يا صاحبيْ السجن، عليكما السلام!/ محمدفال ولد سيدميله
أخي ابراهيم، لك مني التحية وافرة والود خالصا.. ولي عليك أن تبلغ موفور التحية وخالص الود لصديقنا بيرام.. علمت بمقالك، ووجدت دانق وقت قرأته خلاله على عجل، ليس لأنه لا يستحق التمعن (فأنت كنت وستبقى مقروءا لبُـعدك الفلسفي وعمقك النضالي وصراحتك النادرة)، لكن فقط لأنني منشغل في ترتيب سفر لن أجد نفسا طويلا للكتابة إلا بعده. رغم ذلك سأمر، مرّ اللئام مثلي (وأنا من تخلى عن المطحونين!)، على بعض مآخذك، في انتظار فسحة أوسع وفرصة أسنح.
ما حسبت المقال الفارط جانبَ الود قيد أنملة، لا في محتواه ولا في توقيته، فقد كتبته وأنا مناضل إيراوي، ولو أن الرئيس سمح بنشره أنذاك لما أحدث ضجة داخل الحركة، ولما اتهمني أحد من الرفاق بالترويج لرأي الإقطاع، وبالتكفير عن ماضيّ النضالي، وبمحاولة تجميل صورتي لدى قومي. فكيف أكفــّــر عن ذنب ما زلت أقـترفه جهرا: فالعبودية موجودة بالفعل والقوة داخل مجتمع البيظان، والحراطين مغبونون أشد الغبن في الاقتصاد والإعلام والإدارة والدبلوماسية. هذا ما كنت أقول، وهذا ما لم أزل أقول. ولعلك تعرف أن تحسين صورتي لدى الأسياد يتطلب التراجع العلني عن مثل هذه المواقف. رفيقي العزيز، لا توجد مواد تجميل دعائية أضحى بإمكانها انتشال حسن صورتي، فقد شــُـوّهت منذ أمد طويل: شوهها الأباطرة الأسياد الاسترقاقيون، وشوهها متطرفو الزنوج، وأخيرا تدخل قافلةَ تشويهها فعاليات من مجتمع الحراطين الذين اكتويتُ بنار حبهم والدفاع عنهم غير آسف. فما عساي أفعل لتحسين صورة لم يعد ثمة وسيلة لطمس قبحها!.. أما أنْ أقول بأن العبودية والتراتبية والفئوية موجودة في مجتمع الزنوج، وأنهم إخوة في الدين والوطن، وأنهم يستحقون لفتة لمعالجة معاناتهم، فلا أرى في ذلك أي نوع من التخلي عن مساري النضالي، إن لم يكن في الأمر استهداف- كما قلتُ- لعرق معين.. فالظلم ظلم أينما حلّ، والحيف حيف مهما كان فاعله والمفعول فيه. وأنا، أخي ابراهيم، أعرف الزنوج مثلما لا تعرفهم، فهم أهلي، ليس لأنني حفيد الملكة انجمبت امبودج والأميرة كمبا سالا، وإنما لأنني عشت فيهم وعايشتهم وناضلت من أجل حقوقهم ودافعت عنهم أيام المحن الكبيرة. وبالتالي أعرف أكثر من الكثيرين ما تعانيه طبقاتهم الدنيا من ظلم وطغيان لا مبرر للصمت عنه إلا لمن يُسَـيـّـسون العمل الحقوقي. ومثال “عبيد السونينكي” والوفد المذكور لم يكن ناصعا، سيّدي. وهو غسيل داخلي أجدر به أن يناقش خلال مراجعات فكرية إيراوية خاصة.
أخي ابراهيم، ما كان لك أن تقول بأن لدي وجه آخر.. لن أقبل منك مثل هذا الاتهام.. ليس لي من الوجوه إلا ما كنتم تعرفون. ولماذا السكوت على وجوهي المتعددة إلى غاية نشر مقال كان جل قادتكم يعرفون مضمونه لأنني ناقشته معهم وتناولته بشتى الطرق وفي شتى محافلكم، ولم يكن مثار جدل ولا مدعاة للتخوين قبل اليوم!..
غير أن المؤلم المحزن حقا هو أن أتهم بتقزيم نضال الحركة الانعتاقية!.. “أيَـصُـدّني نهـْـــدٌ تعبتُ برسمه؟!”. إنها جزء من تاريخي أتشبث به وأفاخر.
أخي ابراهيم، لو أنني أسعى إلى السجال والجدال لبرهنت من خلال الإيميلات والمراسلات والنقاشات أنني لم أربط أبدا نضال الحركة بشخص الرئيس بيرام، بل كنت ضد أي مفهوم لشخصنة العمل النضالي، أيا كان. ثم إنني لم أتهم الحركة بممارسة العنف، وإنما ناقشت مع الرئيس حالات من العنف مارسها بعض الشباب الهائج، وكنت شاهدا عليها، ولا داعي للتفصيل في ذلك. وأبقى مقتنعا أن العمل الحقوقي يتطلب نهجا مسالما قوامُـه الصبر والحكمة والكلمة الحسنة. وقد تميزت إيرا عن غيرها بأنها كانت تضع الأصبع على الجرح، لكن ذلك لا يعني أن عليها أن تحدث جرحا آخر كما يفهم بعض مناضليها.
أخي ابراهيم، يجب أن تتأكد أن أساطين الدولة ومشيخات الإقطاعية لم يتصلوا بي أبدا ولم يدفعوا لي خربصيصة مقابل أن أكون مخلصا لنضالي أو خائنا له. ولم أعش من فيء المنظمة ولا من علاقاتها، وإنما أناضل صفرَ اليدين من أجل مجتمع العبيد والحراطين اقتناعا مني بأنه آنَ لظلمهم أن يُـرفع وآنَ لحقهم أن يُسترد وهم المجتمع المحبب الودود الصابر الصدوق. وحتى بعد خروجي من المنظمة، لم أشأ قطع حبل الوصال بيننا، لذلك كنت أقدم لها، من حين لآخر، بعض الخدمات يعرف مستشار الرئيس، حماده ولد لحبوس، طبيعتها وأهميتها.
أخي الكريم ابراهيم، لك مني التحية والتقدير، فك الله أسرك وأسر رفيقك العزيز بيرام، وأسبل عليكما سرابيل الحرية.. أخوك/ محمد فال ولد سيدي ميله