الحياة السرية للعاصمة البنمية!
تمنح بنما علمها لشركات النقل البحري التي ترفعه على سفنها، وتقدم عناوين محلية لشركات وهمية، ولديها نظام مصرفي ليست فيه ممنوعات بل منفتح على كل من يملك المال، حتى أنها اشتهرت بكونها بلدًا يستقبل المال بكل حفاوة.
لندن: في بنما يمكن غسيل الأموال بسهولة. وتبدأ العملية بتأسيس شركة مسجلة في بنما يتولى اجراءات تسجيلها على جناح السرعة محامون مختصون بهذا المجال. وعلى سبيل المثال، إذا كنتَ تاجر مخدرات تريد ان تغسل ملايين الدولارت شهريًا فانك تستطيع ان تؤسس عشرات الشركات التي تكون كلها وهمية ثم تتفق مع مالك عمارة جديدة لاستئجار أكبر عدد من المكاتب التي تحتاجها. وقال رجل أعمال لمجلة نيويوركر إن بالامكان غسيل 100 مليون دولار سنويًا من خلال عمارة واحدة من هذه العمارات المكتبية الجديدة حسب عدد طوابقها، وعدد المكاتب في كل طابق منها. ملاذات مصرفية وهناك بالطبع عدة طرق أخرى لاخفاء المال أو غسيله، وتكشف اوراق بنما التي هزت عالم السياسة والمال والأعمال وحتى الفن، عن بعض الطرق التي يوفرها النظام المصرفي العالمي للأثرياء على اختلاف أصنافهم، وليس تجار المخدرات وحدهم، ممن يريدون غسيل أموالهم. وتوجد ملاذات مصرفية أخرى على غرار بنما في جزر الكاريبي وجزر سيشيل مثلا، ولعل الملاذ المصرفي الأشهر هو سويسرا. ولكن استخدام العمارات المصنوعة من الآجر والاسمنت والزجاج مقرًا لمكاتب شركات وهمية طريقة أذكى لاخفاء المال من المصارف. وفتحت بنما منذ زمن طويل ابوابها للشركات العقارية التي تغذي هذا الاقتصاد المنتعش. وأصبح هذا المورد ناجحًا حتى ان عشرات البنايات المكتبية انبثقت بمختلف التصاميم والألوان والطرز المعمارية ويكاد الزائر ان يضيع في غابة الفولاذ والاسمنت والزجاج هذه. بنى تحتية وكان الرئيس البنمي السابق ريكاردو مارتنيلي الذي حكم بنما من 2009 إلى 2014 ويعيش الآن في ميامي بعد ان اتهمته المحكمة العليا البنمية بالفساد، من المتحمسين لمشاريع البنية التحتية. وشهد عهده بناء طرق سريعة وممرات برية في مياه المحيط والشروع في بناء شبكة لقطارات الانفاق ستكلف مليارات الدولارات. والشركة التي فضلها مارتنيلي لتنفيذ غالبية هذه المشاريع هي شركة اودبريكت البرازيلية العملاقة المتورطة في فضيحة فساد كبرى تجتاح البرازيل حاليًا.
وكانت حملة واسعة انطلقت في عام 1999 حين انسحب الأميركيون وسلموا منطقة القناة إلى البنميين، لبيع ما فيها من بيوت ومنشآت، من القواعد العسكرية إلى المرافئ. وقال الاقتصادي البنمي ونائب رئيس البنك الدولي سابقًا نيكولاس ارديتو بارليتا لمجلة نيويوركر في حينه ان النظرة المستقبلية هي تحويل بنما إلى “شيء من سنغافورة وشيء من روتردام”.
خدمات بنما! وتوافد على بنما في تلك الفترة رجال اعمال بينهم مشبوهون واصحاب سوابق لاستغلال الانفتاح الاقتصادي بلا ضوابط. كما استضافت بنما عددًا من كبار الهاربين بينهم رئيس غواتيمالا السابق خورخة سيرانو الذي انتقل إلى بنما بعد الاطاحة به عام 1993 واتُهم رسميًا في غواتيمالا باختلاس عشرات الملايين من المال العام، ولكن بنما استقبلته بأحضان دافئة. وحين سُئل عمدة العاصمة خوان كارلوس نافارو الذي درس في جامعة هارفرد الأميركية عن رأيه بالصيت السيئ الذي نالته بنما وخاصة تقليدها في ايواء منبوذين مثل سيرانو، اجاب انه كان دائمًا ينظر إلى بنما على انها اشبه بسويسرا. واضاف ان هؤلاء “يجلبون المال ويستثمرون هنا. فما الضير في ذلك؟” وحين سألت مجلة نيويوركر عمدة العاصمة البنمية ماذا ستفعل بلاده إذا قرر مجرم حرب أو نازي سابق الانتقال إلى بنما، اجاب نافارو “ان هذا ايضا لن يكون مشكلة وأنا أنظر اليه كنوع من الخدمة تقدمها بنما إلى المجتمع الدولي. ويستطيع العالم ان يعتبر بنما ملاذ المطاف الأخير، ومن يريد العيش هنا بهدوء فأهلاً وسهلاً به”. المصادفة اللافتة على نحو مثير ان ايرهارد موساك والد يورغن موساك أحد مالكي شركة موساك فونسيكا للمحاماة التي سُربت وثائقها إلى وسائل الاعلام، كان ضابطًا في قوات الأس أس النازية هاجر إلى بنما مع عائلته بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت بنما وقتذاك بلدًا مضيافًا كما هي الآن.
المصدر: إيلاف