الذهب بين وسائل الأقوياء وعزم الضعفاء/الولي ولد سيدي هيبه
ليس بدعا من الفعل أن تهرع الأفواج من الموريتانيين تلو أخرى إلى محجة الذهب الجديدة و الاختلاط بعفاريته التي لا يهدأ معها بال و لا تقر عين و لا يستقيم طبع و لو لم يكن في الأصل هادئا. قديما مخر المغامرون من بيض القارة العجوز عباب المحيط الأطلسي إلى القارو الامريكية المستكشفة يومها بحثا عن الذهب الذي يعج به غربها فأبادوا أغلب سكانها من الهنود الحمر الأصليين و زاحموهم القلة المتبقية في أرضهم حتى كانت لهم الغلبة و ليمتلكوا من بعد ترابها على خلفية قضية وطن جديد ابتدعوها لكنها سرعان ما تجسدت في بناء دولة اتحادية لتصبح فيما بعد الأعظم في العالم. و في أمريكا اللاتينية أشتث البيض القادمون من الجزيرة الإبيرية على متن بواخر الكرفيل الشراعية معظم هنود الأنكا و المايا و الآزتيك بحجة البحث عن الذهب و ليستأثروا من بعد بالأرض وطنا بعدما صنعوا هم كذلك قضية أصلت لبناء دول دائمة. و في القارة الأمريكية اللاتينية نفسها جاء أيضا البرتغاليون أبناء عمومة الأسبان من اللاتينيين و جيرانهم في القارة الأوروبية و احتلوا باسم الذهب نصف القارة فأذلوا ثم أبادوا معظم أهلها الأصليين و ليختلقوا من بعد قضية أصبت اليوم واقعا هو البرازيل يعج قوة و تطورا و تنوعا. و ليس بعيدا عن موريتانيا، في المغرب و الجزائر حيث كثر الباحثون عن الذهب الذين شمروا عن السواعد و سلكوا طريق البحث الجنوني عنه، لا يهابون الصعاب في أعماق الصحراء و لا في الأدغال و الأحراش أو سحيق الوديان، و لا يخشون الطبيعة البكر القاسية و لا يهتمون لمقالبها بقدر اهتمامهم بذهبها. و في دولة مالي التي تتقاسم معها آلاف الكيلومترات من الحدود يسكن الآلاف من مواطنيها في الحفر السحيقة كالأفاعي أو الجرذان محتملين الظلام و الرطوبة و العطش و الجوع سعيا لا يهدأ إلى استكشاف اقل كميات من الذهب في أحشائها. هي إذا حمى الذهب التي عبرت الزمان و انتشرت عدواها فحركت العقول و سكنت الأبدان. و لكن الذهب المستخرج في كل هذه البلدان ساهم بما لا يدع مجالا للشك في الرفع من ميزانياتها و تأمين مصارفها المركزية و الثانوية و عملاتها المحلية و ضمن وجود العملات الصعبة إلى جانبه في رفوف و مستودعات خزائنها حتى وجد ذلك ترجمته جلية على عجلة الاقتصاد فظهرت المصانع و تشعبت البنى التحتية من مطارات و طرق و سكك حديد، و قامت بالفعل و على أرض الواقع نهضة اقتصادية أبانت على علاتها عن مظاهر تطبعها الكثافة و التنوع و الحداثة، و خلقت دينامكية لا تخطئها العين المجردة. فهل يصحب هذا التنقيب المحموم عن الذهب و إن لم يسلم من المعايير الانتقائية في التراخيص ـ و قد استأثر بأغلبها و منذ أمد من لهم الإمكانات الهائلة و اليد الطولى على كل شيء بذات القوالب المعهودة و التقسيمات المرحلية في بلاد التناقضات الكبرى ـ وعيٌ تقديري لفوائده الجمة كهذا الذي عرفته بلدان الجوار أم أنه سيكون بحال الثروة الحيوانية التي ما زالت تدار في حياض القبلية و العشائرية، و الزراعية التي تنخرها الإقطاعية و نزاعاتها المعطلة، و صيد السمك الذي تتقاسم ريعه جهات مافيوزية؛ ثروات بكل هذه الأوجه العظيمة يجري تضييع البعض منها و نهب البعض الآخر دون تنميتها و لا ينقطُع تبديدها و هدرها في تكريس بدائية مقيتة لا تلامس معطى الدولة الحديثة، إبل و بقر و غنم بعيدة عن فضاء التنمية و الاستثمار و بعض دور و حوانيت عامرة بالمستورد من فضلات مصانع العالم، و سوء تسيير و تدبير على خلفية المفاهيم التي لا تبرح حيز الماضي و لا تطرق باب الحاضر و هي عن المستقل في عم ؟ و مما لا شك فيه مطلقا أن القبول بتفريغ الطاقات الحية القادرة على البناء و إدارة عجلة النهضة إلى صحراء قاحلة جرداء أمر مثير للقلق في الوقت الذي تدل فيه كل المؤشرات على حاجة البلد إلى سواعدها لتبرير توجهه إلى قيامه و نهوضه.
فهل ينضب الذهب بسرعة بعد الإعلان عن قلة كميته على أيدي الأقوياء و يرجع المحرومون إلى مربع انتظار الفرص تحت سياط الحرمان و غلبة الأثرياء الذين تزيد ثرواتهم و يشتد بأسهم، أم أنه على العكس من ذلك موجود بكميات يمكن للجميع أن يستفيد منها إلى حد المساعدة رغم اختلال الواقع في إيجاد طبقة متوسطة تطفئ نيران الغبن الكامنة بداخل النفوس المقهورة الصامتة إلى حين؟