والوا دون نفاق وعارضوا دون هتك للأعراض / عثمان جدو

مما لا شك فيه أن الموالين للنظام القائم يرون فيه المثل الأعلى ؛ للحكامة الرشيدة ، والآلة الفاعلة في مجال البناء والتشييد والإعمار .. بل إن من هؤلاء من يذهب إلى أبعد من ذلك ؛ فيبالغ في موالاته إلى حد يقدم فيه النظام على أساس أنه نظام ملائكي ؛ لا يخطئ وكل ما يفعله صواب في صواب ..! ؛ على عكس اتجاه المعارضة التي تقدمه على أساس أنه نظام شياطين ،لا يفيد ولا يخدم وجوده مصلحة البلد..!

ومهما أنجز النظام من إنجازات فإن المعارضة تعمد إلى ردمها وطمرها في غياهب النقد غير البناء ؛حسب رأي المعتدلين في موالاتهم للنظام؛ الذين يصفون المعارضة بانتهاج منهج الالتفاف وعدم الاعتراف ؛ ووصف رموز النظام بالأعداء الذين يحرم التساهل في نقدهم؛ لئلا يسهل لهم التمكين وإن جافى ذلك الحق والواقع المعاش ..

لقد بالغت المعارضة -حسب هؤلاء- في معارضة النظام إلى حد هجران الإنصاف ، ورفض أي نوع من أنواع الاعتراف ؛ حتى وإن تجلت الشواهد واستدعى الموقف ذكر ما يذكر وشكر ما يشكر، والتمثل بقليل من الإنصاف تأسيا بنهج الأشراف .

صحيح أن حجم التطلعات لم يبلغ في الإنجاز مداه ، ولم يبلغ “الجمع” تحقيق شأو الغايات ولا مبلغ الآماني وحصول كل المؤملات ؛ لكن على الأقل هناك سير في فلك الإنشاء والتعمير والإنجاز والتشييد ، وإن كانت هناك بعض المآخذ والخروقات بغض النظر عن أسبابها وطبيعتها وتفاوتها في حجمها وأهميتها..

إن من المسلم به أن وجود معارضة سياسية ضمن النسق السياسي المعاصر أمر لا تخفى أهميته ، وهو ما يفسر حرص الأنظمة والشعوب والأمم المتطورة على تكريس دور المعارضة وتطويره ورعايته ؛ لكونه يشكل دعامة أساسية لحماية النظام من الانحراف والتفرد و الاستبداد ؛ مما يعني أن دور المعارضة لا يعني تعويق العمل السياسي ، ولا ينبغي أن يهدف إلى خلق الأزمات من أجل إسقاط الحكومات ، بل ينبغي أن يتلخص في ديمومة مراقبة صناع القرار السياسي ومدى نجاحهم أو إخفاقهم ؛ بالشكل الإيجابي المساعد الذي يدعو إلى تقويم القرارات الخاطئة الصادرة منهم ؛إن وجدت ، مما يعكس الأهمية الكبرى للمعارضة -المعارضة الناصحة لا المتربصة- في النهوض بالعملية السياسية وحمايتها من الانزلاق والشطط ؛ من خلال المتابعة المتواصلة وفقا لآلية عمل المؤسسات الدستورية سبيلا إلى تقويم وتنظيم الحراك السياسي وجعله في السكة الصحيحة دائما ..

إن الموالاة الصادقة هي التي تقدم النصح متى وجب ذلك ، وتعترف بالإنجاز وتشيد به ؛ دون مبالغة أو تضخيم ، ولا تتأخر عن المطالبة بالضروريات إن تأخر تنفيذها دون مبرر ، ولا ينبغي أن يمنعها موقعها السياسي من مراقبة عمل الحكومات وتقديم النقد اللطيف بأسلوب ناعم سبيلا إلى تحقيق الأهداف المرسومة .

إن الموالاة ليست بالضرورة أداة تطبيل وتفخيم ، وذكر مالم ينجز ، والمبالغة في المدح -في غير محله- الشيء الذي قد يسيئ به المادح إلى الممدوح أكثر من أن يحسن ..!

كما أن المعارضة -هي الأخرى- لا ينبغي أن تكون على حالها التي هي عليها اليوم عندنا -في كثير من المواقف- من نكران وجحود ومبالغة في التشاؤم ، وشيطنة للنظام ؛ الشيء الذي وصل ببعض الأفراد حد  استباحة الأعراض ، والتعريض بشرف من كان ينبغي أن ينأى بهم عن ساحة المعركة السياسة ؛ إلا إذا كان هناك وجه حق واضح للإقحام يجعل الذاهب إلى ذلك الإقحام معذورا ؛ بفعل أشياء اقترفوها هم حقيقة لا مجازا ، ووجدت لها أدلة وقرائن -يمكن إثباتها- بعيدا عن التخمين و فلسفة التوقع ، والتفنن في القذف واستمراء هتك الأعراض ، واستساغة طعن الخصم في الخصر أو من وراء الظهر ، واستطابة ذلك أكثر إذا كان له في الحكم تأثير ، أو له في الحكومة توظيف أو توزير..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى