جهد إعلامي وفكري سياسي ناقص يسبق القمة/الولي ولد سيدي هيبه
“عناصر النجاح ثلاثة: الرغبة والقدرة والفرصة” لا شك مطلقا أن انعقاد القمة على أديم موريتانيا يشكل في أهميته الكبيرة حدثا بارزا وحقا مكتسبا بكامل لانتماء الجغرافي والتاريخي للعروبة وبارزِ الحضور ورفيع الأداء، ولا ريب في أن رفع التحدي في وقته كان هو كذلك من الثقة و الشجاعة والأهمية، على العكس مما روج البعض، في تجسيد السيادة وتكريس المكانة. ولا شك أخيرا في أن الاستعدادات الجارية ستفي بمتطلبات الالتزام الأمني و العملي، وأن القمة ستنعقد في الظروف الملائمة و بالاستجابة للشروط المطلوبة وفي الزمان المحدد. ولكن ترى أي ساحة فكرية وسياسية و إعلامية باهتة وصارخة بضعف مواكبتها وتناولها هذا الحدث البارز ودعمها تلك الهمة المتواصلة من السلطات لضمان نجاحه، كالتي لا تواكب في عموم أدائها الضعيف وبما هو مطلوب القمةَ العربية المرتقبة على اعتبار ما تكشف عنه من غياب المخرج الذي يسبق على العادة كل قمة تعقد في أي بلد من منظم ومضيف وينشر عنها وينفذ روح الاستعداد في أوساط عامة الشعب الذي يريد ويتطلع إلى نجاحها فترفع رأس البلد وتجعل رايته تعلو خفاقة. و لكن واقع حال الساحة الحاضنة في هذا المنعرج الدقيق و الهام ناطق على نحو لافت بضعف مخرجات الإعلام و مفرزات الإنتاج الفكري و استخلاصات الوعي السياسي التي يجب أن تسبق كلها انعقاد القمة؛ ساحة يكاد لا ينبض قلبها المصاب بجفاف الشرايين، و لا يتمخض عطاؤها مطلقا كما هو المطلوب عن: · نشريات أو صحف أو مجلات أو دوريات، ملونة أو حتى بالأبيض و الأسود المتجاوزين، تحمل بين صفحاتها فيضا من الأخبار والتقارير والمعلومات عن الدول المشاركة وتسليط الأضواء على همومها وأدوارها و خصوصياتها، وعلى متن زواياها من التحاليل والمقالات والاستقصاءات حول شتى المواضيع التي يمليها الحدث وأهميه وحول مضامين ودوافع انعقاد القمة من كل زواياها وبكل أبعادها ومقاصدها، ولا ملصقات وإعلانات في الشوارع وواجهات العمارات و على باصات النقل زعند ملتقيات الطرف وفي الساحات العمومية تثمن وترفع من شأن الحدث البارز و ترحب بضيوفه وتعرف ببلدانهم، · أو مواقع وبوابات الكترونية تحمل هواجس القمة وآمالها و تعالج تطلعاتها و همومها وتستكشف كل جوانبها وأبعادها وتسلط الضوء على حيثيات ومجريات انعقادها، · أو مراكز بحثية مستنيرة تستبق الانعقاد بالتحاليل العلمية العميقة و الجوهرية، و تسبر أغوار المواضيع التي تحملها الملفات موضع التناول و البحث ومحط الاهتمام، ولا تكشف عن قدرة الباحثين و المتخصصين و الأكاديميين في تسليط الضوء على الجوانب الهامة واقتراح المعالجات الواقعية الرصينة والمعينة على الاستشراف البناء ووضع الأسس لتجنب وتفادي تكرار الأخطاء السياسية و الإستراتيجية، · أو محطات إذاعية تملأ أثير مستمعيها و متابعي أدائها بالبرامج الناطقة بأهمية الحدث الكبير وحيثياته و مقاصده، · و لا لقنوات تلفزيونية بأطقم من الإعلاميين الألمعيين المتمكنين و المهنيين المتمتعين بالخبرات الكافية والتجربة المطلوبة تبرز بقوة الصورة و عمق السبر و المعالجة أهداف و أبعاد القمة. · أو أنشطة سياسية من كل التوجهات الحزبية في الأغلبية و في المعارضة لصالح الوطن وهو يستقبل حدثا استثنائيا وبارزا على أديم أرضه بغض النظر عن خلافاتها الداخلية؛ أنشطة رفيعة المحتوى و بعيدة المرامي تمهد لنجاح القمة نجاحا كبيرا و جني ثمار انعقادها، تلك الثمار التي أقلها دحض كل المزاعم و الشكوك عن عروبة موريتانيا التي تعتز وتتباهى مع ذلك بانتماءاتها لفضاءات أخرى، وعن قدرتها على التنظيم والقيادة وفرض وسطيتها و حيادها الذين ظلا يميزانها في التناول و البحث عن الحلول للقضايا الشائكة. وهو شبه الجدب الفكري و الضمور السياسي و الإخفاق الإعلامي و نضوب ينابيع التحليل و غياب القدرة على الاستشراف المضمخ ببعد النظر وقوة الاستنتاج الذي يفرض نفسه واقعا مؤسفا لا سبيل إلى إنكاره بتاتا لأن: · النشر معدوم الإنتاج من قلة الأقلام ووهن يحول دون القدرة على الكتابة و يكشف عن ضيق نفس عليها من ناحية، · و من قلة المطابع وتقادم الموجود منها وغياب دور النشر والتوزيع من ناحية أخرى. وعليه فإن هذا الاختلال الذي لا بد أن تنتبه إليه الجهات المنظمة والمعنية حتى تقوم بمواجهته ومعالجته في أسرع وقت وقد استطاعت أن تهيئ عمليا ولوجستيا و تنظيميا للقمة، فلا تتضرر من جراء النقص الذي يسببه هذا الاختلال الخارج في الجزء الأكبر منه عن إرادتها والحاصل من جراء نقص أو انحسار في القدرات البشرية المهيأة في الجوانب المذكورة و لا يضعفها في جوانبها التحليلية و التوثيقية و المتعلقة والتغطية الإعلامية في مفاصلها لثلاثة قبل و أثناء وبعد الاختتام، وحتى لا يخدش بالنتيجة هذا النقص من أهميتها السياسية القصوى وقد دخل وقت انعقادها المحدد وأعد لها من الناحيتين الأمنية و اللوجيستية ما يضمن توالي فعالياتها في ظروف طبيعية وبقدر من الكفاءة لن يقل في الشكل و المضمون عن أداء الدول التي استضافتها من قبل.