بوارق أمل في أفق الإحباط/ سيدي محمد يونس
كنت قد عقدت العزم ألا أعود للكتابة في سبيل وطن أسلمه أهله لمختطفيه، فلا النخبة السياسية تعاطت مع حادثة الاختطاف بما تستحق من تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات البينية، ولا النخبة الإعلامية استطاعت الوقوف أمام محاولات إفراغ سلاحها من ذخيرته الحية، ولا النخبة التقليدية وُفقت في إدارة مصالحها المرتبطة بالأنظمة الشمولية، ولا الجيش تصدى لمحاولات تحويله إلى ميليشيات.. تحرس النهب وتقف عاجزة عن تصحيح مساره، كما عودنا في السابق.
بيد أن بوارق أمل، باتت تلوح في أفق الإحباط الذي ينتابني.. أمل يُشع نوره من داخل قمرة القيادة، يشي بأن أوراق السيطرة على الطائرة باتت تتفلت من أيدي الخاطف ورقة ورقة، دونما ضغط أو تدبير من النخب المستكينة منذ أن أعلنت موريتانيا طائرة منكوبة تترنح بين مطارات العالم قبل نحو ثمان سنوات.
البارقة الأولى: أن الخاطف قطع المؤن الضرورية عن ركاب “الدرجة الأولى”، الذين هللوا للاختطاف واعتبروه فرصة ثمينة للتحليق في الفضاء وتشييد وطن بديل فوق سطح القمر بعيدا عن أرض الوطن الذي ملأته “الأنظمة البائدة” غبارا وباعوضا وفقرا مدقعا.. ولأنه لا سبيل إلى القفز من الطائرة المختطفة بحثا عما يسد الرمق، فقد أصبح من الوارد القفز على الخاطف لتأمين الحياة.
البارقة الثانية: أن الخاطف ظل يقذف بكميات الأكسجين داخل الطائرة إلى خارجها في صناديق محكمة الإغلاق، لتأمين حاجته من المادة الضرورية في حال انتهت عملية الاختطاف، وهو ما ولد حالة من الغضب الشديد في صفوف ركاب “الدرجة الأولى” الذين ظلوا، إلى عهد قريب، يتمتعون بكمية كافية من الأكسجين عكس ما هو حاصل في مؤخرة الطائرة.. لذلك؛ فبدل القفز خارج الطائرة للحاق بالصناديق، أصبح من الضروري القفز على الخاطف لتأمين الحياة.
البارقة الثالثة: أن صناديق الأكسجين التي رمى بها الخاطف خارج الطائرة وقعت في مكان مجهول، ولأنه لم يترك احتياطيا كافيا من الأكسجين داخل الطائرة، فقد فرض انتزاع كميات من الأكسجين من كل راكب، حتى وهو في طريقه إلى الرئة، فلدى الخاطف أجهزة شفط عالية الجودة.. ولأنه لا سبيل إلى القفز من الطائرة المنكوبة بحثا كتلة هواء، فقد أصبح من الوارد القفز على الخاطف لتأمين الحياة.
البارقة الرابعة: أن الخاطف يدرك، أكثر من غيره، قرب نفاد وقود الطائرة، وقبل أن يقرر القفز منها أو يسمح بهبوطها بدأ يعد العدة لتعويض الصناديق المفقودة، وهو يدرك جيدا أن العالم أغلق مجالاته الجوية أمامه ولم يبق له غير ابتزاز الركاب المغلوبين على أمرهم، فعمد إلى رمي بقايا طعامه في ممرات الطائرة ومنع الاقتراب منها بغير ترخيص مدفوع الثمن، وجهاز مجمرك للبحث عن بقايا الطعام، وتسجيل رقم المقعد وكمية العظام التي جمعها كل راكب، حتى يتسنى له المضي في الابتزاز إذا قُدر له الحصول على الوقود.
وبالبارقة الأخيرة؛ تكون الطائرة المنكوبة قد أكملت مشوارها، وبدأت الهبوط في مدرج آمن، فالخاطف لا يريد لها أن تنفجر به في الهواء ولا أن تسقط به على الأرض.. فهو يرغب في اللحاق بالصناديق التي رماها في الخارج ولا يريد أن تكون من نصيب غيره، إذ أنها غاية الاختطاف الذي منع الطائرة من الصيانة وتبديل قطع الغيار لثمان حجج لا أحد يرغب في إتمامها عشرا.