2) / سيدي علي بلعمش

حين تحصل على جنسية بلد ، من الطبيعي أن تصبح فيه “مواطنا” مكرما ، معززا و يكون من أقل واجبك أن تفي لهذا البلد و تدافع عن مصلحته و سمعته و تعترف بفضله عليك.
أكثر دول العالم إن لم أقل جلها، تستثني هذه الفيئة من “المواطنين” من بعض الوظائف السامية و من الوظائف الأمنية و الرتب العسكرية السامية. و بعض الدول لا تقبل دخولها في الجيش و الأمن. و بعض الدول تكتب على أوراقها “مواطن من الدرجة الثانية”. و ليس من بين هذه الدول كلها من يدينه العالم بتعامله مع هذه الفيئة من “المواطنين” ؛ أولا لأن الأمر سيادي بالدرجة الأولى و ثانيا لأن الطرف المستفيد ليس مجبرا على القبول و لا مبتزا تحت الإكراه، فمن حقه أن يقبل و من حقه أن يرفض.
أما في بلدنا ، فأنت مواطن من الدرجة الأولى حتى من دون الحصول على الجنسية و من حقك أن تكون وزيرا في موريتانيا من دون أن تحمل جنسيتها:
ـ في عهد المختار ولد داداه تم مرة إصدار مرسوم رئاسي (في بداية الستينات) بمنح الجنسية لسنغاليين من أجل تعيينهم وزراء ..
ـ و من حقك أن تكون رئيس حزب سياسي يطالب بتغيير هوية البلد و لغته و تاريخه : قدم (ص.ا) إلى موريتانيا من أندر في عملية نقل الإذاعة الموريتانية التي كان يعمل بها هناك و أصبح مواطنا ، لا أحد يعرف متى و لا كيف. و بالعودة إلى ملفه الوطني إذا كان موجودا ، لن تجدوا له طلب تجنيس و لن تجدوا أثرا لأصله الحقيقي (السنيغالي) ، لكنك لن تجد له عما و لا خالا و لا ابن خالة في البلد إلا إذا كان جاء مثله في رحلة مماثلة. ليصبح اليوم رئيس حزب سياسي ، على رأس مطالبه أن يأخذ البلد هويته هو و يتعلم لغته و يتبنى ثقافته. و يصبح نظامنا البطل هو المُخجَل من مواجهته و الرد عليه بدل سحب جنسيته كما يفعل العالم أجمع لكل من لا يلتزم بشروط توطينه.
ـ و من حقك أن ترتقي أعلى الرتب العسكرية و الأمنية ( ا . ا) ، ابن تاجر سنغالي يعرفه الجميع، كان يعيش في روصو (موريتانيا)، دخل الجيش الموريتاني و ارتقى فيه إلى رتبة عقيد و عين 2003 ملحقا عسكريا في السفارة الموريتانية في فرنسا و لا يعرف الجيش الموريتاني أي شيء عن أصله و لا أي شيء عن ملف توطينه إن كان وطنيا.
ـ (ا . ع . ا ) :ابن أسرة سنغالية معروفة، دخل الجيش الموريتاني و ارتقى فيه إلى رتبة عقيد. و تعد حالات أمثاله بالعشرات و المئات و الحالات الأقل منها (ضباط صف و جنود) بعشرات الآلاف.
الأخطر في هذه الحالات ليس أنهم دخلوا الجيش و لا أنهم وصلوا إلى تلك الرتب و إنما بالعودة إلى ملفاتهم ، لن تجد أي فرق بينهم و بين أبناء البلد الأصليين . و لن تجد أي إشارة إلى أصولهم الأجنبية . أليست هذه كارثة أمنية حقيقية؟
ـ نائب أفديرك حاليا ، كان مقاتلا في صفوف البوليزاريو و لا ندري كم قتل من آباء من يمثلهم اليوم و يتكلم باسمهم و يتولى مهمة الدفاع عن مصالحهم. و هو من يتولى إدارة بعض ممتلكات رئيس برلمانكم ولد بايه الذي فرضه على سكان المدينة لحماية مصالحه الشخصية: على الأنظمة الموريتانية أن تفهم أن الدول لا تبنى بالعواطف و أن ثمة أمور لا يمكن التساهل فيها. و عليها أن تفهم أن تصحيح مثل هذه الهفوات الخطيرة لا يقبل التأجيل و لا التسويف : ألم يخجلكم و لم ينبهكم ، إرسال المساعد الشيخ أفال في منحة تدريب إلى فرنسا ليذهب بكل آرشيف قاعدة الجريده و ما فيها من أسرار خطيرة؟
ألم ينبهكم إرسال الملازم أول جينغ ، من كتيبة المظليين رقم 1 في أطار ( 1ier BCP ) في مهمة استخباراتية (1989) و لم يعد حتى اليوم؟
ـ ألا يُخجل بناة هذا الوطن اليوم ، أن صال آمادو كليدور ، بعد عدة سنين من عضويته في الجمعية الوطنية الموريتانية ، عاد إلى بلده (السنغال) و أصبح فيه وزيرا و بعد تقاعده أصبح عمدة داكار؟
ـ و في القمة الإفريقية الأخيرة في نواكشوط ، ألم تكتشفوا فداحة أخطاء نظامكم و أخطاء جيشكم ، حين التقى رئيس الجمهورية العربية الصحراوية و بشكل انفرادي مع وفد كامل ، ليس من بينكم من يعرف حقيقة علاقته بأي منهم ، يتكون من : محمد خونا ولد هيدالة (رئيسكم السابق)، مولاي ولد بوخريص ، (قائد أركانكم السابق) ، سيدي ولد الريحه (قائد أركانكم السابق) و محمد علي ولد المجيد (رجل أعمال)؟
ـ ألا يُخجلكم أن مستشار سفارتكم الأول في الجزائر (التي كانت تعرف حقيقته أكثر منكم)، ابراهيم حكيم ، ذهب من سفارتكم ليحمل ضدكم السلاح ، وأصبح وزيرا لخارجية الجمهورية الصحراوية ؟
ـ ألا يُخجلكم أكثر و يثير فضولكم أكثر، حين ذهب مدير مينائكم في نواذيبو إلى المغرب مصطحبا الحارس الشخصي لهيدالة سابقا (المساعد أول الخليل ولد الدرويش) و المساعد أول الولي ولد هدي (مسؤول النقل و اللوجستيك السابق في مفوضية الأمن الغذائي ، بمقترح من الملازم أول مولاي هاشم؟
ـ ألا يُخجلكم أكثر من هذا و ذاك ، أن يُرَى قائد أركان طيرانكم العسكري جالسا على الروليت في كازينوهات المغرب و إسلبانيا و داكار و هي بلدان ـ رغم أخوتها و جيرتها ـ تعرفون جيدا تصنيفها في وثائقكم السرية و تصنيفكم في وثائقها؟
ألا يحق لنا أن نقول إن ما يحدث في موريتانيا غرائب حقيقية بكل المفاهيم؟
لقد ظلت الأسر الزنجية الموريتانية الأصيلة و المعروفة جدا و عبر تاريخها الطويل، وفيةً لهذا الوطن و في انسجام تام مع كل ساكنته و ثقافته و معتقداته و هي أسر نحطها على رؤوسنا و نفتخر بها و من حقها أن تطالب بتدريس لغاتها و الاعتناء بثقاتها و تدوين تاريخها و بكل شيء آخر نتفق معه أو نختلف. فهذا وطنهم مثلما هو وطننا و ليس هناك من يملك الحق في تحديد ما يطالبون به و أكبر ظلم يمكن أن نعاملهم به هو منطق الأكثرية و الأقلية : إن مواطنتهم فوق مثل هذه الخزعبلات التي تلوكونها بسذاجة. إن حق المواطنة أكبر من كل هذا و أعز منه و أعدل منه و أرحم منه.
أما الدياسبورا الإفريقية التي تجنست كيفما اتفق بعد سنوات الاستقلال، من السنغال و مالي و غينيا و غيرها، فمن واجب السلطة أن تحددها بدقة و تلزمها بما تلزم جميع دول العالم أمثالهم من ولاء للوطن و احترام لتاريخه و ثقافته أو تسحب جنسياتهم و تعيدهم إلى بلدانهم الأصلية.
لقد تم هضم حقوق الأسر الزنجية الموريتانية الأصيلة بشكل مؤلم ، حين تمت مساواتهم مع هؤلاء و حملوا أخطاءهم في الذاكرة الجمعية. و هذه أخطاء فادحة تستوجب اعتذار النظام الموريتاني رسميا عنها و تصحيحها و عدم تكرارها. و قد ظلموا أكثر و أكثر في نظام المحاصصة المسكوت عنه في الوظائف و الامتيازات التي كانت كلها في العقود الماضية من حظ دياسبورا الابتزاز السياسي المحسوبة عليهم بظلم و افتراء.
قد يرى البعض مبالغة في هذا الكلام لكن من يعرفون ما يفعله العالم أجمع يدركون أنه من أرحم طرق التعامل مع المتجنسين و أكثرها تسامحا و إنسانية. و هذا ما يجب بالفعل أن نختلف عن العالم فيه بتعاليم ديننا السمحة و التزامنا الأخلاقي في معاملة الإنسان و الرفق به و المبالغة في تكريمه و صون حقوقه و عرضه و كرامته.
أما من يريدون أن تصبح موريتانيا دولة الدياسبورا الإفريقية، فعلينا أن نفهمهم أن لموريتانيا شعب لا يقهر و جانب منيع ، يتأذى حتما كل من يحاول اقتحامنا منه: على الأجنبي في بلدنا أن يلتزم بشروط الإقامة و المتجنس أن يلتزم بشروط التجنيس و المواطن أن يلتزم بشروط المواطنة . و على الحكومة الموريتانية أن تفهم أن تزوير الأوراق (قديمها و حديثها) و الحصول عليها بالرشوة و الطرق غير الشرعية، أمور عادية في العالم أجمع و هي جرائم لا تسقط بالتقادم. و عليها أن لا تكون مُحرَجة من مراجعة قضية بهذه الخطورة ، عانينا منها طويلا حين كان كل ضابط حالة مدنية يصدر الأوراق الرسمية كما يشاء (مفوضيات الشرطة و قادة مكاتب الدرك و العمد و الحكام و الولاة و القضاة).
و قد تم العمل طويلا ـ في غفلة مستمرة منا حتى اليوم ـ على صنع المناخ الحاضن لهذا العمل السري المنظم، الهادف إلى توريط سكان البلاد الأصليين من عرب و من عجم (أصبحت الدياسبورا اليوم تسميهم “عملاء البيظان”)، للالتفاف على موريتانيا . و قد ساهمت في هذا العمل الخطير كل قوى الشر المعادية للبلد من بلدان مجاورة و حركات صهيونية عالمية و منظمات تنصير لا تخفي عداءها للعرب و المسلمين : النظرة العالمية World vision)) و أوكس فام (Oxfam) و Catholic-Relief-Services و كاريتاس (Caritas) و الأبواب المفتوحة (Portes ouvertes) و غيرها . و كلها منظمات سياسية بحتة تعمل تحت غطاء ديني مزيف و هي التي مهدت للاستعمار في المنطقة و زودته بخرائط تأثيرها و مناطق الرفض و أملت على جيوش الاحتلال فنيات التعامل مع كل جهة، ترغيبا و ترهيبا . و ساهمت كل هذه القوى المعادية للبلد ، المتمترسة خلف الدين السياسي و حقوق الإنسان المزيفة و نسخة الديمقراطية المغشوشة ، في صنع “أفلام” و “إيرا” و “النساء معيلات الأسر” و وجهتهم و ساعدتهم في الوصول إلى أهدافهم و أطرتهم و مكنتهم من التواصل مع كل الجهات المعادية للعروبة و الإسلام. و في الأخير جاءت هجمة شركات الأمن المشكلة من عصابات إجرام عالمية ذات التدريب العسكري العالي و المهام الأمنية الغامضة . كل هذا تعاملت معه السلطات الموريتانية و على مر الزمن، بأعلى درجات الاستهتار من دون أن تعرف حقيقتهم و لا طبيعة مهامهم و لا تاريخهم الدموي، التخريبي ، في العالم أجمع :
(Security Mauritano – suisse/ Spinet security/ Argus (tasiast)/ G4S (multinationale )/ Sagam(senegalaise)/ Sterling (Tasiast) …)
لن يستتب الاستقرار في موريتانيا ما لم تخرج منها هذه المنظمات التي تحدد مناطق تدخلها على أساس عرقي و تكتتب عمالها على أساس عرقي و تستغل مهمتها “الإغاثية” لبث سموم التفرقة في البلد ، متخذة من غطاء عملها الإنساني وسيلة لقتل الإنسانية على أرضنا. و هذه الشركات الأمنية المرتبطة بشركات أجنبية، المنبثقة عن ذائعة الصيت “بلاك واتير” (Black water) تحت تسميات أخرى كما تفعل عادة. السلطات لا تفهم أنها تفتح أبواب الجحيم على البلد بترك الحبل على القارب لكل هذه الجهات التي يحذرها العالم أجمع و أصحاب النفوذ الذين أتوا بها لا تهمهم غير الأرباح و استهتار الأمن في التعامل معها بعيدا عن أي رقابة صارمة ، يجعلها تتطلع حتى إلى أشياء لم تكن في مخيلتها. و هكذا تغرق عادة كل بلاد تستخف بخطورة فرق استطلاع الهيمنة الغربية.
على النظام الموريتاني أن يفهم أن البلد دخل ألف ورطة، تحت أحكام مستهترة حد التواطؤ، لم تكن أقل خطورة من أعدائه. و لم يبق أمامنا اليوم سوى أن نواجه هذه المشاكل بكل شجاعة و بدرجة تسامح صفر. و حين يفهمون أن البلاد جادة في هذا الاتجاه ، ستحل تلقائيا 80% من مشكلتنا و سيكون الوقت و الصرامة كافيان لحل النسبة الباقية.
نحن البلد الأقل قوميات في المنطقة ، عكس ما يعتقده الكثيرون لكن إهمالنا و تسامحنا هو ما يجعلنا اليوم بلد “الآبارتيد” الذي تعيش “افلام” و “إيرا” العنصريتان، الجاهلتان، الخائنتان، الساذجتان ، على التشهير به و تمزيق سمعته في لعبة أطفال ما كان لها أن تكون لولا هذا الإهمال و الاستهتار.
من حق كل متجنس أن يعيش في موريتانيا بكرامة مع صيانة كل حقوقه و احترامه لكن عليه أن يفهم أن من واجبه الإجباري الولاء لهذا الوطن و احترام ثقافته و تقاليده و انتمائه .
من حق كل مقيم على أرض موريتانيا أن ينعم بالأمن و الاستقرار و يمارس حياته بكرامة غير منقوصة، لكن عليه أن يحترم شروط إقامته في البلد.
و على من تجنس سنة 1962 و 87 و 2020 بطرق غير شرعية ، أن يفهم أنه لم يتجنس بعد. و أن إلغاء جنسيته لا تتطلب أكثر من فتح ملفه و أن هناك ألف طريقة لإثبات عدم انتمائه للوطن.
و على كل من يعيش على أرضنا أن يفهموا أننا نعرف اليوم في موريتانيا نسب كل أسرة عربية في العصر الجاهلي ، فكيف لا نفرق بين الأسر الموريتانية الأصيلة و شلال هجرة الدياسبورا الإفريقية المكشوفة؟
و لم تعد في موريتانيا أي عبودية و مخلفات العبودية ما زالت في العالم أجمع و أقلها ما يوجد في موريتانيا (لا نقول للزنجي الأخر، لا نرفض ركوب الباص معه، لا نترك له المصعد حتى يمر…) : أسوأ درجات العبودية في موريتانيا في زمن العبودية، كانت أرحم من كل مخلفاتها اليوم في العالم. يبدو أن الجميع لا يعرف ما يحدث في العالم:
اقرؤوا سلسلة “المعاملة الزنجية” (la traite negriere) لتفهموا أنكم تجهلون التاريخ .. أن العبيد في موريتانيا كانوا ملوكا بالنسبة للعبيد في أي مكان آخر من العالم .. تطلعوا على ما يعيشه العبيد اليوم في إفريقيا من قبل الزنوج أنفسهم و في أقرب الدول الإفريقية إليكم ، لتفهموا أنكم لن تقطعوا ألسنتنا و لن تستطيعوا شيطنة بلدنا : ليس في موريتانيا شياطين غيركم و قد تعلمنا قبل الجميع كيف نطرد الشياطين.
إن علاقات ما تسمونه “الشرائح الوطنية” اليوم ، علاقات اجتماعية ضاربة في جذور التاريخ من تزاوج و خؤولة و عمومة و ود و محبة ، من غير المعقول أن تظل الأنظمة تسمح بتناولها من قبل أي جاهل ، كيفما يشاء لنكء جراح لم تكن بأسنة أسباب لن تكون.
ديننا أعدل من الديمقراطية و تسامحنا أكبر من حقوق الإنسان و أخلاقنا أكبر من القانون و على من يريد أن يبتزنا بمثل هذه الخزعبلات التي لم يعد يصدقها غيره، أن يفهم أنه صغير جدا.. ساذج جدا.. مخطئ جدا.. و ليشرب البحر بعد كل ذلك. عدالة الغرب عرجاء و حقوق إنسانه أنانية و قوانينه انتقائية : أنتم تجهلون كل ما تحتاجونه من حقائق و المشكلة الأكبر أنكم تجهلون أنكم تجهلونها.
آن لهذه الملفات أن تفتح بشجاعة و عدالة و أن يتم البت فيها نهائيا. و على من يرغموننا على فتحها أن ينتظروا سحب كل ما في قاعها من حقائق كان تجاوزنا لها هو السبب في هذه الفوضى العارمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى