مطار أم التونسي.. نهاية رحلة شاقة نحو “النجاح”
حوالي خمس سنوات انتظرها الموريتانيون ليشاهدوا أول طائرة تحط في مدرج مطار نواكشوط الدولي “أم التونسي”، وعلى الرغم من التأخر لحوالي ثلاثة أعوام عن موعد التسليم الرسمي، إلا أن الموريتانيين احتفوا بافتتاح المطار الذي يعدونه أكبر إنجاز تحقق خلال السنوات الأخيرة.
حالة من الفرح عمت الموريتانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، تساوى فيها داعمو النظام مع معارضيه، فقد أجمع كثير من المدونين على أهمية المشروع مع التأكيد على أنه “مكسب للوطن” تجب المحافظة عليه وصيانته، فيما عاد آخرون إلى الحديث عن “الصفقة المشبوهة” التي تم من خلالها تشييد المطار. افتتاح مطار نواكشوط الدولي – أم التونسي، وطي صفحة المطار القديم، يعيد إلى الأذهان بدايات الفكرة التي ظلت تراود جميع الأنظمة، منذ المختار ولد داداه وحتى سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، بل إنه في بعض المراحل أجريت دراسات لإنشاء مطار نواكشوط 2، كما بحثت عدة حكومات عن تمويل للمشروع الحلم. وخلال طفرة النفط في الخليج العربي نهاية سبعينيات القرن الماضي، قدمت إحدى دول الخليج العربي تمويلاً لدراسة مشروع مطار جديد في العاصمة نواكشوط يكون أكبر وأحسن خدمات من مطار نواكشوط المتواضع آنذاك؛ إلا أن المشروع ظل يراوح مكانه في أدراج وزارة النقل على غرار العديد من المشاريع التي لا تتجاوز عتبة الحلم وحاجز الوهم. المطار مقابل العقار في عام 2011 أعلنت الحكومة عن اتفاقية سيتم بموجبها تنفيذ المشروع من طرف “كونسورتيوم” النجاح المختصة في الأشغال الكبرى، مقابل مئات الهكتارات من الأراضي في العاصمة نواكشوط؛ أثير الكثير من اللغط حول الاتفاقية وشكك كثيرون في مدى قدرة النجاح على تنفيذ مشروع بهذا الحجم. شركة النجاح للأشغال الكبرى عبارة عن “كونسورتيوم” يضم شركة بناء وشركة تأمين ومؤسسة تمويل بنكية؛ وذلك بموجب شراكة بين مجموعتي أحمد سالك ولد محمد الأمين وعبد الله ولد نويكظ، اللذان يعدان من أكبر رجال الأعمال في موريتانيا. صادقت الحكومة على الاتفاقية يوم الخميس 13 أكتوبر 2011، لتصبح بذلك شركة النجاح للأشغال الكبرى هي المكلفة بتشييد مطار نواكشوط الدولي الجديد، مقابل 451 هكتاراً من القطع الأرضية موزعة ما بين منطقة صكوكو (151 هكتاراً) ومساحة المطار القديم (300 هكتاراً). بدا الأمر أشبه بمغامرة غير محسوبة العواقب، أن تقدم شركة تنقصها الخبرة على مشروع بهذا الحجم ومن دون أن تحصل على سيولة وإنما قطعاً أرضية غير مستصلحة أكثر من نصفها في حائط المطار القديم ولن تستلمها إلا بعد اكتمال الأشغال في المطار وتشغيله لعدة أشهر؛ ولكن على الرغم من ذلك فقد التزمت شركة النجاح بتنفيذ كافة التفاصيل والمخططات طبقا لأعلى معايير الجودة المتعارف عليها دوليا. أما الحكومة فكانت تنظر إلى الاتفاقية من زاوية أخرى، فهي تسعى للحصول على مطار بمواصفات دولية، دون أن تخرج من خزينتها أوقية واحدة، وإنما مقابل قطع أرضية لا تتولى حتى عملية استصلاحها، رأى كثيرون في ذلك اختباراً حقيقياً للقطاع الخاص الموريتاني الهش أصلاً. المطار كما يبدو في المخطط مواصفات عالية كانت الاتفاقية بين الشركة والحكومة تنص على أن تكون القدرة الاستيعابية للمطار تصل إلى مليوني مسافر سنوياً، وأن يكون قادراً على استقبال كافة أنواع الطائرات بما فيها طائرة أبوينغ 747، وطائرة أيرباص (آ 380)؛ مع وجود مدرجين ومحطة ركاب (المبنى الرئيسي) بمساحة 18 ألف متر مربع، وقاعة شرف بمساحة 3 آلاف متر مربع، ومقر للصيانة بمساحة 4800 متر، وبرج مراقبة بارتفاع 42 متراً. كما نصت الاتفاقية على أن يضم المطار الجديد مسجدا ومكاتب إدارية وملحقات خدمية أخرى فضلا عن توفره على آليات الملاحة الضرورية وتجهيزات مضادة للحرائق ومنشآت للتزود بالوقود، ولكن الأهم هو أن الاتفاقية نصت على أن أجل التنفيذ 24 شهراً. شركة النجاح أوضحت خلال التوقيع على الاتفاق أنها انتدبت عدة مكاتب أجنبية مختصة في الدراسات الهندسية للمطارات، ليتم في النهاية اعتماد تصميم أعده مكتب أمريكي، قالت النجاح إنه من أشهر المكاتب الدولية وأكثرها خبرة إذ شارك في بناء أكثر من تسعين مطارا حول العالم. ولد عبد العزيز يضع الحجر الأساس للمطار نقص السيولة بدأت الأشغال في مشروع المطار الجديد بإشارة من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، يوم 28 نوفمبر 2011، على أن يتم تسليمه في أجل أقصاه 24 شهراً، أي في شهر نوفمبر من عام 2013، ولكن تشييد المطار استغرق 55 شهراً، بزيادة 31 شهراً على الفترة التي حددها الاتفاق. خلال حفل وضع حجر الأساس للمطار قال اشبيه ولد أحمد سالك، مدير شركة النجاح للأشغال الكبرى، إنهم “سيعتمدون على فريق فني تم انتقاؤه من خيرة المهندسين والفنيين”، مشيراً إلى أن “البنك الوطني لموريتانيا سيقوم بالإشراف على هيكلة التمويل وجلب الممولين”، وفق تعبيره. ولكن الشركة لم تلبث أن وقعت في فخ نقص السيولة، خاصة بعد ظهور عدد من المشاكل الفنية والعراقيل التي كادت أن تقضي على المشروع، وعلى الرغم من أن القائمين على شركة النجاح نفوا أن يكون هنالك أي نقص في السيولة إلا أنها استفادت من قرض بقيمة 15 مليار أوقية من الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم)، وهو القرض الذي أثار الكثير من الجدل في الساحة السياسية، بينما اعتبرته النجاح مجرد قرض عادي سيتم تسديده في الآجال المحددة. أما الحكومة فظلت ترفض الإقرار بوجود تأخير كبير في تنفيذ المشروع، إذ وصف وزير النقل السابق إسلكو ولد أحمد إيزيد بيه العام الماضي ما يشهده المشروع بـ”التأخر النسبي” وهو نتيجة لما قال إنه “حجم الأشغال”، كما دعا إلى مقارنته بمشاريع مماثلة في الدول المجاورة. وفي نفس اليوم الذي كان من المفترض أن يسلم فيه المطار، 27 نوفمبر 2013، حضر الرئيس أول عملية إقلاع تجريبية منه قامت بها طائرة تابعة لشركة الموريتانية للطيران. المطار القديم منذ أن حطت أول طائرة في مطار نواكشوط الدولي الجديد تحول المطار القديم إلى مجرد ساحة شاسعة تنتظر قراراً ينقل ملكيتها إلى شركة النجاح للأشغال الكبرى، فللمرة الأولى منذ عقود ستنام الأحياء القريبة منه ليلة هادئة من دون سماع أزيز الطائرات. الحكومة الموريتانية في اجتماع عقدته شهر يناير الماضي صادقت على مخطط تقطيع منطقة مطار نواكشوط القديم بناء على الاتفاقية المبرمة مع مؤسسة النجاح للأشغال الكبرى، ويأتي هذا التخطيط لتهيئة منح القطع الأرضية للشركة. ولكن الحكومة أكدت أن عملية التقطيع ستحرص على انسيابية الطريق من خلال فتح الشوارع في هذا المخطط، كما أن البنية التحتية الموجودة في المطار القديم بما فيها مباني آسكنا ومنطقة الشحن ستبقى مملوكة للدولة، بالإضافة إلى مساحات أخرى من بينها 11 هكتاراً مخصصة لمسجد نواكشوط الكبير على شارع الأمل، قبالة ملتقى طرق مدريد، ومساحات مقابلة للحي الساكن (7 هكتار تقريباً)، (و15 هكتاراً متفرقة ستخصص للمدارس والمنشئات الصحية. من جهة أخرى على شركة النجاح للأشغال الكبرى أن تنتظر شهرين بعد تسليم المطار وانطلاق العمل فيه قبل أن يتم منحها القطع الأرضية في المطار القديم بشكل نهائي. صحراء ميديا