صالح بعد إنقضاء “العصر”
تابعت كغيري من رواد الشاشة الصغيرة، برنامج بلا حدود مع السيد صالح ولد حنن، و قد خرجت بالملاحظات التالية :
– بدا السيد صالح ولد حنن في بداية الحلقة مرتبكا كتلميذ لم يحضر جيدا لامتحان نهاية السنة مع وجود مراقب لا يسمح بالغش (حسب الأستاذ أحمد منصور فإن السيد صالح لم يطلع على مداخلات رفاقه و لا على أسئلة المشاهدين و ملاحظاتهم)، مرهقا و قد يكون ذلك عائدا للتعب الشديد (أحسن المخارج)، غير مرتاح في وضعيته على مقعد الشهود (خلاف الحلقات السابقة حيث لا حسيب و لا رقيب و لا حتى مسائل)، غير واثق من تأثيره هذه المرة على هيئة المحلفين (المشاهدين) و ذلك بسبب حضور الرأي الآخر لأول مرة (لفيف المحامين : مداخلات الرفقاء و أسئلة المشاهدين و ملاحظاتهم) ؛
– بدأ حديثه بمراوغة قد تكون ناجعة في حالات مشابهة، غير أن تعابير وجهه فضحته و أبانت ومن البداية، أنه غير واثق من نتيجة المناورة، و ذلك عائد بالتأكيد لمتابعته لصدى و تداعيات شهادته على “العصر”، تمثلت تلك المراوغة في الاعتذار من الرفقاء، محاولة تذكر للمنسيين و أدوارهم (خانته الذاكرة في جلهم واكتفى بثلاثة أسماء)، إعتذار لتاريخ لم يعشه (ماقبل الاستقلال، الإستقلال و لغاية الثمانينات) و للذاكرة الجمعوية للمجتمع و لمكوناته، و إستخدامه لخطاب مهادن و مجامل عكسا للخطاب السائد في حلقات شهادته على “العصر” الغني ب”الأنا” و الفقير ب “نحن” و المنكر و المبخس لأدوار الآخرين….إلخ.
باختصار كان واضحا، أننا لسنا بصدد إعتذار و لا تدارك و لا تصحيح من طرف السيد صالح، كل ما في الأمر أنها محاولة لإستعطاف المشاهدين و كسب تعاطفهم، و عملية إستباقية للإلتفاف على تسونامي بدأت أمواجه تلوح في الأفق : مداخلات شركاء و شهود المحاولة الانقلابية، أو على الأقل الحد من موجاته الارتدادية، مع العلم أن قوة هذا التسونامي لن تتحدد إلا في نهاية الحلقة و هو ما يعني أن معالجة آثاره قد تكون مثل معالجة “خراب مالطا” ؛
– تحدث رفقاء السيد صالح بكثير من خيبة الأمل من رفيق الأمس، و المرارة من مغالطات شريك التاريخ و الأحداث و المحنة، و الدهشة من الطموح الجامح لمن لم يكن موقعه و مركزه يؤهلانه لزعامة العملية حسب المنطق العسكري العملياتي. إحساسهم بالظلم و بالغبن والتهميش من رفيق الأمس، كل ذلك كان باديا صريحا و صادقا و تمكنوا من إيصاله بسلاسة، و هو إحساس يختلف تماما عن “غيرة الرفقاء” التي أراد السيد صالح ولد حننا أن يهيئنا نفسيا لها و على مدار حلقات، و ذلك من خلال تثمين شخصه و تجاهل الآخرين أو تبخيسهم في أحسن الأحوال، تحسبا لردة فعل الرفقاء التي أراد لها أن تتحول في أذهان المشاهدين إلى مجرد “غيرة رفقاء” لا أكثر ؛ – لم يقم الرفقاء بنسف شهادة السيد صالح من أساسها فقط، بل قاموا بتفكيكها و إذابتها و صياغتها من جديد و بشكل مختلف تماما، و ذلك بسرد لوقائع و أحداث و حتى تواريخ مغايرة لما أدلى به السيد صالح، و الإستشهاد بنفس الشهود الأحياء الذين إستشهد بهم السيد صالح في روايته المغايرة، الرفقاء إتفقوا و توافقوا في رواياتهم. و على الرغم من حيف ضيق الوقت المخصص لهم (5 دقائق فقط مقابل ساعات طويلة لشهادة السيد صالح)، إلا أنهم أبانوا عن نسبة تركيز عالية، أيضا قدرة فائقة على ترتيب الأحداث و الوقائع و التواريخ و تلخيصها و إقناع المشاهد بصدقيتها، و قد أفلحوا في ذلك ؛
– في ردوده و دفاعاته، بدا السيد صالح فاقدا للتركيز، غير قادر على ربط الخيوط، مفتقرا للوقائع، ناسيا للأسماء و الأحداث و أحيانا حتى لسرده خلال الحلقات، متجاوزا للكثير من الوقائع و النقاط و الحيثيات التي قاموا بسردها أو بإثارتها و هو دليل على أنه لم يكن بمقدوره مجادلتها بالأحرى نفيها. بكلمة واحدة بدا السيد صالح غير مقنع بالمرة ؛ – بالنسبة للصحفي الأستاذ أحمد منصور، لم يكن خافيا من خلال أسئلته و تعاليقه، أن نظرته للسيد صالح ولد حنن إختلفت تماما بعد تدخلات رفقائه، و بدا أنه لم يعد مقتنعا “أشوي و لا ياسر” بشهادة الشاهد، و بدا أيضا أن صورة الشاهد إهتزت كثيرا في نظره، و أنه بات مقتنعا أن شهادة الشاهد أثرت سلبا على صدقية و مصداقية البرنامج على الأقل لدى جمهور عريض من الرأي العام الموريتاني و هو الشيء الذي لا يروق لأي مقدم برامج من نوعية برنامج شاهد على العصر. “لولا العيبة” لقال لنا الأستاذ أحمد منصور “لقد وقعت في الفخ” على رأي المسرحية المصرية الشهيرة، من الصعب على صحفي محاور، أن يجد نفسه و بعد عدة حلقات، أمام سرد مغاير تماما لسرد ضيفه و ممن؟ من جميع من خطط و نفذ و شارك في تلك الأحداث أو حتى عايشها، أتفهمه جدا.
مع كامل الإعتذار للسيد صالح ولد حنن، الإعتذار موصول أيضا للمصدقين (وهم قلة و العهدة على الأستاذ أحمد منصور) لروايته حتى لا أقول شهادته حيث أن رفقاءه و بالإجماع لم يزكوها.
الحسين أحمد الهادي