عن خطاب الجنرال عزيز/عباس ابراهام
(الزمان): ـ كنتُ قد رميت، ولو بشعبوية ( أحياناً تكون الشعبوية صادِقة، وإن افتقرت للعمق) تعليقاً على خطاب الجنرال عزيز. وقد طلَبَ مني بعض الأصدقاء الأكثر إخلاصاً تعليقاً بنقاط أعمق. هذه بعضٌ منها :
1-لم يتغلّب الجنرال عزيز على ممارساتِه الخطابيّة التي أفسدت خطاباته السابقة (عدم دقّة المعلومات، عدم اللباقة السياسة، التي أضاف إليها الآن مسحة عنصرية ومعادية للمرأة، افتراض أن موريتانيا بدأت مع حكمه، والزّعم أنّه مُدخِلُ الدِّيمقراطية للبلاد). بعد سنوات من الخطابة مازال أيضاً يعاني من مشاكل ابتدائية على مستوى التعبير والنبرة وهيكلة الخطاب.
2-أفسدَ الجهود الحكومية التي دعمها مؤخراً بإنشاء محكمة وإدارة لمكافحة الممارسات الاستعبادية بأن هاجم واستاء من خطاب المناضلين ضدّ الاستعباد ونفي الاستعباد من أساسه. مرّرَ رسالة أنّه ليس جدياً في مكافحة الاستعباد، إذْ يخافُ من خطابه أكثر مما يأخذُ به. 3-دافع عن الحق الوطني، وليس الأهلي، في الثروات المحلية، عن طريق دعم المبادرة الاقتصادية العابرة للجهة. هذا جيد. ولكنه سرعان ما عاد ودافع عن الحق الأهلي، وليس الوطني، في السياسة المحلية عن طريق اقتراج مجالس جهوية. أعطى للمحليين السياسة ونزع منهم الاقتصاد. 4-ليست فكرة المجالس الجهوية فكرة سيئة، بالمناسبة. وقد هوجِمت أحياناً بديماغوجية. بل هي فكرة مهمة لتسييق الديمقراطية. لا توجد لدينا إلى حدِّ الآن ممارسة ديمقراطية على المستوى المحلي. فتتخرّج القبائل إلى السياسة الوطنية بدون المرور بممارسة ديمقراطية. وما أقترِحُه هنا هو إتاحة إمكانية للباراشوتاج السياسي (بإضافة كوتا تكنوقراطية غير جهوية في هذه المجالس)، بما يسمح بتجاوز الخصوصية ووطنوة السياسة المحلية. رغم هذا فثمّة تلطيف. من صلاحيات الحكومة طبعاً القيام بتعديلات دستورية من هذا النوع. ولكن في غياب حوارٍ وطني يسمح بهذه التعديلات فإنّها قد تفقد شرعيتها (1- البرلمان غير شرعي وخاص بظرية معيّنةad hoc و2-هذا التعديل يمس الشخصية السياسية للبلد فينبغي أن يتم بإجماع). برأيي أنّها تحتاج تفويضاً من المعارضة أيضاً لكي تكون فكرة عملية ومثاقفة محلياً. 5-تخويفه المستمر والمثابر من الشقاق والفتن والقلاقل لا يُعبِّرُ عن ثقة حكومية. وقد يُعطي صورة سيئة عن الوضع الأمني والسياسي الهش. تضايقه من خطاب المعارضة يعيد بارانويا النظام الطائعي من الكلام والتعبير. 6-تعبئته للعلماء والمعلمين في مكافحة المخدرات (وليس فقط الحشيش، أم أنّه يخلطهما؟) إمّا يعترِفُ أن المخدرات صارت استهلاكاً محلياً (بعد أن كانت بضاعة تهريب عابرة)، وبالتالي فهو يقدِّمُ لنا معلومات جديدة أم أنّه لم يُحسِن التعبير. 7-لا يُحسِنُ القراءة عموماً، وقراءة الأرقام خصوصاً. مثلاً ما معنى أن الأرز أصبح 85% من الانتاج؟ لا بدّ من قرون استشعار لفهم هذا. 8-في قراءتِه للأرقام يكرِّرُ أن اقتصاد الاستيراد فاشل وأن اقتصاد الاكتفاء الذاتي هو الناجح، ظاناً أن الثاني سيستعيد خسارة الأول. هذه لغة دونالد ترامب. العلاقة بين الاقتصادين أعقد من هذا التسطيح. فمثلاً ليس صحيحاً أن أموال الاستيراد تضيع، بل هي تخلقُ فرص عمل واستهلاك محلي ليس فقط بصفتها المجردة، بل بصفتها التنافسية التي تُرتِبُ الأسعار أيضاً، بما فيها أسعار المنتوج المحلي. وما ينبغي فعله هنا هو ما يعجز عنه الجنرال عزيز وهو زيادة التعرفة الجمركية على المنتوج المنافس للمنتوج المحلي وزيادة الضرائب على اقصاد الاستيراد الذي يقضي على الاقتصاد المحلي الموازي له، ولا يخلق فرص عمل موازية عدداً وإنتاجاً. فكما هو معروف هنالك ترتبيات في المستهلكين تتنقل بين المستورد والمحلّي.
9-أكثرَ من المعلومات غير الدقيقة. مثلاً لم يرد في وثائق بن لادن أن موريتانيا فاوضت بن لادن، كما قال. بل أن القاعدة في مالي استشارت بن لادن في الهدنة مع الجنرال عزيز. زعمه أن الربيع العربي فشل في موريتانيا بدون قمع ليس دقيقاً. مقولته أنه لا يوجد سجناء سياسيون كاذبة.
10-بدل أن يُبرِّرَ إصلاح سجل الحالة المدنية بعوائده الاقتصادية والإدارية والقانونية والتحديثية برّره بأنه يصون النسل ويضمن معرفة أنساب الناس. رجعية وعشائرية.
11–لم يتضِّح بعدُ أنّه سيخرق الدستور وإن تبيّن أنه يريد، بل يتجِه إلى، تعديله.
12-تضارب قاموسه مع قاموس وزير العدل ابراهيم داداه يُحيل إلى تباحثٌ في القضية الدستورية. وهذا مقلِق.
13- ليس فائض الميزانية مفخرة دوماً، إلا من منظور نيوكلاسيكي. أحياناُ قد يعني أن الحكومة تأخذ عوائد خدمات لا تقوم بها. وهو يعني أن الحكومة تقبضُ أكثر مما تعمل. بينما عجز الميزانية قد يكون إيجابياً لأنه يعني أن أعمال الحكومة تتجاوز مداخيلها. وهو عموماً ليس سيئاً على المدى القريب.
15- مفهوم “سمعة البلد” هو مفهوم فاشي، استخدِمُ في نفي الممارسات الديمقراطية وإسكاتها. وهو يستخدِمه بتقاليد طائعية عريقة. 16-لا ينبغي أن يستحي مستشارو الجنرال من تصحيح نطق بعض الكلمات له وتعليمه ترجمة بعضها الآخر. وكلّنا يخطئ وفي حاجة للتعليم. وليس هنالك من هو أكبر من أن يتعلّم، وخصوصاً الفروق بين الأحرف “المتشابِهة”. عن الصفحة الشخصية للكاتب عباس برهام