وزير العدل والكوكايين/سيدعلي بلعمش
طالب وزير تعديل الدستور وفساد العدل الموريتاني ابراهيم ولد داداه، في أول مؤتمر صحفي تعقده ذيول عصابة ياي بوي للحديث عن موضوع شحنة المخدرات التي تمت عملية إحباط دخولها كما يقولون أو السطو عليها كما يفعلون عادة، في 5 فبراير 2016، باتخاذ حكم بالسجن المؤبد أو الإعدام بحق خلية المخدرات المعتقلة “أخيرا”، مضيفا أن العدالة ستأخذ مجراها بشكل كامل في الملف باستقلالية كاملة.(يقول بيرنارد شو “لماذا تحلف إذا كنت صادقا”؟).
و لا نفهم فقط لماذا لا تأخذ عدالته العرجاء مجراها إلا بحق خلية المخدرات المعتقلة “أخيرا” دون غيرها؟ وقال الوزير إن 11 شخصا من بين المجموعة صدرت لهم رسميا بطاقات إيداع للسجن، وحظر اتصال أي شخص بهم خلال فترة تصل 15 يوميا، فيما أعلن امتناع قاض التحقيق عن إيداع 3 آخرين، ووضعهم تحت المراقبة القضائية في الملف. وأكد الوزير أن النيابة العامة أثبتت التهم الموجهة للمجموعة، فيما تم إصدار مذكرة إيقاف دولية بحق 3 آخرين لم يتم القبض عليهم في الملف ذاته، معلنا أن ملف المجموعة في القضاء يحمل الرقم : 01/01/2016. و بنفس السرعة أو التسرع أعلن وزير الداخلية في نفس المؤتمر الصحفي، رسميا انتهاء التحقيق في الملف و لائحة أسماء الأشخاص المشاركين “في عملية دخول كميات كبيرة من المخدرات إلى موريتانيا عبر المياه الإقليمية الموريتانية”، مضيفا أن منسق العملية هو سيدي محمد ولد هيداله . وتضم اللائحة كلا من: سيدي محمد ولد محمد خونه ولد هيداله، المعلوم ولد أحمد ولد بلال ( مدان في قضيتي مخدرات سابقا و مستفيد من عفوين و هو مالك نزل أماتي الذي كان يقيم فيه الفنزويلي آنريك غارسيا لمدة طويلة)، اعل الشيخ ولد محمد خونه ولد هيداله، محمد ولد بلال، السالك ولد بلال، باب ولد سيدي ولد اعل، حمدي ولد أبوبكر، حمادي بوبو صار، المصطفى صال، عثمان جوب و أحمد ولد المختار، “بالإضافة إلى آخرين”.
(تعمد الوزير عدم ذكرهم بالأسماء و العدد) مثل هذه التصريحات بالغة التوتر و الارتجالية و الخفة و اللا مسئولية، بما تحمل من أخطاء مهنية يدركها أبعد الناس عن التخصص و تجاوزات إجرائية فاضحة، كانت دليلا قاطعا على ارتباك النظام في معالجة الموضوع، لكنها كانت أيضا، دليلا أكبر على اهتزاز شخصية وزير العدل و اندفاعه في تنفيذ الأوامر و استعداده المخجل لمراضاة ولد عبد العزيز حتى بما يسيء إلى الحق و العدل و مرضاة من حرم الظلم على نفسه و جعله بيننا محرما، جل و علا علوا كبيرا. و يعود ارتباك ذيول العصابة المسئولين عن الملف إلى أسباب موضوعية :
ـ شعورهم بمدى حساسية الموضوع عند جنرال ياي بوي !
ـ تناقض الوقائع مع التعليمات الصادرة إليهم ! ـ خطورة احترام المساطر و انتهاج الشفافية على من توكل إلى وزير العدل مهمة حمايتهم .. ـ و محاولة التظاهر بالقدرة على الاقناع، لتضليل الشعب و كسب ود رأس أفعى “النظام” أو التنظيم بتعبير أدق! يعرف وزير العدل أن كل شيء مسموح في هذه القضية إلا إظهار الحقيقة .. يعرف أن حماية البارونات الكبيرة أهم من إدانة الموقوفين..
و لا أحد مثل وزير العدل يفهم المطلوب بالضبط لإعداد الطبخة المطلوبة الهادفة، لا إلى حماية الرؤوس الكبيرة فقط و إنما للحيلولة دون ظهور أي إشارة تكشف أيا منهم. و المشكلة الأكبر هنا أن معالي وزير العدل نفسه صاحب سوابق خطيرة في المجال: لقد تم تعيين ابراهيم ولد داداه وزيرا للعدل بتاريخ 22 مايو 2015 أي قبل حوالي 10 أشهر و هو محامي ـ لا أقول بارزا ـ لكن ما تعانيه وزارة العدل التي تحولت إلى وزارة للظلم و الانحراف، لم يكن يحتاج إلى عبقرية فذة ، بل إلى مجرد شخصية وطنية مسؤولة، لا تضع “وجها من فولاذ” كما يقول الرجل عن نفسه و إنما تتمتع بشخصية متوازنة و إرادة جادة و قدر من الإحساس بالمسؤولية الوطنية. أظهر الرجل مع تقلده لمنصب الوزير، درجة مهينة من الطاعة لرغبات ولد عبد العزيز و وزيره الأول ولد حد غير أمين.
و كما لو كانوا أتوا به ليمسحوا في وجهه “الفولاذي” ما يعلق بأياديهم من أوساخ في وزارة حولتها سمسرتهم و انحراف ممارساتهم إلى وصمة عار البلد الأولى، تم النفخ في شخصيته المضطربة لاختبار قابلية تعاطيه مع مبادئ “نادي ياي بوي”، من خلال عبارات إطراء لم يألفها “أنت خبير قانوني” و “مثلك تحتاجه ملفات الوزارة المعقدة”، فأظهر تجاوبا فاق توقعات العصابة، مؤكدا فولاذية وجهه و اهتزاز قناعته بكل الأشياء التي عرفها في الحياة و على رأسها القانون و الوطنية و الأمانة و الاتزان … و لأنه رجل قانون، يدرك أن قضاء رئيسه الأعلى ولد عبد العزيز، لا يرجى منه عدل (و في هذه كان خبيرا في المجال بحق)، تم تكليفه بتسوية كل ملفات المخدرات العالقة التي أعرض كل من أتوا قبله عن الاقتراب منها ، بدء بقضية طائرة نواذيبو 2007 التي تم إسقاط الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بعد إصراره ـ بصفاء روحه الطيبة و تنزيهه لـ”نخبة” البلد ـ على فتح تحقيق مستقل في شأنها. كان ولد داداه أسوأ وزير عدل بتدخلاته في أحكام القضاة و أسوأ مواطن يتشبث بحقه في التعبير عن وجهة نظره (حين لا يوظف نصيبه من حق التعبير في غير الإساءة إلى الشعب) و أسوأ رجل قانون بجراءته على تتفيه الدستور و أسوأ من يعيش على راتب من خيرات شعب يستبدل شقاءه برضا رئيس عصابة بدد ثروات البلد على مقربيه و احتقر أهله. ـ و بوجه من فولاذ و وطنية من ورق، باشر “الخبير القانوني” عمله في أسوأ هيئة في تاريخ العدل البشري :
ـ تم القبض على رجل الأعمال و بارون المخدرات الحاج أحمد ولد إبراهيم (مولود 01/01/1976 في كيدال بشمال مالي)، يوم 06 مارس 2015 من قبل فرقة من الدرك الموريتاني مع المغربي الضيفي نبيل (يعمل في “شركة الفاسي إخوان القابضة” التي يملكها الحاج أحمد بالدار البيضاء) و بلوح ولد أحمد (عسكري سابق في البوليساريو و مدان سابق بتهمة حيازة 3 كيلو غرام من الكوكايين)، بعد متابعة معقدة للمجموعة و مطاردة سيارتهم (“برادو” حديثة، سوداء اللون، تحمل الرقم: 3272AB00) في منطقة “الدويرة” قرب الحدود المغربية.
و قدمهم الدرك إلى المحكمة مع ملف ضخم بتهمة ارتكاب جناية تتمثل في تشكيل جماعة تمتهن نقل المخدرات والمتاجرة بها. و قد أخذ هذا الملف منذ البداية مسارا بين الاعوجاج، قاد في النهاية إلى انتهائه بعد حوالي ستة أشهر بإطلاق سراح المتهمين دون محاكمتهم: في 21 سبتمبر 2015.
تم إطلاق سراح الحاج أحمد ومرافقيه المتهمين معه في نفس الملف، بأمر إفراج صادر عن رئيس غرفة الاتهام في محكمة الاستئناف بمدينة نواذيبو، القاضي الداه ولد سيدي يحيى. و قد تمت إقالة المدعي العام لدى المحكمة العليا السابق القاضي محمد عبد الرحمن ولد عبدي ضمن تداعيات هذا الإفراج الغريب. ثم تم إلقاء القبض على الحاج أحمد ولد إبراهيم من قبل جهاز أمن الدولة دون أن يحال مجددا إلى القضاء . و لا أحد يعرف هل هو الآن معتقل خارج القانون لدى مخابرات النظام كما فعلوا في حالات مشهودة عديدة أو تم إطلاق سراحه في غفلة من الجميع، كما يفعلون عادة مع بارونات المخدرات المحميين بوضوح من قبل رأس هذا النظام الأقرب في كل ممارساته إلى التنظيم الإجرامي… ـ في 22 سبتمبر 2015 اعتقلت الشرطة ثلاث ماليين من كبار تجار المخدرات المعروفين في المنطقة و المطلوبين من قبل أكثر أجهزتها و هم المشهور بلقب “كيكوص” و الناني البيظاني و اعمر ولد أحمد البربوشي . و قد تم إطلاق سراحهم قبل عدة أسابيع و قال المتهم في الملف الأخير سيدي محمد ولد هيداله للمحققين إنه سيتوقف عن الحديث والتجاوب معهم، إذا لم يحضروا مستشار الرئيس الموريتاني أحميده ولد أباه أو المتهمين الماليين الثلاثة الذين تدخل للإفراج عنهم قبل أسابيع، حسب ادعائه. و لا يمكن وصف كلام ولد هيداله بالجزافي ما لم يفسر لنا وزير العدل كيف و متى خرجوا من السجن؟ ـ في 30 دجنبر 2015 تم توقيف لامين جيمو فرنسي الجنسية، سنغالي الأصول من مواليد (01/10/1987)عند النقطة 55 على الحدود مع المغرب و أحاله الدرك إلى القضاء في نواذيبو بتهمة حيازة المخدرات. و بعد اتصال ذويه برئيس مجلس الشيوخ محسن ولد الحاج و تدخل الأخير لدى أجهزة القضاء، تم الإفراج عنه، بعد 23 يوم من توقيفه، بحرية مؤقتة و أتيحت له كل الوسائل للهروب خارج حدود البلد.
ـ وفي عهد معالي الوزير ولد داداه، تم إغلاق ملف طائرة نواذيبو (N 983 S ) المحملة بالمخدرات، التي حطت حمولتها من الكوكايين في 01 مايو 2007 على الحافة الشمالية لمدرج مطار نواذيبو. تم إغلاق الملف من دون جلسة محاكمة واحدة في أغرب تصرف تقوم به أجهزة تنفيذية أو قضائية ضد جماعة متهمة بالتهريب والمتاجرة بأخطر أنواع المخدرات!؟ و جاء في صحيفة الأخبار تعليقا على الموضوع “ورغم أن لجنة التحقيق المشكلة لمتابعة الملف أوصت بإحالة بعض المسؤولين الإداريين والأمنيين إلى العدالة وطالبت بمعاقبتهم بتهمة التقصير، فإنه لم يحل أي منهم للعدالة ولم يتعرض أي منهم للعقاب، بل تمت ترقيتهم جميعا ودون استثناء، في وقت لاحق إلى مناصب ورتب إدارية وأمنية رفيعة” .
ـ و تحدثت وسائل الإعلام المحلية بحيرة عن جراءة وزير العدل و إصراره الدائم على التدخل في ملفات المخدرات و ممارسة الضغوط على القضاة لإطلاق سراح أصحابها ( !؟) : ـ في بداية شهر يناير 2016، مارس معالي الوزير ضغوطا كبيرة على الادعاء العام في مدينة نواذيبو من أجل إطلاق سراح “التروزي عبد السلام” المتهم في ملف مخدرات، تتواصل إجراءات ملفه منذ العام 2012، بسبب الصراع الأمني المتعلق بملفه. و أكدت المصادر الصحفية أن وزير العدل ولد داداه أمر المدعي العام لدى محكمة الاستئناف بنواذيبو بإطلاق سراح التروزي عبد السلام، والذي أوقفه الدرك في العام 2012، ضمن شبكة كانت تحاول إدخال شحنة من المخدرات إلى موريتانيا، غير أن المدعي العام قال لوزير العدل إنه لا يمكن إطلاق سراح التروزي إلا عبر حرية مشروطة، وهو ما يتطلب موافقة السلطات الإدارية في ولاية نواذيبو التي رفضت الاستجابة لطلب الوزير عبر رسالة من المدعي العام رفض حاكم نواذيبو الرد عليها بتشجيع أو تواطؤ من الوالي .
ـ و في عهد معاليه، تم التعتيم على القبض على بارون المخدرات الفنزويلي آنريك غارسيا، (و يظهر في مكان آخر تحت اسم : زابتا آريكي كارسيا ) المتهم في قضية طائرة نواذيبو (2007) و الضالع في ملف طائرة بوينغ التي أحرقت (2009) بشمال مالي بعد إفراغ حمولتها و التي أصبحت تعرف في وسائل الإعلام بـ”إير كوكايين”. وكان لافتا أنه اعتقل وحيدا في نواكشوط دون تحديد السبب؛ رغم علاقاته المعروفة بجل الشبكات الضالعة في قضايا المخدرات بالمنطقة مثل حسين كيغور و الناني و الروجي المطلوب دوليا (الروجي) بمذكرة توقيف جزائرية، بعد هروبه من أراضيها و عرض منزله و المضبوطات بحوزته من المخدرات و الأموال على شاشة التلفزة الجزائرية . و قد انتقل الثلاثة إلى موريتانيا ليصبحوا في استضافة و رعاية مستشار الرئيس أحميده ولد أباه الذي رتب لهم عدة لقاءات مع رئيس التنظيم ولد عبد العزيز!؟ كما كانت تربط الفنزويلي علاقات خاصة بمالك منتجع “أماتي” الذي كان يقيم فيه و المشمول في ملف سيدي محمد ولد هيداله الأخير. و قد تم تناول الإعلام للقبض عليه بعد شهرين من توقيفه!!؟ إعلان القبض على الفنزويلي أختزل أهم قصة تدين معالي وزير العدل ولد داداه و فريقه القضائي و تفضح ممارساتهم المافيوية و تلاعبهم بأخطر الملفات :
بعد إعلان القبض على آنريك غارسيا، أخبر الدرك القاضي أحمد ولد البو رئيس محكمة المخدرات و الجرائم العابرة للقارات (بعد انتهاء الدوام الرسمي) بحيثيات القبض عليه فأمرهم باستجوابه و إرسال محضره إليه. في صباح اليوم التالي أحضر الدرك المتهم و محضر استجوابه الذي تضمن اعترافه بالجرائم المنسوبة إليه. أمر القاضي كاتب الضبط بإصدار أمر إيداعه في السجن و أمر مكتوب للدرك بتسليمه إلى إدارة السجن و أخر مكتوب بإحضار محجوزات السجين. أودع عناصر الدرك الفنزويلي في السجن و لم يردوا على أمر إحضار المحجوزات؟ و بدأت الاتصالات تتهاطل على هاتف القاضي من قيادات كبيرة في الدرك ، مدعين أحيانا أن المحضر الذي قدم إليه غير صحيح و محذرين أخرى من خطورة تداعيات سجن الفنزويلي، و حين لم تجد هذه الاتصالات نفعا في قرار القاضي مع إصراره على إحضار المحجوزات، بدأت الاتصالات من وزير العدل و وكيل الجمهورية في نواكشوط الغربية الخليل ولد أحمد (الوحيد الذي تم توشيحه بوسام فارس من قبل الوزير بعد الحادثة بقليل) ..
و بعد إصرار القاضي على أن يأخذ الملف مجراه الطبيعي، تحولت اتصالات الوزير إلى التهديد و الوعيد في حالة عدم رضوخه للأوامر فرفض. و بعد أيام فقط تم تحويله إلى باركيول و هي بلدية ريفية صغيرة على بعد حوالي ستمائة كم من العاصمة . و لم تتحدث أي جهة إعلامية أو غير إعلامية عن هذه الفضيحة النكراء. و كان من الغريب أن التحويلات التي شملت قطاع القضاء في الأسابيع الموالية لم يذكر فيها اسم خلفه و لم يظهر اسمه هو كمحول إلى باركيول الذي لا توجد فيه محكمة في الأصل!!؟ و لا أدري بماذا تم الضغط على هذا القاضي ليلتزم الصمت و لا لماذا تجاهل الإعلام قضيته رغم أنها حديث الجميع في أروقة القضاء بنواكشوط !؟ و قد تحدث الفنزويلي آنريك غارسيا أو زابتا آريكي كارسيا، المعتقل سرا منذ نوفمبر الماضي و الذي خبر موريتانيا و جال في أرجائها و صال، عن تفاصيل أنشطة كبريات شبكات المخدرات في البلد و ذكر الأشخاص بالأسماء و أعطى تفاصيل الصفقات بين العصابات الموريتانية والكولومبية، و تحدث عن زياراتهم لموريتانيا منذ 2014 .
و تحدث عن طائرة تهريب (من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا) من نوع “أنتونوف” تابعة لأحد شركائه الموريتانيين يدعى “عمار”، و لا أحد تم اعتقاله على خلفية هذه التصريحات و لا تم تقديم المعني للمحكمة للاستماع إلى أقواله؟
ـ في فاتح نوفمبر 2014 و بإفراجها عن آخر مشمول في الملف (سيدي محمد ولد هيدالة) قررت الحكومة الموريتانية اغلاق ملف طائرة نواذيبو المحملة بالمخدرات دون جلسة محاكمة واحدة في أغرب تصرف تقوم به أجهزة تنفيذية أو قضائية ضد جماعة متهمة بالتهريب والمتاجرة بالكوكايين. وتحولت الطائرة التي استخدمت في العملية من طائرة لنقل المخدرات إلى طائرة خاصة لتنقلات البارون الأرعن محمد ولد عبد العزيز، الذي يختطف البلد منذ 7سنين، في رحلاته الداخلية، بعد صبغها بألوان الجيش كما صبغ نفسه بألوان الديمقراطية. و جاء في بيان صدر في 10-02-2016 عن منتدى الديمقراطية و الوحدة الذي يضم 11 حزبا معارضا و عددا من النقابات و الشخصيات المستقلة (يرأسه محامي و يرأس قطبه السياسي آخر ، أمضى كل منهما أكثر من عشر سنين نقيبا للمحامين الموريتانيين) ، أن المنتدى طالب الحكومة في بيان سابق بإنارة الرأي العام حول قضية المخدرات “وفيما بدا أنها استجابة لهذا الطلب ردت الحكومة من خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة 05 فبراير، قدم فيه وزيرا العدل والداخلية سردا للأحداث وبعض المعطيات أثارت من الغموض أكثر مما قدمت من الشروح وتركت من التساؤلات أكثر مما قدمت من الإجابات” حسب ما جاء في البيان . كان من أبرز تلك التساؤلات :
ـ لماذا تم التعتيم على البلد (مصدر المخدرات) ولماذا تم التعتيم على الأطراف المسؤولة عن هذه الشحنة وعلى الباخرة التي أقلتها إلى مياهنا الاقليمية ؟؟!
ـ كيف للحكومة أن تجزم بأن كمية المخدرات لا تتجاوز 1.3 طن من القنب الهندي ، عكس كل ما تم تداوله على نطاق واسع من أن الكمية المصادرة تضم أكثر من 2 طن من الكوكايين ؟! ـ لماذا التعتيم على هويات الثلاثة الفارين ؟ ومن المعروف أن عمليات المخدرات من هذا الحجم ـ حسب بيان المنتدى دائماـ،لا بد لها من توافر ثلاثة عناصر أساسية: • الأباطرة أو الرؤوس الكبيرة وهم أصحاب الأمر؛ • الوسطاء أو المنفذون ؛ • جهات نافذة في الدولة لتوفير الحماية .
ـ كيف نفسر تناقض أقوال السادة الوزراء عند ذكرهم للمحجوزات المادية، حيث ذكر وزير الداخلية سيارتين من طراز “هيلكس” وثالثة تحمل لوحة حكومية للتمويه ، بينما ذكر وزير العدل أن الحجز شمل بالإضافة إلى هذه السيارات الثلاث، أربع سيارات أخرى من طراز V8 دون شرح علاقة هذه السيارات الأخيرة بالقضية ؟!
ـ أو ليس غريبا عدم الحجز على الزورق باعتباره عنصرا ماديا أساسيا في التحقيق القضائي والذي قال وزير الداخلية إن شحنة المخدرات وصلت شاطئ “امحيجرات” بمقاطعة “الشامي” على متنه بعدما استلمها من باخرة ، لم يزد على أنها رست قرب “لكويره” دون محاولة توقيفها هي الأخرى أو مطاردتها على الأقل ؟؟! ـ لماذا الاستعجال في إغلاق ملف بهذا الحجم ، بعد 48 ساعة فقط من توقيف بعض أعضاء العصابة، الشيء الذي لم يحدث قط في ملف أي جريمة ؟ّ! و ختم المنتدى بيانه بإن “هذه الأسئلة العالقة والثغرات الواضحة في تسيير هذا الملف، تذكرنا بأسلوب التلاعب الذي حصل في ملف طائرة نواذيبو 2007″، مطالبا بما يشبه التحذير، الحكومة برفع اللبس من خلال الإجابة على الأسئلة والتساؤلات المثارة أعلاه، حتى لا تتهم بتوفير الحماية لجهات ما “.
و لأن عصابة ياي بوي تضع نفسها في حل من الرد على ثرثرة المعارضة المزعجة و لأن المعارضة لا تملك وسائل فرض الرد عليها، كانت النتيجة كما هي دائما أن تقول المعارضة ما تريده و تفعل العصابة ما يريده. إن القانون الذي يتم الدوس عليه حين يصدر جنرال ياي بوي أوامره غير الشرعية .. القانون الذي يتم احتقاره حين يصدر وزير العدل تعليماته للقضاة بإلزامية مخالفة النصوص الصريحة .. القانون الذي لا تحترم منه أي فقرة حين تحتاج العصابة تجاوزه ، هو نفسه القانون الذي يلزم كل فرد من الشعب باحترامه حد التصوف .. هو نفسه القانون الذي يرتعد كل صحفي و كل كاتب و كل صاحب رأي من مخالفة مزاج وزير عدله و الرئيس الأعلى للقضاء ..
هو نفسه الذي يحول صناع الرأي العام إلى مجرمين حتى تثبت براءتهم ، عند أي إشارة إلى عدم جدية العصابة في كشف حقائق المخدرات و التعتيم على أسرارها. تقول صحيفة الأخبار في أحد تحقيقاتها عن الموضوع في إشارة واضحة إلى تورط رأس النظام “كل عمليات اعتقال المتهمين في ملفات المخدرات في موريتانيا، كانت تتم بأوامر عليا تصدر للأجهزة الأمنية تتضمن تحديد أماكن المطلوبين لمداهتمهم في المنازل أو مطاردتهم حيث يوجدون. هذا دون أن يكون لدى أفراد جهاز مكافحة المخدرات أي معلومات سابقة عن هؤلاء المتهمين”.
و هذه إشارة واضحة و صحيحة أيضا، إلى أن من يصدرون هذه الأوامر يعيشون بين تجار المخدرات و ما يظهر على السطح عن المخدرات هو فقط ما يساهم في تضليل الرأي العام عن الحقيقة. إن العصابة التي تختطف موريتانيا هي من تدير لعبة المخدرات من ألفها إلى يائها و هي من تجني الثروات منها و هي من تصادرها من البعض و تتاجر بها بعد ادعاء حرقها كذبا ، فهل يضع وزير العدل وجها من فولاذ لكشف حقيقتها أو يضعه للتغطية على جرائمها؟ على من يريد أن يفهم هذا الملف أن يأخذ بعض المال و بعض الوقت و يدخل أروقة المحاكم الموريتانية و يسأل عن المحجوزات، ليس إلا.. ! لقد ساهمت عنتريات ولد عبد العزيز و خوف مسؤولي الوزارة منه و بغضهم أيضا له، في كشف كل أسرار المخدرات في البلد.
ـ من ذبحوا النقيب الشجاع، الشهيد محمد ولد الكوري في “لمغيطي” و هو يكرر كلمة الشهادة ، بعد رفضه القيام بتسجيل مصور يعترف فيه بكفر الجنود الموريتانيين مقابل العفو عنه، لا يمكن أن يتحدثوا باسم الإسلام. ـ من ذبحوا 12 جنديا موريتانيا في تورين بدم بارد و زرعوا الألغام في أجسادهم لا يمكن أن يتكلموا عن صهيونيتهم بالأحرى أن يتكلموا عن الإسلام.
ـ من دمروا أضرحة الأولياء و الصالحين في تمبكتو و أشعلوا الحرائق في المكتبات الأثرية، لا يمكن أن توجد أوصاف لنعتهم.. ـ لا توجد في منطقتنا “قاعدة” إسلامية و لا جهادية سلفية و إنما هناك عصابات تجارة مخدرات و تهريب سلاح و تزوير عملات و غسيل أموال و خطف أبرياء، تحميها بعض أنظمة المنطقة ؛ تحمي العصابة الموريتانية بعضها علنا و تحمي بعضها سرا، تماما كما قال النائب الفرنسي مامير و تماما كما جاء في تصريح لأحمدو ولد عبد الله المكلف بقيادة مركز التفكير حول أمن منطقة ساحل الصحراء (le Centre/4S)، في نهاية شهر أغسطس 2012 أن “إرهابيي القاعدة في المغرب الإسلامي (Aqmi) ليسوا سوى وسطاء لمهربين متواجدين على طول امتداد خليج بنين، مضيفا أن “الشبكات على مستوى أعلى هرم السلطة في كل بلدان المنطقة كثيرة”، مضيفا “لديَّ أسماء و اللائحة طويلة…” . المخدرات هي المغذي الأول للإرهاب في المنطقة و الإرهاب هو المبرر الأول لبقاء بعض أنظمة المنطقة كما تقول عن نفسها، فهل يبحث وزير العدل عن الحقيقة أو عن طريقة لدفنها؟ فهل فهمت يا معالي وزير العدل و التعديل، لماذا لا نأتمنك على دستورنا؟ هل فهمت لماذا نشكك في نزاهة موقفك؟ هل فهمت لماذا نسخر من حقك الطبيعي في التعبير عن رأيك؟ ندرك جيدا يا معالي الوزير تماما كما تعرفها أنت و كما يعرفها ولد محم و الذئب “التل ولاته” أنه ليس أمام ولد عبد العزيز سوى أن يحصل على مأمورية ثالثة أو يذهب إلى السجن، لما ارتكبه من جرائم في حق هذا الشعب.
و لن يثنيه عن المحاولة سوى الموت الذي ما زال يعافه.. و ما يطلقه الآن من بالونات اختبار من خلال أنذال معاونيه الذين اخترت أن تكون على رأسهم (و هذا ليس من حقك الوطني لكنه من حقك الشخصي) لا يوجهه للمعارضة و لا للشعب الموريتاني لأنه لا يقيم أدنى حد من الاعتبار لأي منهما لاعتقاده أن “بازيب” و سرايا حفظ النظام و مليشيا ولد احريطاني و مسيلات الدموع الإسرائيلية المسرطنة كفيلة بحسم أي معركة داخلية ..
إن بالونات ولد عبد العزيز موجهة للأمريكيين و الفرنسيين، فهم من يخافهم و هم من يقدم رجلا و يؤخر أخرى لمعرفة ما يمكن أن يسمحوا به و ملا لا يمكن.. و قد سطا ولد عبد العزيز على الدستور و خيار الشعب حين انقلب على أول رئيس مدني منتخب من خارج السلطة، فما الذي تغير غير وزير العدل، حتى يحترمه اليوم؟ ماذا على من ينهب أموال اليتامى و الأيامى و الفقراء و المرضى بغيا، من كفارة يمين تنتظر رابطة الأئمة و العلماء و المجلس الإسلامي الأعلى و المجلس الدستوري و مجلس الشيوخ بقيادة العلامة محسن ولد الحاج، الإشارة الخضراء لمحاصرتها بالآيات و الأحاديث و القوانين و الأعراف و الاستثناءات و الضروريات و المصالح العليا للأمتين العربية و الإسلامية؟ يقولون “الدستور ليس قرآنا” و ما نعرفه مما لا يمكن أن نختلف عليه، هو أنه ميثاق شعب و به مواد صريحة تنص على إلغاء كل ما يخالف الشرع فيه و أخرى تنص على أن مصدره التشريع الإسلامي و ما لا يمكن لاثنين الاختلاف عليه هو قطعا أنه أنبل و أجدر بالاحترام و أكثر حرمة و قدسية من تملق ولد أجاي و نفاق إبراهيم داداه و ارتزاق الخليل ولد الطيب و ترنح ولد الشيخ . “الدستور ليس قرآنا ” كأنهم كانوا سيحترمونه لو كان قرآنا ! من يحترم القرآن يحترم ما جاء فيه من عدل و صدق و أمانة و حفظ حقوق اليتامى و الأيامى و الرفق بالفقراء و الضعفاء و إتيان كل ذي حق حقه ؛ عزاؤنا في أن الله يمهل و لا يهمل.. في صدق وعده.. في عدل أمره. فتمادوا في غيكم ؛ من لم يتق الله في أمانته في غروب العمر، لن تردعه كلماتنا العاجزة.