بيرام :كل القطاعات في موربتانيا تحتكرها أقلية عربية ( نص الخطاب)
سعادة السيدات والسادة السفراء،السيدات والسادة ممثلي المنظمات غير الحكومية، اسمحوا لي، بادئ ذي بدء، أن أعبر لكم عن غبطتي بالحديث أمام جمعكم الموقر.
إن الفرصة التي مـُـنحت لي بأن أكون أمامكم اليوم، بـُـعيد ثلاثة أشهر من خروجي من زنزانات الجمهورية الإسلامية الموريتانية، تبرهن على التزامكم لصالح حماية وترقية حقوق الإنسان في بلدي. وهذا ما يشجعني في كفاحي الدائم ويزيد صرامة التزامي لصالح احترام كرامة البشر. تأتي مداخلتي أمامكم اليوم أسبوعين بعد تقديم الحكومة الموريتانية لتقريرها الدوري حول حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. فهل تــُــرانا بحاجة إلى التذكير بأن دواعي سجني مع رفاقي، ابتداء من 28 ابريل 2012، كانت محل أنواع الاستغلال والتلاعب من قبل الحكومة الموريتانية ومن قبل الوفد الرسمي الذي قدم التقرير المذكور أمام لجان الأمم المتحدة!.. والحقيقة أن العلماء، والأئمة، والأحزاب السياسية، والقضاة، والنظام، وباختصار أهم قطاعات ودوائر الزعامة في موريتانيا (وكلها مجالات تحتكرها حصريا الأقلية العربية – البريرية المهيمنة) ركزوا على الحجة التي مفادها أنني أمس من أمن الدولة، وهو ما شكل مسوغا للزج بي في السجن. إن مَــكــْـــر تكتيك السلطات الموريتانية يتمثل في إقصائي من مجتمع المصير المشترك، بل وحتى من الوجود الاجتماعي عقابا لي على إحراقي الرمزي لنسخ من تشريعات المجتمع الاسترقاقي التي يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن التاسع والقرن الخامس عشر ميلادي. إن هذه النصوص التفسيرية، التي تدّعي تأويل القرءان وأفعال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قادت إلى إنتاج قانون خاص بمجتمع العبيد، ماهيتــــه سلالية، وأساسه مناهض للإنسانية، وهو مَـيـْـسَـم للمنبوذية وخرق المبادئ العالمية للمساواة منذ المولد والمساواة في الحق، وكذلك خرق روح وجوهر مساواة وعدالة القرءان وتعاليم الرسول (صلع). إن كناش الخزي هذا، الذي ما يزال يدرّس في مدارس بلدي، يُـشرّع إخصاء الضحايا السود (العبيد)، وبيعهم، واغتصابهم، وينصح بالعمل القسري. وإن الفقه المترتب عليه، والمدافــَـــع عنه من قبل عسس التمذهب الأصيل الجامد، ينحو باتجاه أن يصبح مقدسا؛ ومن ثم ينبني على أساس أنه حقيقة مطلقة لا يرقى إليها الشك، وما سواه لعنة وبدعة وردة. إنه يوزع المسلمين إلى صنفين: أسياد وعبيد. كما أن هذا التمثل السحيق للعالم يحرّم على المرأة كل وظيفة قيادية في المجتمع، بما فيها القدرة على مزاولة وظيفة ذات علاقة بالبت في الأمور القانونية. فحسب مُـرَوِّجي مثل هذه الرؤية الحياتية، فإن الطغمة النسوية ضعيفة بطبيعتها، وغير صارمة بما يكفي للمقاضاة، وعاجزة عن الفصل في الأمور المتعلقة بالإنصاف، وهي خـَــلــْـــــقيا معرضة للنزعات الشيطانية. وبهذا تجد نفسها مجمدة في وضعية “القاصر مدى الحياة”، بسبب جنسها. وبموازاة مع ذلك، وفقا لذات المصادر، فإن العبد ليس إلا آلة، أو أثاثا، بسبب دونيته القرينة بجوهره وكـُـنهه. ونتيجة لذلك أصدرت الطبقة السياسية والدينية الموريتانية (ذات النزعة الاسترقاقية في غالبيتها) قرارها القاضي بأنني مرتد؛ فأدانتني بحجة أنني مسست بالمشاعر الدينية للموريتانيين، وبأمن الدولة، وتجرأت على الانضمام، وحتى قيادة، منظمة غير شرعية إلخ. وأوصى جل القادة السياسيين في بلدي بالحكم علي بالإعدام تطبيقا للشريعة. إن فعلنا المتعلق بإحراقنا الرمزي للكتب ناجم عن تبنينا لتقليد يسعى لهدم بنية الواقع وزرع ثقافة مضادة متجذرة في تاريخ العالم العربي-الإسلامي الذي تتباهى موريتانيا بالانتماء إليه. إننا ندافع عن كون هذا العمل يتماشى تماما مع النصوص الدولية المكرسة لحرية التعبير؛ وهي ذات النصوص التي تـُـعتبر موريتانيا جزءً منها. فمن خلال هذا الفعل أردنا شد انتباه المجتمع الدولي بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، حول مسألتين مهمتين: – فمن أجل أن تستحق موريتانيا صفة “دولة قانون”، يجب عليها الخضوع لمتطلبات القانون الدولي الذي تتعجل في أحايين كثيرة للإلتزام به مع شيء من الضجيج الدعائي وسوء النية. – وإن على موريتانيا أيضا أن تستحق صفهتها “الإسلامية” بتماشيها مع أوامر القرءان الكريم بخصوص الإنصاف والمساواة والعدالة والأخوة بين البشر، وكذلك تعاليم النبي محمد (صلع) بشأن واجب عون المساكين والمظلومين، ومحبة الناس والابتعاد عن الكذب والزور إلخ. للأسف، أصدقاءنا المؤتمرين، فمن خلال الدعوة والتحريض على قتلنا الذي قامت به الركائز التي تقود مجتمعنا ودولتنا، بسبب عملنا الاحتجاجي، بدا أن شعار الديمقراطية، ودولة القانون، والمصادقة على مختلف المعاهدات الدولية، تشكل زيفا يهدف إلى الظهور بالمظهر الحسن أمام المجتمع الدولي دونما أدنى تضحية في سبيل حقوق الناس. إنها لخدعة سرمدية تجد ما يـُـغذي استمراريتها في الثنائية اللغوية: ففي اللغة الأجنبية، وأمام الأجانب، يعتمد النظام الموريتاني خطابا متحضرا وبـتماش، لا غبار عليه، مع احترام كرامة وحرية البشر. وفي اللغة العربية، وفي ما بين أعضائه، يتكئ على يقينياته العنصرية والفئوية، ويغطي عمله الشائن بدرع الدين!! سيداتي وسادتي، إن أداء الوفد الحكومي الموريتاني، يومي 15 و16 نوفمبر 2012، أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، خلال الاستعراض الدوري الشامل، يدعم ملاحظاتنا السابقة حدَّ التطابق. هكذا، وفضلا عن الأذى الذي تعوّد الممثلون الرسميون لموريتانيا على إلحاقه بنا، بوصفنا ديمقراطيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، أضافوا إلى ذلك، خلال استعراضهم المثير للشفقة، أذىً جسيما للإسلام والمسلمين في العالم بأسره. لقد حمّـلوا الإسلام استمرار كل الظلم الذي تتعرض له شرائح تمثل الأغلبية وإن كانت الأكثر عوزا في المجتمع الموريتاني: مرضى السيدا، النساء المسترقات، العبيد السابقون أو الحراطين، الإثنيات السوداء إلخ. وبلغ الأمر أقصى مداه عندما تخفى ممثلو موريتانيا وراء “عدم مواءمة تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع تعاليم الإسلام: دين الدولة والشعب” حسب الدستور. يتعلق الأمر، برأينا، بإعلان خطير غير مسبوق في عنفه، وهو ما يجب أن يرد عليه المجتمع الدولي بقوة وبسرعة. وفي العمق، فإن هذا التصريح ليس باطلا فحسب، لكنه، أيضا وأساسا، غير مؤسَّس؛ لأن الإسلام، برأي جميع الديمقراطيين المسلمين، دين عدالة ومساواة وسلام، حتى ولو أن في بعض المجتمعات المسلمة تتعاطى الطغيان عدة أوساط وتتلاعب بالدين لهذا الغرض غير المعلن. بيد أن مناديب موريتانيا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يجاهرون بأنه “إذا لم يكن بالإمكان تحقيق مساواة الرجل والمرأة، ففقط لأن إرادة الله حالت دون ذلك”، وهنا يكمن التناقض البيّـن في سياسة الحقوق في بلدي. إننا نتساءل: لماذا لا تمْــتثل موريتانيا- دون أن تتنكر لدينها مثل باقي الدول الإسلامية- للقوانين والمعاهدات التي صادقت عليها؟.. لماذا تنضم الحكومة الموريتانية لنصوص تفوق قوانينها، بما فيها الدستورية، وتلتزم بتطبيقها، بينما يلغي دبلوماسيوها هذه المراجع بسبب عدم تماشيها مع الإسلام؟.. ألا ينتمي أعضاء الحكومة الذين صادقوا عليها إلى نفس الإسلام الذي ينتمي إليه هؤلاء الدبلوماسيون؟.. وثمة مصدر آخر لقلقنا، يكمن في رد الوفد الموريتاني على جواب المفوض الأممي المتعلق ببرنامج موريتانيا ضد السيدا. لقد كان رده عليه: “الدولة الموريتانية ليس لها برنامج لمكافحة السيدا غير الورع كما يحدده القرءان الكريم”. الأمر لا يحتاج إلى تعليق؛ وبالتالي أترككم تقدرونه بأنفسكم. في غضون ذلك، تم تبديد المبالغ المالية المخصصة لمكافحة السيدا، والممنوحة من طرف برنامج الأمم المتحدة الوصي، من قِـبَـل أطر سامين في الوظيفة العمومية ومن قِـبل من يُـزعم أنهم علماء متفقهون، وفي إطار محاججة وتعبئة مهملتين إن لم نقل منعدمتين. وإن أشهر فضائح الرشوة “البيْنْ قبلية” تظل بدون عقوبة. وإضافة إلى ذلك، يُـغطسنا دبلوماسيونا مجددا في وحل المغامرة في مجال الصحة العمومية عندما يزعمون محاربة مرض خطير بحجج أيديولوجية. في ما يخص العبودية، نريد، بدءً، أن نقول لكم ان المجتمع الخدَمي، بالرغم من نسبته المئوية (50%)، يوجد من بينه موظفون موريتانيون سامون قليلون. إن هؤلاء المنحدرين من العبيد، الذين أنتمي أنا وسفير موريتانيا بجنيف إليهم، والذين يشكل عددهم في الحكومة 3 وزراء من أصل 30 وزيرا، يستفيدون من حين لآخر من تعيينات في مناصب متناغمة مع المكافأة عندما يقبلون بشهادة الزور دون وخز من ضمير. وهذا هو السبب الذي جعل الحراطين النادرين الذين استـُــقطبوا لهذه المهمة، المتمثلة في إنكار معاناة مجتمعهم، يجاهدون، بلا جدوى، لإسكات أصوات ضحايا الممارسات الاسترقاقية المتوارثة التي يعاني منها مباشرة أكثر من 20% من الموريتانيين وتمس آلامها غالبية السكان. وهكذا عمد الوزير المكلف بقضية حقوق الإنسان والبعثة الدبلوماسية الموريتانية إلى إنكار الممارسات الاسترقاقية التقليدية، فيما اعترفوا بوجود العبودية العصرية في موريتانيا!! والعبودية العصرية ليست أقل جرما وإهانة من العبودية التقليدية. من جهة أخرى، فإن البعثة الدبلوماسية الموريتانية بجنيف تحتضن عبدا أو منحدرا من عبيد. هذا الشخص موجود تحت نير موظفة في السفارة: سيدته أو سيدته السابقة. إذن شأنها في ذلك شأن محاسب السفارة الموريتانية في باريس الذي استطاع، بتدارك الموقف المباغت، أن يفلت إلى موريتانيا طفلة كان يستخدمها كعبدة. وثمة قرائن شبيهة تحوم حول الممثلية الموريتانية على أرض الاتحاد السويسري. أصدقاءنا الأعزاء، هذا الحادث الذي وقع أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يومي 15 و16 نوفمبر الماضي، أظهر، دونما تدخل منا، وبالتالي بصفة عفوية، الوجه الحقيقي لنظام الهيمنة العرقية القبلية في موريتانيا الساعي، أكثر فأكثر، إلى استخدام التشدد الديني لتأخير القــَـــــدَر الديمقراطي بمعارضته للطموحات الهائجة أكثر للعديد من السكان الواقعين تحت الخدمة عن طريق ذرائع ظلامية. إن النخبة الموريتانية الحاكمة، من خلال مجاملاتها وخطاباتها ومواقفها، وحتى لو حصدت بعض الترويضات والواجهات الديمقراطية، فإنها تغذي، في الخفاء، وبكل اتجاهاتها، استراتيجيات لتجنب الأمور وخلطها وتشويشها بطريقة تـُـبقي على واجهة محترمة بغية كبح توق الحراطين والسود وباقي المتروكين لحالهم إلى الكرامة والحرية والرفاهية، وذلك في جو تطبعه هَــبـّـة ديمقراطية عقلانية تجتاح العالم وتتملك الشعوب. وعلى الرغم من تأثير البلاد المحدود، فإن التورط الأيديولوجي لنـُـخــَـــبها في تحضير الأنفس لاستيلاء أطراف المجتمع، الأكثر نفاذية على الإرهاب واللاتسامح، على الحكم، لا يمكن التقليل من شأنه، كما أنه يستحق متابعة حذرة. وبهذا المعنى، فإن كفاحنا ضد العبودية، والتعصب الطائفي، والتمييز على أساس الجنس، والعنصرية، يشترك، مع العالم الحر، في مقاومة التهديد الشامل. إن كفاحنا هو إطلالة لموريتانيا جديدة يتم فيها احترام كل بشر بشكل مستقل عن كل ميزة خاصة، لكن فقط بوصفه بشرا. إن كفاحنا، في المُحَـصِّـلة، هو كفاحكم. وأشكركم من أعماق قلبي على حسن انتباهكم. بيرام ولد الداه ولد اعبيد، رئيس المبادرة الانعتاقية قصر الأمم جنيف، سويسرا