ريح الصبا بها أنبت الله الحصيد والأبا
وقف العرب طويلا عند ريح الصبا فتناولوها شعرا ونثرا واهتموا بها أيما اهتمام.. وقبل أن نسترسل في الموضوع نشير إلى أن الرياح قد ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وفي الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به) رواه مسلم .
أمهات الريح:
من المعروف أن أمهات الرياح عند العرب أربع:
1- الشمال: وهي للروح والنسيم .
2- الجنوب: وهي للأمطار والأنواء .
3- الصبا: وهي لالقاح الأشجار والسحاب .
4- الدبور: وهي ريح العذاب والدمار .
ريح الصبا :
يعرف العرب هذه الريح بأنها التي تستقبل القبلة، فهي تحن إلى الكعبة وتصبو إليها ويكون مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش، وهي ريح طيبة النسيم .
وقد أشارت كتب التفسير إلى أن ريح الصبا هي التي سخرها الله لنبيه سليمان عليه السلام غدوها شهر ورواحها شهر، وكذلك فهي الرياح التي نصر الله بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته .
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور) .
قال الشاعر ابن عرفه نفطويه يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
له دعوة ميمونة ريحها الصبا
بها أنبت الله الحصيد والأبا
والأب هو: كل ما أنبتت الأرض مما لايأكله الناس، والحصيد هو: كل ما تنبته الأرض ويأكله الناس .
ولقد قيل في رياح الصبا أنها إذا استنشقها الإنسان المهموم، وخاصة في ساعات الصباح الأولى فانه يشعر بعدها بالنشاط والحيوية وسعة الصدر والصبا والشباب، قال مجنون ليلى:
فان الصبا ريح إذا تنسمت
على نفس مهموم تجلت همومها
ولقد عرفت رياح الصبا في الجزيرة العربية بأسماء عدة من بينها (صبا نجد)، وقد عرفت في الجاهلية والإسلام برياح أبي عقيل، وذلك نسبة إلى الشاعر العربي لبيد بن ربيعة العامري – وهو أحد أصحاب المعلقات السبع – ولما ظهر الإسلام أسلم وحسن إسلامه، وبعد أن قرأ القرآن ترك الشعر؛ ولما سئل عن ذلك أجاب قائلا: لقد أبدلني الله خيرا منه وهو القرآن .
وكان لبيد قد نذر في الجاهلية أن يطعم ما هبت الصبا ثم واصل ذلك في إسلامه، وكانت له جفنتان يغدو بهما ويروح في كل يوم على مسجد قومه فيطعمهم، ونزل لبيد الكوفة بعد أن كبر وساءت أحواله، وكان أميرها في ذلك الوقت هو الوليد بن عقبة، فبينما هو يخطب الناس يوم الجمعة إذ هبت الصبا، فقال الوليد في خطبته على المنبر: قد علمتم حال أخيكم أبي عقيل وما جعل على نفسه أن يطعم ما هبت الصبا وهذا يوم من أيامه، وقد هبت ريحه فأعينوه وأنا أول من يفعل، ثم انصرف الوليد فبعث إليه بمائة من الجزر وبهذه الأبيات:
أرى الجزار يشحذ شفرتيه
إذا هبت رياح أبي عقيل
أشم الأنف أصيد عامري
طويل الباع كالسيف الصقيل
وفي ابن الجعفري بما نواه على العلات والمال القليل
بنحر الكوم إذ سحبت إليه
ذيول الصبا تجاذب بالأصيل
فلما وصلت الهدية إلى لبيد شكره عليها وقال: إني تركت الشعر منذ قرأت القرآن، ثم قال لابنته أجيبيه فلعمري لقد عشت دهرا وما أعيا بجواب شاعر، فقالت الفتاة:
إذا هبت رياح أبي عقيل
دعونا عند هبتها الوليدا
أشم الأنف أصيد عبشميا
أعان على مرؤته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا
عليها من بني حسام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا
نحرناها وأطعمنا الوفودا
فعد إن الكريم له معاد
وظني بابن أروى أن يعودا
فقال لبيد لابنته لقد أجدت في ردك لولا أنك قلت: إن الكريم له معاد . فقالت ابنته: انه أمير وليس بسوقة، ولا بأس بسؤاله ولو كان غيره ما سألناه . فقال: أجل انه على ما ذكرت وأنت يا بنية في هذا أشعر .
وكم حمل الشعراء والعشاق ريح الصبا أشواقهم ومحبتهم، وفي مثل هذا يقول الشاعر الأرجاني :
سلام به بعثت من أهوى
وان هي باتت بليل السليم
على يد ريح الصبا روح سرت
إلى مقلتي رشا بالصريم
وهذا شاعر آخر نراه يسأل ريح الصبا وينشدها عن حبيبته زينب:
ناشدتك الله نسيم الصبا
أين استقرت بعدنا زينب
لم تسر إلا بشذا عطرها
وإلا فماذا النفس الطيب
والصبا ينظر إليها الشعراء على أنها مرسولهم فيحملونها الهدايا والتحايا والأشواق، وهاهو ابن سهل الأندلسي يقول:
تهدي الصبا منها أريجا مثلما
يهدي المحب إلى الحبيب سلاما
فكأنها نفس الحبيب تضوعا
وكأن نفس المحب سقاما
وريح الصبا رقيقة ندية لطيفة.. يقول ابن زمرد:
من لم يكن طبعه رقيقا
لم يدر ما لذة الصبا
أبها – علي الزهيان:
عن الرياض