هل تنتفي الديمقراطية بعلة المزاجية؟/الولي ولد سيدي هيبه
“الشأن الأول في حياة الأمم لأخلاقها، وليس لنظمها السياسية، ولا للأحوال الخارجية، ولا للمصادفات” “يتكون مزاج الأمة من صفات نفسية أساسية موروثة، ومن صفات ثانوية تنشأ من تغيُّر البيئة، وتتجدَّد على الدوام، فيُخيَّل لذلك أن الأمة في تحوُّل مستمرٍّ كبير. ومزاج الأمة العقلي والنفسي لا يتكون من خلاصة أفرادها الأحياء وحدهم، بل من أمزجة أجدادهم أيضًا، فالأموات لا الأحياء هم الذين يمثلون أهم دور في كيان الأمة؛ لأنهم أوجدوا أدبها، وعوامل سَيْرها اللاشعورية” ـ القوانين النفسية لتطور الأمم ـ غوستاف لبون / «Lois Psychologiques de l’Evolution des Peuples» – Gustave Le Bon فإذا كانت الديمقراطية هي مطلب شعوب العالم، مفجر ثوراتها للتحرر من تسلطية وأحادية الأحكام إلى الأنظمة التشاورية والحوارية في كل التوجهات الهادفة إلى التناوبية وصيانة الحريات وترسيخ العدالة وقيام، ومغير أحوالها من الركون إلى الخرافة وتبلد الذهن إلى التنوير والإبداع والبناء، فإن المزاج المصاحب والملائم لها هو ـ كما يشير إلى ذلك علم النفس ـ الذي تلخص في تلك الجوانب من شخصية الأفراد في المجتمع التي آثرت الانفتاح خيارا معلنا على الانطواء، والحركية عمليا على الجمود. ولقد استطاعت الشعوب التي أدركت هذين المعنيين ووعت بُعديهما لتتجرد بقوة الإرادة من الاعتبارات المقيدة وتتحر من قبضة الجمود العقيم على مزاجيات التقوقع، والاتجاه إلى آفاق الصفاء الذهني والأخذ بدلالات العلم إلى حيز الإبداع لبناء الدولة الحديثة وترسيخ قيم الحرية والعدالة والمواطنة. وهي الشعوب التي ترجمت واقعها إلى دول: · يقتفي المتأخرون أثرها، · ويستنسخ المبتدئون مشروعها، · ويتبع الواثقون نموذجها، · ويعتبرها المجردون من رواسب عقد النرجسية الظلامية مرجعية في قيم الديمقراطية وقدوة في مسار التنمية المتوازنة المستديمة. ولكن شعوب هذه الدول التي تحرز النجاحات متتالية وتقترب رويدا وبثقة من ركب الأمم المتقدمة هي وحدها الشعوب التي بدأت من حيث وجب المنطلق الصحيح: · فاستيقظت من سبات الماضوية، · وانتفضت بإرادة التحرر التي لا تلين من قيود التخلف وعقليات تقسيم المجتمع على أسس ظالمة بمبررات واهية واعتبارات باطلة تكرس التبعية التراتبية والخروج الصريح على الملة الإسلامية الوضاءة ليلها لاستقامتها وعدلها كنهارها. وأما الشعوب التي ما زالت، على الرغم من كل حراك العولمة من حول دولها، متشبثة بعقليات الماضي تدير سجالها مع التخلف في أحضانها وباعتباراتها فإنها تسوق نفسها إلى مزيد من التأخر ومصير من المجهول يزيد قتامة. ومما لا شك فيه أن موريتانيا تقع ضمن هذه الفئة حيث عقليات الماضي ورواسها حاضرة بقوة في كل جوانب ومفاصل حركية الدولة والمجتمع لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أن تقاس بها. وإن المجتمع الذي ما زال قبليا وأرستقراطيا وفئويا وطبقيا وجهويا يبصم أختاما ويطلق على فترات الأحكام التي توالت مدنية وعسكرية تسميات ونعوت وصفات قبلية وجهوية يتباهى بها الأقوام مفخرة وحكما وإن صفته بالتسمية جمهوريا إلا أنه في الواقع المحسوس عشائريا ملكيا. حقيقة مرة لكنها حقيقة تكرسها المعاملات الخارجة على مفاهيم العصر والفالتة من قبضة النظم والقواعد الجمهورية ومتطلبات دولة القانون بإرادة أفراد الشعب في أعلى هرم التجمعات القبلية والإثنية والمكرسين بالمال وقوة الحضور في مفاصل الدولة وجميع مؤسساتها وفي كل الأحزاب التي لا تشذ عن القاعدة العامة وبغير ما خروج على العقلية الماضوية، فالنتيجة الأحزاب صناعة مخابرها وتكريس مطالبها ودوام حضورها. وهل غياب الحوار الاجتماعي دون السياسي ونسبية هدوء الأوضاع وقبول حال ووتيرة المسار العام منذ الاستقلال وما قبله حتى إلا أن حكم الماضي ماض في الكيان وينفي بعلة المزاجية ضرورة الديمقراطية؟