حمايةُ المستهلِك.. أم حماية المستهلَك ؟!
فرق كبيرٌ في الإشتقاق والدلالة، بين اسم الفاعل و اسم المفعول عند الصرفيين – ولست طبعا منهم- إلاّ أنّ متابعةً متأنية لمسار وإنجازات “حماية المستهلِك”، أصابت ذهني بنوع من الإرباك، كأيّ مستهلك بكسر ما قبل الأخير – وقانا الله وإياكم من كلّ الآفات الرضيّة، والمرضية، والتسممات الغذائية والدوائية – لأتسائل هل المستهدفُ عند الحماية” هو المنتَج، أم المستهلِك ؟! ولأستأنس في هذا المقال المتواضع، بتجربتي المزجاة في مجال اللحوم والألبان والدواجن … فالجميعُ يدرك – وأنا جزء من هذا الجميع – بأنّ حمايةَ المستهلِك غابت لدواعٍ لا نعرفها، ولا تبرّرها عن دورها الهامّ التوعويّ، في نشر ثقافة الاستهلاك الآمن، الصحيّ، والاقتصاديّ للمنتجات الغذائية والدوائية: فلم أعلم أنها ثابرت على إنارة وعي المستهلِك، مثلا بمخاطر الذّبح العشوائيّ، والعرض العشوائي في أماكن لا تخضع لسلطة الرقيب البيطري، أو أنها باشرت في تثقيف هذا المستهلك، بأهمية الطابع البيطري الذي يمثّل ضمانا صحيا للمنتَج من جهةٍ، وشهادة على خلوّه من الإشتباه بـ “الجيفية” – على الأقل – من جهة أخرى . ولم أعلم أنها تساءلت يوما مع هذا المستهلِك الحائر عن سرّ الإغراق المتفاحش للسّوق بألبانٍ طازجة “طويلة المدة”، مقاومة لكلّ الظروف البيئية والتخزينية السيئة، ألبان لا تخضع لقانون الصلاحية، لا من حيث اللونُ، ولا الرائحة، ولا النّكهة، سحرية بإمتياز، عصيّة على تأثيرات كلّ العوامل البيولوجية، والكيميائية المؤدية للعفونة، والتّحلّل والفساد ! كيف “للحماية” المصون أن تغضّ الطرف وتترك المستهلِك المسكين، تحت رحمة باعة أمهات البيّاض” بل جدّات جداته اللائي يئسن وأنهكهنّ العلاج الهرموني والكيمائيّ والفراخ التي لم تبلغ سن الرشد التسويقية ؟! أين هي الحماية من المعلّبات، والأدوية الفاقدة للصلاحية تاريخاً وتركيباً وفعّاليّةً قبل أن تحُط رحالها في أسواقنا المضيافة أو أنّها برسم اللاصلاحية أصلا وقبل أن تكون ؟! هل ستُشفي لنا الحمايةُ الغليل في بحر تساؤلاتنا عن: – الدجاج “الحلال” الذي لا يحترم معايير السلامة الصحيّة، لا من جهة مصداقية مصدره ولا نقله ولا تخزينه ولا سلسلة تبريده ولا توزيعه ؟! – الأعشاب “الطبية” التي غصّت بها أسواقنا والتي تُعرض بطريقةٍ تضمن فقدان “شرعيتها الاستطبابية”، على افتراض وجودها ؟! – الأدوية التي يروجّها الدّجالون والسحرة والمشعوذون ؟! – الخلطات التجمليلة “القنبلة” (مزيج من مضادات الإلتهاب الكورتيكوئيدية، ومنظفات الصّحون، ومزيلات البقع و” الصودا الكاوية” .. ) ؟! – المطاعم التي لا تقدّم أكثرَ من “سُؤر” الزبون السّابق للزبون اللاحق ؟! – بيع أوعية الأسمدة الزراعية والسموم للاستخدامات المنزلية، فضلاً عن استخدام “ظرف الإسمنت” في تعليب اللحوم ؟! – العرض العشوائيّ للمبيدات الحشرية (عدوة البيئة) ؟! – السبب في غياب ” الفنيّ” للصيدلة ووجود باعة عاديين، يصرفون الدواء، ويغيّرونه كيفما أرادوا ومتى شاؤوا فضلا عن الإختلاف الفاحش في تسعرة الدواء ؟! – أيّ حقٍّ لصيدليّة “الرباط” أو “تونس” أو “باريس” في أن تستورد الدواء وتبيعَه بالمزاد وعلى المزاج ؟! – وختاما فأين هي فعلاً الحماية في وعي وعقل واحترام المستهلِك ؟! فهلاّ قدّمت لنا بعض التعليمات الضرورية لنستأنس بها في اختيار المنتَج الآمن: – الموادّ الحافظة، والمنكّهات، والملونات، المسموح بإدخالها في المنتجات الغذائية المعلّبة . – مواصفات التعليب: محافظة العلبة على شكلها، والخلوّ من الصدإ، والإنتفاخ، والتسرّب، وازدواجيّة التاريخ، وكشط التعليمات . – الموادّ التي سُحبت من الاستهلاك عالميا ! – هلاّ جارت مثيلاتِها ونقلت لنا تجاربَها غضّة طريّة ولو على طريقة نخبتنا المثقفة “Coller-Copier” . وبالمناسبَة فلتخبرنا “حماية المسهلِك” مشكورة عن أماكن المطامر الخاصة التي يتخلّص فيها باعتنا “الورعون” وصيادلتنا “المهنيون” من المنتجات والأدوية الفاسدة، تبرئةً لدينهم وعِرضهم، ولو في إتلاف علبة حليبٍ واحدة فاسدة، أو قرص “باراستامول” تجاوز عمره الإفتراضيّ، ولها ولهم حينها وافر الشّكر، وعظيم الامتنان !.
الدكتور محمد ولد الخديم ولد جمال – طبيب