الحسانية العسكرية الموريتانية/ عبد الله سيديا
لم تكن معضلتنا كشعب مسكين مغلوب على أمره ، فقط في ديماغوجية ساستنا وبعدهم عن الواقع وخطاباتهم الأسطورية التي يخيل للمتلقي أنها موجهة للشعوب الإسكندنافية ، بقدر ما بات الجلد بالمفردات المفارقة والعبارات الطنانة جزء أصيلا من المشهد السياسي المشوه اليوم.
استمعنا يوم الثالث من مايو لخطاب متواضع من عسكري غير فصيح ولم يكن أبدا حصيفا في الأوصاف والنعوت التي أطلقها التي لم توفر عدوا ولاصديقا،لكنه للأمانة كان في هذا الخطاب وفيا للمدرسة العسكرية الموريتانية في الخطابة والتي اشتهرت منذ أيام انقلاب العقيد معاوية ولد الطايع في ١٢من دجمبر ١٩٨٤ والذي لم يكن في بداياته يجرء على الحديث بغير الفرنسية فكل خطاباته الأولى ومنها ماسمي أنذاك بخطاب “النعمة التاريخي ” كانت بلغة” موليير” حتى رغم أنها موجهة إلى البدو البسطاء في أقصى تخوم موريتانيا اللذين لم يفهموها في الغالب. بعد دروس مكثفة أصبح ولد الطايع ضليعا “بالحسانية العسكرية ” وهي لهجة هجينة مبتكرة عبارة عن خليط من مفردات عربية تنطق بصيغ فرنسية ثم تفسر فيما بعد على أنها حسانية ومنها العبارة الخالدة “لقبيلات ولبار” التي قصد بها الرئيس الأسبق “القبائل والآبار”. بلغت الحسانية العسكرية الموريتانية أوج ازدهارها في عهد الرئيس الأسبق العقيد علي ولد محمد فال الذي كان مجددا عظيما في لغة الخطاب الرئاسي الوطني وهو صاحب لازمة “عندما” الشهيرة التي كانت تردد آلاف المرات في خطاباته خلال المرحلة الانتقالية التي لم تشذ عن الطوق وكانت دائما خليطا هجينا غير مفهوم من المفردات التي يحمل ظاهرها مايخالف باطنها، وكانت التلفزة الوطنية سعيدة بجلد مشاهديها بالخطابات الطويلة “البلهاء” للعقيد ثم شروحا تفصيلية لها كان ترد على شكل مقتطفات كأقوال مأثورة تكون غاية في العقلانية ودقة التعبير لكنها غالبا ما لاترد في الخطاب الأصلي. أذكر مرة أنه أثناء تقديمي لنشرة الأخبار لاحظت أن تقريرا أعده أحد الصحفيين عن خطاب العقيد حمل من الوعود والتعبيرات المفعمة بالوطنية الشيء الكثير ، فمازحته بالقول أنه كان سيوفر علينا الجهد لوكان هو من كتب خطاب العقيد . في عهد الجنرال محمد ولد عبد العزيز لم تخرج لغة الخطابات الرئاسية عن الراجح والمشهور في مدرسة” الحسانية العسكرية الموريتانية” فكان الرجل يخطب بتلعثم وارتباك ويستخدم دائما عبارات غير مفهومة لكن طبعه الحاد والانفعالي أضاف توابل حارة على هذه اللغة فأحتفظت اللغة الرئاسية بسطحيتها المعهودة لكنها أصبحت أكثر حدة وتطاولا لسببين أولهما، سرعة غضب الرجل وانفعالاته غير المحسوبة ، وثانيهما احتقاره للموريتانيين وتعاليه الدائم على محاوريه من الصحفيين ولعلكم تتذكرون قضية”أَطْفي التلفزة الشهيرة” لكن للأمانة والإنصاف لم يكن ولد عبد العزيز في بنية خطاباته الدلالية أسوء من سابقيه من العسكر، لكن لأنه أحد طبعا كثرت فلتات لسانه، فولد الطايع كان كتوما ويتحدث بحساب ماجنبه الكثيرمن الأخطاء ، أما العقيد ولد محمد فال فكان حصيفا بعيدا عن الانفعال والحدة وهو ماقلل الكوارث الدلالية في خطاباته، رغم أن الكوارث اللغوية كانت القاسم المشترك للخطابات الثلاثة، المشكلة التي تواجهنا اليوم مع خطابات الجنرال ولد عبد العزيز ليست في زلات لسانه فحسب فهي شيء مألوف لدينا إنما في الكتائب المدججة التي يطلقها بعد كل خطاب لتجلدنا بالشروح التفصيلية لخطاب فهمناه وحفظناه آلاف المرات وعرفنا كنهه وفككنا كل جملة وحرف فيه، فأرحمونا بالله عليكم لانريد شرحا لمضامين خطاب النعمة وفروا الجهد والمال وطاقات التزلف وعبقرية” الكتابة على الخطابات” وهو جنس صحفي جديد ولد مع هذا الخطاب الذي لا أرى فيه سوى استمرارا لمدرسة الحسانية العسكرية لدى الرؤوساء الموريتانيين.