المثقف بين فخ الغرور و خفوت الظهور/ الولي ولد سيدي هيبه
في المفهوم الاصطلاحي “المثقف ناقدٌ اجتماعيٌّ، همُّه أن يحدِّد، ويحلِّل، ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل، نظامٍ أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية، كما أنه الممثِّل لقوَّةٍ محرِّكةٍ اجتماعيًّا، “يمتلك من خلالها القدرةَ على تطوير المجتمع، من خلال تطوير أفكار هذا المجتمع ومفاهيمه الضرورية>>
فالمثقف لسان حال المجتمع، يتبنى قضاياه ويدافع عنها، ولا يجوز له أن يتخلَّى أو يتقاعس أو ينظر لها نظرةً فوقيةً، تفوِّت عليه دوره الحقيقي في الوسط الاجتماعي؛ ولكي يكون المثقف أكثر مصداقيةً ينبغي أن يكون أول مُضحٍّ من أجل الأمة وقضاياها المصيرية، وأشد التزامًا بالقيم، وأكثر تعهُّدًا بالمبادئ، محتكمًا إلى الأسس الدينية والأخلاقية و هو كل ذلك شخص منتج للأفكار بالأساس، واع، تنويري، تجديدي، إصلاحي، مطّلع و متجدد معرفيا، يستمد قيمته ومكانته من قيمة ما يقدمه أو ينتجه من أفكار “. و إذا كان المثقف في كل مكان يتصف بهذه المواصفات النبيلة، و العلامات البارزة، و المهام العالية، و الحياة العامرة، و الحضور الجميل، و التضحية المثمرة، و الصدق في العطاء، فكيف لا يكون مثقفو هذه البلاد على تماس مع رسالات و مفاهيم و مقاصد شهاداتهم العالية و تخصصاتهم المختلفة؟ و كيف إذا يبررون الوضع الثقافي و المعرفي و العملي الميداني المتدني إلى حد غياب صفات الوعي و علامات النضج و بماذا يبررون ترهل المستوى الفكري وهجر ساحة العطاء بكل أشكاله و مختلف مستوياته إلا ما يكون: · من الظهور الباهت الغرضي الصرف إلى تلميع بعد اغبرار، · أو تقديم لظرف سياسي طارئ، · أو مقام وظيفي سانح، · أو قصد تحصيلي موات، · أو انكشاف في الوقت الجاهلي “يوم لك” فخذ به قبل “اليوم الذي عليك” و قد وجب تجنبه بما أمكن. و كيف يرضون بهذا المقام؟ أم أنهم كما قال ذات زمن سحيق قس بن ساعدة الأيادي “أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا؟ تبا لأرباب الغافلة”. و مهما يكن فإن الوضع الثقافي الجاثم بكل ملامح و صفات الضعف لا يطمئن على استواء عود الأجيال الحاضرة الذي ما زالت طريا تنتظر من بيده استقامته، فلا: ـ الأكشاك تنادي إليها بزاخر المؤلف المفيد الذي يشكل مرجعا و صاحبه مرجعية للطلاب و الدارسيين و المهنيين و الحرفيين و المهتمين بالفنون و الآداب و العلوم الإنسانية، ـ و لا النوادي الفكرية و الفنية و الإعلامية تضيئ سماء المدن لتهذب و تصقل السلوك المدني و المسلكيات التعاملية من وعثاء السفر اليومي في باحات و جنبات الكفاح الحياتي، ـ و لا المسارح و قاعات العروض الملتزمة تبين عن وجود فبالأحرى عن عطاء يربي و يؤدب النفوس و يرفع مستوى الوعي الذي يهدي إلى البناء و التشييد و التحليق عاليا في سماء الرقي النفسي و المادي و بالطبع فإن غياب المثقف عندما يصاب بالغرور إنما يجني به على مجتمعه الذي يعول عليه لرفع وتيرة الوعي لديه و حمله عاليا إلى مستويات معتبرة من الرقي النفسي و المادي بأن يخذله و يترفع عليه متأففا و مستكبرا، ثم ما يلبث أن يجني على نفسه فيصبح كالفقاعة التي ينفخها الهواء بعد أن يملأها خواء لتنفجر و تتناثر أشلاؤها العديمة التي سرعان ما تغيب عن الأنظار التي تقدر الأحجام و الأوزان و الأشكال. و مما لا شك فيه أن هذا الغرور و إن كان له، و لو بأدنى و أخف التجليات في الواقع ما يبرره في ساحة هذا البلد الثقافية القاحلة و الجافة الينابيع، فإنه غرور لا يسعفه أداء و لا مخرج و لا دوي سمعة، اللهم ما يكون من ارتكاس فكري حمل: · البعض الكثير على الانحدار إلى غياهب الماضي و الانغماس في اعتباراته التي كانت رغما عنها و لحالك الفترة و غياب أسباب العدل بالرغم من حضور الدين القيم، ترفع من غير رفعة و تضع من غير نقص، ليوهم هؤلاء أنهم الوارثون لـ”عظمة” كانت، · و البعض الآخر على الاستسلام لقوة الرداءة و الميوعة ليتقوقعوا على ذات لا تقاوم و يضيعوا على البلد و مستقبله فرصة ما كانوا يشكلون و يمثلون من بذور الزرع الأخيرة. فهل يدرك هؤلاء الأمر بتوفيق من الله فينفضوا و ينتفضوا غيرة و ثورة؟