ولد الحاج “الشيخ”.. رحلة الصعود بين المطعم والمجلس ” بورتريه “

قبل سنوات قليلة لم يكن اسم محسن ولد الحاج متداولا بكثرة في الشارع الموريتاني،المولع بمعرفة أسماء الوزراء والنواب والقادة ومعرفة أدق تفاصيلهم الحياتية،  فطيلة سنوات طويلة ظل سور عدم الشهرة الكبيرة يحيط بالشيخ محمد الحسن ولد الحاج.قبل أن يظهر اسمه بقوة خلال فترة الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله،ضمن إيجاز إعلامي عن مشاركته في حفل للجالية الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة المشاركة في احتفال بذكرى قيام الكيان الصهيوني،وهو ما يعني الاحتفال أيضا بذكرى احتلال فلسطين. 

غير أن ولد الحاج عاد ليحتل مساحة أكبر من اهتمام الإعلام،بعد تصريحاته المتشددة جدا تجاه الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله،والتي وصلت حد تهديده بانتقام الجيش،وهو التهديد الذي كان مقدمة لفعل كامل.   

  مابين أستو ورئيس منتظر  في حي ” أسكال ” العتيق بمدينة روصو عاش الشيخ محمد الحسن ولد الحاج سنوات عديدة من عمره دون أن يكون اسمه من بين الأسماء المتداولة بقوة – كما هو الآن – في حقل صناعة القرار،وإن كان أحد الأسماء المهمة في مدينة روصو ..وصاحب شهرة لدى أوساط واسعة من سكان المدينة الحدودية.ويرجع الفضل في تلك الشهرة إلى مطعم صغير الذي أداره ولد الحاج لعدة سنوات في المدينة الشاطئية والذي حمل على إحدى واجهته لافتة تحمل بالفرنسية عبارة ’’ مرحبا بكم في منزل السيدة أستو’’  ويحتفظ كثير من ساكنة روصو بقصص ومواقف مع السيد محسن ولد الحاج بحكم العلاقة معه كصاحب مطعم مشهور في المدينة الصغيرة،ظل يوفر طيلة السنوات الماضية عددا من “الخدمات العامة” بعضها لايحظى بإجماع كبير من ساكنة روصو ويتعلق الأمر أساسا ببعض السهرات الفنية الراقصة التي دأب مطعم ولد الحاج على تنظميها خلال أيام الجمعة،مستعينا في ذلك ببعض الفنانين السنغاليين,  رحلة الصعود  سياسيا بدأ ولد الحاج رحلته في عالم السياسة والفعل السياسي مناضلا في حزب اتحاد  القوى الديمقراطية وحزب التكتل من بعده،دون أن يحتل منصبا قياديا في أحد الحزبين،لكن ولد الحاج احتل الواجهة بقوة خلال فترة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية عندما ترشح بلائحة مستقلة حصلت على ثلاثة مستشارين بلديين لم ينجحوا في إيصال ولد الحاج إلى منصب عمدة روصو الذي كان يطمح إليه.  لكن مشهد الهزيمة تحول إلى انتصار ساحق عندما انتخبه مستشارو مقاطعة روصو بأغلبية معتبرة شيخا لمقاطعتهم،بعد أن دفع مبالغ مالية ضخمة لتأمين أصوات المستشارين حسب خصومه الذين يصفون نجاح ولد الحاج في الوصول إلى سدة الشيوخ بالعملية التجارية التي ساعدتها عدة ظروف سياسية مالية وضغط قوي من السلطة العسكرية الحاكمة وعلى رأسها صديقه الشخصي محمد ولد عبد العزيز توج بوصول ولد الحاج إلى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الشيوخ وهو المنصب الذي ظل فيه حتى انتقل رئيس المجلس فجأة بعد مرض ألم به ليكون الرئيس الفعلي للمجلس وثاني شخصية في موريتانيا ما أطلق عليه البعض ” الرئاسة بالوفاة ” ما أطلق له اليد التي لم تكن قصيرة في التنكيل بالمعارضين فطفق يمنع ويأمر وينهي في المجلس دون منازع في الصلاحيات ولا منبه على القانون .  تطورت وسائل ولد الحاج وتعززحضوره السياسي،بعد سيطرته الفعلية على مجلس الشيوخ متجاوزا في صلاحياته التطبيقة الرئيس المرحوم با مامادو امباري الذي شكا أكثر من مرة من تجاوزات ولد الحاج والتي كان من بينها نقل الموظفين وتحويلهم داخل مجلس الشيوخ دون الرجوع إلى الرئيس امباري.  رائد الكتيبة    كان ولد الحاج الشيخ أول من قاد ما بات يعرف بالكتيبة البرلمانية ضد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله،كما كان أكثر أنصار العسكر حدة ضد الرئيس المطاح به والجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي وصفها أكثر من مرة بأنها ’’ جبهة اللصوص والمفسدين’’  خاض ولد الحاج حربا قوية ضد أنصار الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله،على كل الصعد ووصف كلا من الدكتور محمد ولد مولود ومحمد المصطفى ولد بدر الدين بأنهما ’’يعملان لصالح الشيطان’’  كما خاض ولد الحاج حملة دبلوماسية من أجل كسب التأييد لصالح العسكر وهو ما لم يوفق فيه كثيرا نظرا لأنه ’’مجهول’’ بالنسبة لكثير من دوائر القرار الغربية.  ومع ذلك فقد اتهمه خصومه في الجبهة المناوئة للانقلاب بالسعي إلى ’’ تليين مواقف اللوبي الصهيوني ضد ولد عبد العزيز’’.  ناصب ولد الحاج الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله العداء بعد الانقلاب عليه حتى أن البعض يتهمه بتجييش بعض مناصريه ونقلهم من أجل رمي منزل ولد الشيخ عبد الله بالحجارة وتوجيه عبارات نابية له .  يمكن تصنيف ولد الحاج حسب العارفين به ضمن تيار الليبرالية الاجتماعية،دون أن يعني ذلك أنه يحمل رؤية إيديولوجية أو موقفا فكريا متماسكا،لكن الرجل حسب خصومه وأصدقائه،يتمتع بمستوى كبير من الانفتاح الاجتماعي ،كما يعتبر عاشقا للفن الإفريقي بشكل خاص ويتمتع بعلاقات وصداقات واسعة مع الوسط الفني في السنغال،مكنه من توفير حفلات وأماس خاصة في مطعمه في روصو.  ولا يبالغ أنصار ولد الحاج في الحديث عن ثقافة الرجل،فيما يؤكد خصومه أنه أحد أبناء المدن العمالية،بما يعنيه ذلك من ارتباط بالعمل والحياة المدنية بشكل خاص.  الرئيس الثاني  يؤكد أحد السكان الأصليين لمدينة روصو قائلا ,, على الأقل في روصو ولد الحاج يتحكم في كل شيئ،يخافه العمدة،وقد سلم له بالأمر بعد أن هدده بالإقالة،كما أنه يسيطر على كل التعيينات في المقاطعة،،  ويضيف آخر ولد الحاج ’’ استولى على عدد كبير من المباني الحكومية في روصو وحولها إلى أملاك خاصة،كما أنه يؤجر بعض هذه المباني للدولة ذاتها.  ويؤكد آخر ’’ لقد عين ولد الحاج عددا كبيرا من مقربيه على المصالح الهامة في المدينة،وهو المسيطر الأول على كل منافذ المدينة السياسية والمالية والاقتصادية.  وتضيف سيدة أخرى أحد وزراء الحكومة الحالية كان مرافقا خاصا لمحسن ولد الحاج وكان مكلفا بشكل خاص بتوفير الأجهزة الصوتية التي يعتمدها مطعم ولد الحاج في روصو خلال أماسيه الفنية’’  بينما يؤكد آخرون أن ’’ ولد الحاج يستطيع تحقيق أي طلب،والوصول إلى أي هدف في الدولة الموريتانية من خلال رنة هاتف لا أكثر’’  وفي الفترات الأخيرة باشر ولد الحاج التعامل الشخصي مع عدد من وزراء الحكومة والمسؤولين الكبار آمرا أو ناهيا،فيما كانت طلباته أوامر تنفذ في الحين،وهو ما أثار حفيظة صديقه ولد عبد العزيز الذي بات يرى أن ’’العين ’’رغم أهميتها،لايمكن أن ’’تعلوا’’ على الحاجب.  عتب الأصدقاء  ولد الحاج الشخصية المثيرة عادت إلى الواجهة بقوة بعد ما أشيع من خلافات قوية بينه وبين صديقه وابن عمه الرئيس محمد ولد عبد العزيز،والتي جاءت تتويجا لخلافات حادة بينه وبين رئيس الحزب الحاكم محمد محمود ولد محمد الأمين المقرب جدا من قائد الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني.  نظم حزب السلطة مهرجانه العام في الركيز،ونظم ولد الحاج مهرجانه الخاص في نوكشوط،واستدعى وزراء الترارزة ’’بأمر رئاسي مزور’’ إلى الاجتماع،فيما رد مسؤولين سامين على مشارف مدينة الركيز بعد أن أبلغهم أن ’’حضور مهرجان الركيز محظور’’ كما حصل مع الأمين العام لوزارة الداخلية  غير أن الخلاف عاد بقوة إلى الواجهة بعد تهديد ولد عبد العزيز لوزارئه التابعين لولد الحاج،مؤكدا أن ’’ لاواسطة بيني وبينكم’’ ولا قريب لي سوى المصلحة’’  خرج ولد الحاج من دائرة الثقة والنفوذ ،جرد من نفوذه،أغلقت في وجهه – بأمر رسمي – أبواب المؤسسات العامة، تلك إذا عناوين كبيرة استغرقت الاهتمام الإعلامي خلال الأسابيع الماضية،وإن لم تعلن عن قرار نهائي يحدد مصير الرجل المثير.  آخر التقليعات الإعلامية عن ولد الحاج كانت الحديث عن سفره إلى مدينة كازا مازا  السنغالية من أجل الحصول على تعاويذ تحميه من غضب صديقه ولد عبد العزيز وتعيد مياه العلاقة الطيبة إلى مجاريها السابقة.  وبحسب مصادر إعلامية – غير صديقة لولد الحاج – فقد انتقد ولد عبد العزيز قائلا ’’ إنني من صنع ولد عبد العزيز هو ليس شيئا بدوني’’  ورغم صعوبة التأكد من صدقية العبارات المنسوبة إلى ولد الحاج إلا أنها تذكر بتصريحات سابقة،عن الرئيس ولد الشيخ عبد الله قائلا ’’ لقد لجأ إلى ولد الشيخ عبد الله من أجل مساعدته لكي يكون عمدة لقرية لمدن،وقد قدمته للعسكر ودعموه للوصول إلى الرئاسة’’  انفراط عقد الصداقة بين عزيز ومحسن ليس مستبعدا فبحكم التكوين الشخصي للرجلين يبدو الصدام سهلا ومتوقعا،فولد عبد العزيز الذي حارب العالم كله من أجل البقاء في كرسي الرئاسة لن يقبل الانتقاص من سيادته،وولد الحاج الطامح الذي لاحد لنفوذه بات يرى أن أفضاله على الرئيس عزيز تؤهله لبعض المشاركة العرفية في القرار.  الانتقام الشعبي  خلال الانتخابات البلدية والبرلمانية مني محسن ولد الحاج بهزيمة قوية من شاب مهاجر له حظ من الجاه والمال في المدينة التي هو أحد أبنائها حيث ترشح عن طريق حزب الوئام الذي يقوده الزعيم بيجل ولد هميد والذي حسم العمدة ونائبي المدينة لصالحه ليترك ولد الحاج بدون أي فوز وهو ما ابتلعه محسن في انتظار الوقت المناسب  يتهم خصوم ولد الحاج الرجل بأنه يدير الكثير من الشقق في المدينة الحدودية وأنها خارج السيطرة ولا تخضع للدولة سواء الإدارة أو الأمن  عاد ولد الحاج وبدأ في تسيير البلدية عكس ما يريد حيث منع صاح بالخزينة من دفع أموالها وعرقل مشاريعها وحصل على بعض مستشاري مناوئه وهي المشكلة التي تفاقمت بشكل كبير حتى هدد العمدة سيدي جارا بالاستقالة في مهرجان جماهيري كبير  ليتراجع لاحقا بعد تنفيذ بعض طلباته التي كانت كلها حول نفوذ محسن ورجاله في المدينة  في الواجهة من جديد  اليوم يتربع محمد الحسن ولد الحاج – وهو الاسم الرسمي للرجل لكن شهرته كانت أكثر – على مجلس الشيوخ الذي تؤجل انتخاباته كل فترة  وهو ما ترى المعارضة أنه من أجل استمرار ولد الحاج في منصبه مستدلة بالكثير من النفوذ للرجل ولمقربيه الذين من بينهم وزراء ومديرون كما يتربع شقيقة على إعلام المنطقة الحرة منذ نشأتها وحتى الساعة كما أن كل من ربط صلة به ولو كانت عابرة تكون شفيعا في العمل والتوظيف أوالترقي في السلم الوظيفي وخاصة بالنسبة للسيدات   يعرف ولد الحاج  بأنه شخص مرح حسب العارفين به يحب مجالس الأصدقاء كما أنه ليس من المنشغلين بالهم السياسي في معناه العام ما يتناسب وموقعه البروتوكولي كثاني شخصية في الدولة حيث لم يشارك في نقاش سياسي ولم يحاضر في ندوة عن الشأن المحلي أو الدولي ليظل خارج الاهتمام بالنسبة حيث يقول البعض إنه متفرغ  للصراعات مع الخصوم ولبعض الأمور في حياته الشخصية  وإلى أن يحين وقت الانتخابات المؤجلة يبقى ولد الحاج وجها من أوجه كثيرة لنافذين صنعتهم السلطة فجأة عن طريق القرابة وأعطتهم من النفوذ فوق التخيل والمستطاع ثم أرادوا تجاوز الحدود المرسومة بينهم فنبهتهم بضرورة العودة إلى حدودهم ولو إلى حين , لكن بالنسبة لولد الحاج فإن العودة لم تتجاوز الحدود الجنوبية لموريتانيا ليعود بقوة ما يجعل  حدود الجنوب أضمن للعودة إلى الصدارة من حدود الشمال . 

ويظل نفوذ الرجل وماله وسرعة وصوله إلى كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المسافة نحو النفوذ والثراء لا تعترف بالتدرج  سيما إذا خالطتها القرابة وأشفعت بأمور أخرى عديدة .

المصدر: السراج

العنوان الأصلي: محسن..رحلة الصعود بين المطعم والمجلس ” بورتريه “

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى