إلى وزراء العار/ بقلم حنفي ولد دهاه
أصخ لي، وزيرَ العدل، أشنف سمعك بحقائق طردها الغباء من جمجمتك التي يملؤها المخاط.. امنحني سمعاً لم يصخ يوماً للحقيقة، و إن أندى بها داعيان… أعرها أذنك الصماء، و كن شجاعاً في قبولها، فأنا أدرك أن الطمع يضرب فحولة الرجل و يجذم أُنثييه.. و أدرك أن الركض خلف سراب الأنا المتضخمة يبهر أنفاسك .. و أدرك أنك ءاليت على نفسك أن لا تكون شيئا من أجل تكون أن شيئاً..
قد أتفهم شعور “فقع القاع” حين يريد أن يطاول “دوح الكَنَهْبُل”.. و أعرف أن من عركته رحى الأيام بثفالها لا يريد لمنجنون المصائب إلا أن يدور على غيره. قد لا يهمك أن يكتوى المواطن البائس بنار ديكتاتورية تأكل الأخضر و اليابس، و أن تعض جسده الهزيل نواجذ الاستبداد.. فالأرض إنما تدور على قرن ثورك.. و إنما تتسابق كل ذرات الكون لتخدم مشروعك في أن تكون.. و تحترق كل الشموع في شمعدانها لتضيء ظلامك الأبدي. طالب بتمديد مأموريته إن شئت.. ناجِ سرمدية ليله النابغي الذي لا تنجلي دياجيره.. حاجج ليطول هذا الكابوس الجاثم على صدورنا ضربةَ لازب. فأنت عبدُ نفسك، المتبتل في محرابها، المنقطع للصلاة في هيكل ذاتها الحقيرة.. لن تفكر في عضة الجوع لسكان الصفيح.. لن تفكر، و أنت من يدفع مائتي ألف دولار كفالةَ ابن اغتصب فتاة أمريكية. و لكن قل لي: كيف يمكنك أن تنظر في عينيْ حفيدك البريئة، و هو يناغي غده المتسربل بالمجهول، و أنت في قرارة نفسك تدرك أنك تآمرت على مستقبله.. تآمرت على حقه في حياة كريمة، يملك فيها قراره، و يخطط فيها لمصيره، و يساهم في بناء وطنه. قل له، وقد نكّست رأسك، كذُبالة شمعة: سامحني، صغيري، فقد أجبرتني مقايضة الواقع على أن أبيع مستقبلك.. هبْ أن الصغير سامح جده “وزير العدل”، و أن عِرْقاً دسّاساً جعله لا يفكر في غير ذاته، فماذا سيقول هذا المطالب باستتباب الاستبداد لأولئك الذين انتخبوا يوماً رئيسا مدنياً، فألغى خيارهم جنرال أرعن يمتطى صهوة دبابة عجماء.. ماذا ستقول لكل من أكلت أجسادهم هراوات الشرطة، و ملأت أسحارهم الغازات و مسيلات الدموع، صامدين كهضاب كديتْ الجل في وجه قامعيهم، مطالبين بعودة الشرعية. و ماذا تقول لشيخ تكنوقراطي وقور، حسن السمت و الهندام، انتخبه شعبه، فشمّر عن ساعده، و شدّ إزار تجربته، و أبلى حسنأً، رغم عسر البداية و تعثرها، فاستدار معبود أطماعك العمياء ليدك معبد الديمقراطية على المُخبتين فيه.. سجنوه.. و أذلوه.. و أهانوه في أهله.. و رموا مسكنه بالحجارة.. و الماخوريُّ الذي كان يقذف الطوب على سقفه أصبح “رئيسا لمجلس الشيوخ”.؟! أتمنى أن لا يواكل الدهر مشيتَه، حتى تتربع يوما بين أحفادك، لتحدثهم عن نظرية الديمقراطية عند دي توكفيل و الثقافة العضوية عند غرامشي.. و تصمّ ءاذانهم بمحاضرات هزيع العمر الأخير عن نضالك من أجل العدالة و الحرية . أنت ستطالب بتمديد مأمورية الديكتاتور.. و لكنّك لم تعدّ جواباً لشهداء “حاسي سيدي” حين تسألك أرواحهم: بأي ذنب أزهقت .؟! لم تعدّ جوابا لشهداء معسكر غابو، و لا لأحد عشر شاباً ماتوا و هم يتظاهرون ضد معبودك، لتتطاير أوراق أحلامهم كشعر غجرية تمشي عكسَ عاصفة، فتُكلَمُ نفس ثكلى و تكتم أنّة أيّم.. ليستمر استبداد عسكري. هل فكرت، وزيرَ “العدل عن جادة الصواب”، في عمال سنيم، الذين أكلت من ظهورهم لقمتها الأولي، فغذّوها بعرقهم و سقوها نجيع دمائهم، و أطعموها شرخ شبابهم و عنفوانه، فما نالوا منها، في ظل حكم جنرالك الأرعن، غير النكران و الازدراء.؟! و هل فكر قلبك الصخريُّ في حمّالة الميناء، و ما يحملونه في قلوبهم من مرارة الظلم و الاستغلال.؟! من الجلي أنك لا تأبه لأحادية القرار و لا لشموليته.. لا يستفزك الفساد و لا يطّبيك التوزيع العادل للثروة، و لا تهتم لتكافؤ الفرص و لا لتساوي الحظوظ.. لم يسبق لك في كل منعرجات حياتك و التواءاتها أن عارضت ظلماً، أو تصديت لفساد، أو ناضلت من أجل حق.. دارت الاشياء من حولك دون أن تحرك ساكنا لدورانها فوجدت نفسك، مصادفةً، في قلب صناعة القرار.. لأن طيور العار تقع على أشكالها.. الشيء الوحيد الذي ناضلت من أجله هو أن تكون “إبراهيم ولد داداه” فكنت.! **** تأرجح على مقعدك الهزاز يا صاحب الشخصية المهزوزة.. تنفس الصعداء.. إلتقط انفاسك التي تقطعت من اللهاث خلف مومسات الأحياء الشعبية… أنت لم تعُد ذلك المشرد الملقى على قارعة طريق النجاح.. فالنجاح هو أن تتقاضى راتبا شهرياً، و أن لا يختطف عشيقتك شاب وسيم.. أنت الآن وزير و “زير”.. و الذي جعلك كذلك يستحق مأمورية ثالثة. لقد دخلت إلى التاريخ من نافذته.. فكسعت قفاه.. و لطخت رأسه برجيعك.. والذي علّمك التسلق فوق جداره يستحق مأمورية ثالثة. أنت الآن وزير الاقتصاد و المالية، و قد كنت العصى التي يضرب بـ”ضرائبها” من عصى.. و اليد التي يحترق قفاز الفولاذ من تصفيقها.. كنت اللسان الذرِب الذي يحثو من الظلماء في عيون النهار.. و كنت الأصبع السحري الذي يقفأ عين الحقيقة.. و الذي علّمك أن تكون “نذلا” يستحق مأمورية ثالثة. و لكن تشجّع، إن كنت رجلا بأنثيين، و انظر في عيون أطفالك، و عِدهم بمستقبل ينعمون فيه بالحرية و الرفاه.. قل لهم: لقد ناضلت من أجلكم.. (و “ناضلت” ليست مترادفةً لغوياً لسرقت و اختلست و أخذت عمولات و اقتطعت لكم مالاً من خبز الفقير و قرص دواءه ) . أحمل وزر جوعنا، و غلاء أسعارنا، فإنما أنت سفينة.. و الذي جعل منك ذلك يستحق مأمورية ثالثة **** لن يفاجئني أن يجعل الدستورَ ثِفاراً من كان يمشي بين النواب بنميم.. من لن تفسُد ذات بين في الجمعية الوطنية إلا كان نافث سمومها، و دُوَيْهِتَها التي تصفرّ منها الأنامل. إن “السلفي الذي يكتم سلفيته”، غذي ضرع الفكر الوهابي الذي يكفر بالديمقراطية، و يستبيح دماء العلمانيين.. الأحمس الذي نبت من أموال بن لادن شحم كتفيه.. ( فقد كان و أخاه الحسن ولد الشيخ يُتهمان بإدارة أموال القاعدة التي كان ابن خالتهما محفوظ ولد الوالد أحد أقطابها)، لن تنتطح في حظيرة ماشيته شاتان إن كتمت يد الاستبداد أنفاس الحرية. “الدستور ليس قرءاناً”.. هكذا يسوّغ محمد الأمين ولد الشيخ المطالبة بتمديد مأمورية الجنرال.. و هو الذي لا يعكر صفوه أن يجمع في شدقيه كُلى مرجعيته الدينية المتطرفة بعُجى ممالئة نظام لم يحكم بالسويّة و لم يعدل في قضية.. **** إنكم إنما تطالبون بالتمديد لأنفسكم.. فستتلاشون بعد هذا النظام الأرعن كفقاقيع صابون، و ستنهار على رؤوسكم إهرام الورق و مكعبات الدومينو.. أعرف أنكم تحتقرون هذا الجنرال الحقير.. و تحتقرون أنفسكم في قراراتها.. و تدركون أنكم لستم أكثر من حثالة، و ضًغْثٍ على إبّالة.. إنكم تريدون التمديد مأمورية أخرى للويل و سواد الليل.. تريدون التمديد للجوع و الجهل و الأمراض.. تريدون التمديد للنهب و الاختلاس و سوء التسيير. تريدون التمديد لبطل “أكرا غيت” و المفتضح ببيع السنوسي، و دافع الجزية صاغراً لإرهابيي “القاعدة”، و المُمَكّن أهلَه نهب ثرواتنا، و اختلاس خيراتنا. تريدون التمديد للتنصت على هواتفنا و قرصنة حساباتنا الألكترونية و لكن عليكم أن تفكروا، و أنتم تكتبون أسمائكم بلون العار، فيما تؤمنون به.. فكّروا إذا كنتم تؤمنون بالله في جواب سؤاله: كيف ظاهرتم ظالماً.؟! و إن كنتم تؤمنون بالتاريخ، فالتاريخ ثرثار…
-زاوية حروف النار ـ موقع “تقدمي”