تعقيب على شهادة السيد صالح ولد حننه
(الحلقة الأولى)
نزولا عند رغبة الكثيرين الذين ألحوا علي من أجل إبداء رأيي حول علاقة السيد صالح ولد حننه بجماعة الإخوان المسلمين، وكيف حاول طمس معالمها خلال حلقات شهادته على العصر. ورغم أنني كنت أحبذ أن يتولى زملاؤه إثارة هذه العلاقة من خلال ردودهم عليه. وأعرضت عن التعقيب على تلك الشهادة. فإنني أمام إلحاح هؤلاء وعزوف أولئك أحاول توضيح ما تعمد السيد صالح إخفاءه من تلك العلاقة.
لقد حاول السيد صالح ولد حننه بكل ما أوتي من قوة الإيحاء بأن جماعة الإخوان المسلمين ليست هي السند الفعلي لمحاولاته الإنقلابية. وبدأ شهادته بالزج بحركات سياسية أخرى كالناصريين مثلا. وذالك للتغطية على دور الإخوان. وحتى في الوقت الذي يروي فيه كيف قاموا بإيوائه وتهريبه، فقد تطرق إلى ذالك بوصفهم شبابا متحمسين للمشروع يساعدونه بصفة شخصية خارج إطار حركة أو حزب. غير أن حقيقة الأمر خلاف ذالك، فحركة الإخوان المسلمين هي من رافق السيد صالح ولد حننه من بداية مشروعه الدموي حتى نهايته، بدءً بالفتوى والتغطية وإثارة الشارع وتسخين الأجواء، مرورا بالإيواء والتهريب، وانتهاء بجلب السلاح وإعادة المحاولة. أما الحركات الأخرى فلا ناقة لها ولا جمل في محاولات صالح الإنقلابية. وإن كان من دعم أو تعاطف هنا أو هناك فليس ذالك فعلا مبرمجا داخلا في أجندة الحركة ومشاريعها كما هو الحال بالنسبة لحركة الإخوان. فالناصريون الذين أراد صالح التغطية بهم على دور الإخوان مستخدما انتماءه لهم في مراحل من مراهقته وشبابه لم يلعبوا أي دور في مشروعه. ولم يتم اتهامهم بذالك إلا ما كان من زج بعض الأسماء من كافة الطيف السياسي، وخاصة من الزعامات. وقد اعترف صالح أنه ذكرهم للتغطية ولإقحام كافة أطياف المعارضة. فلم يتم اعتقال أي ناصري منذ بداية المحاولات حتى نهايتها بتهمة المشاركة فيها. ولم يسجل هروب أي من ناشطيهم. ولم يقبض على ناصري متلبسا بتهمة إدخال السلاح وحمله في وجه النظام. ولم يحاصروا داخل المنازل المؤجرة لتخزين الأسلحة وأجهزة الإتصال.
لقد ظل السيد صالح خلال كافة الحلقات يراوغ وبصفة مكشوفة أحيانا من أجل إخراج الإخوان من مشروعه. فحاول إبعادهم بتأكيده أن أغلب المتعاطفين معه كانوا ذوي ميول يسارية وأن ارتباطاتهم بالدين محدودة (على حد تعبيره). ثم إنه تجنب تصنيف أي منهم عندما يفرض المقام ذكره. فإذا تعرض لدور المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان مثلا تجنب أن ينسبه إلى جماعة معينة لأنه إحدى مؤسسات الإخوان ويعتبر واجهتهم الحقوقية. في حين إذا ذكر منظمة أخرى كضمير ومقاومة يقول: “وهي حركة يسارية”. وحين يذكر أحد نشطاء الإخوان قام بدور معين يقول: “وهو ينتمي لمنطقة كذا” بدلا من القول وهو من الإخوان. وفي بعض الحالات وحين يكون دور أحد نشطاء الإخوان محوريا، ويرافق صالح خلال كافة المراحل، يعرض الرجل تماما عن ذكر اسمه كما الحال بالنسبة للسيد سيدي محمد ولد احريمو الذي أطلق عليه صالح اسم السائق في أغلب الحلقات، وهو ناشط إخواني معروف وقد اعتقل في المنزل الذي كانوا يؤوون به صالح عند عودته. وكان صالح يعبر دائما عن إعجابه به وقد قال مرة في مجلس خاص إنه لو حصل على ضباط مثل ولد احريمو لحقق ما يصبو إليه. لقد أعرض صالح تماما عن ذكر الأسماء الإخوانية فلم يذكر من سرب الصور. ونحن نعرف أن الإخوان من سربها. في حين لم يتردد في ذكر اسم من أطلق النار على سيارة مدير أمن الدولة. كما لم يتجنب ذكر أسماء من يصفهم في أي مرحلة من المراحل بخيانة المشروع. ثم وصل به التكتم على الإخوان ومحاولة التغطية على تبنيهم لمشروعه الدموي أن ورط عن قصد وباعتراف منه، بدهاء شديد وبتعليمات من الإخوان شخصيات وطنية معارضة مثل السيد أحمد ولد داداه والدكتور الشيخ ولد حرمة وغيرهما من أجل أن لا يبقى الإعتقال مقتصرا على قادة الإخوان وعلمائهم.
وقبل أن أتعرض لسرد تلك الحقائق بالتفصيل ومن موقع الشاهد الذي لن تأخذه بإذن الله في الله لومة لائم. سأتطرق لمحطات مهمة في الطريق إلى الثامن من يونيو.
حين قرر نظام ولد الطائع تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. انتهز الإخوان فرصة العداء الفطري لدى الشعب الموريتاني المسلم لليهود ومن حالفهم، فركبوا موجة مكافحة الإختراق الصهيوني ومحاربة العلاقات مع إسرائيل. واتخذوا تلك العلاقات غطاء لمخططاتهم التي تقضي بوجوب حمل السلاح ضد الدولة. وكان الشعب الموريتاني يتفق بكافة أطيافه على استهجان تلك العلاقات وعلى وجوب الوقوف ضدها. فانتهز الإخوان فرصة التعاطف التلقائي من طرف المواطن مع من يقف ضد اليهود. فتصدروا المشهد السياسي والدعوي محتكرين صفة الدفاع عن المقدسات وصفة الفرقة الناجية. معتبرين كل مسلم لا ينتهج نهجهم على ضلال. فقسموا المسلمين من غير الإخوان إلى علماني يجعل من الوحي تاريخا، وسلفي يجعل من التاريخ وحيا، وبين الإثنين تبليغي مقصر في الدين، ومتصوف أتى بأمور غير مشروعة هادمة للإسلام إجماعا.
لم يكن تصدر الإخوان للمشهد المطالب بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني إلا دعاية لحركتهم وتلميعا لصورتهم، سعيا منهم للتمهيد للوصول إلى سدة الحكم. وأكبر دليل على ذالك صمتهم المريب وتجاهلهم عندما تم هدم سفارة الكيان الصهيوني وطرد السفير، حيث كان المواطن العادي يتوقع منهم احتفالات ضخمة ومسيرات عفوية صادقة. غير أنهم استقبلوا الخبر استقبالا باهتا وكأنه أسقط في أيديهم فلم يتوقعوا أن يقدم النظام على خطوة جريئة كهذه، وينتزع منهم البقرة الحلوب التي كانوا يسترزقون منها وهي العلاقات المشينة. فاكتفوا بقطعة من الشعر المتواضع جدا:
أزف إلى ذوي وطني المفدى لقادتهم جميعا و المقود
وحاضرهم وغائبهم جميعا تهانئنا بإجلاء اليهود
وإغلاق السفارة وهو حلم تمناه الجميع بلا قيود
لقد كانت خطوة ربط العلاقات مع إسرائيل فرصة لظهور القادة الحاليين للإخوان الذين لم يكن لهم ذكر قبلها.
تزامنا مع رفع شعار محاربة الصهاينة والدفاع عن المقدسات والثوابت شن الإخوان حربا شرسة ضد الطرق الصوفية ومشايخها ووصفوهم بأشنع الأوصاف، ونعتوهم بالخروج من ملة محمد صلى الله عليه وسلم، وهجوهم نثرا وشعرا فصيحا وشعبيا. وقالوا بالحرف “إن بلادنا هذه التي غزاها التصوف في القرن العاشر الهجري وما بعده، لم تكن تعرف التصوف قبل ذلك” وأنهم “قد درسوا هذه الطرق كلها، فهي نحل ونزعات مبدؤها أحلام سواء كانت أحلام يقظة أو أحلام نوم”. وقالوا “إن ميزات المتصوفة هي: وضع الحديث، التركيز على الغوغائية، وجمع المال”. وأنهم “هجروا العلم وأتوا بأمور غير مشروعة هادمة للإسلام إجماعا وأنهم يعتبرون الشخص إذا وصل إلى درجة معينة من العبادة وصلاح القلب أبيحت له كل المحظورات المحرمة على غيره فلا داعي لأن يكلف أصلا ويزعمون أنهم يوحى إليهم دون الرسول صلى الله عليه وسلم وصار هذا الذي يأتون به ملة أخرى غير ملة الرسول صلى الله عليه وسلم” وأن التصوف يرتبط بالتشيع كقولهم “من الأمور العجيبة في علاقة التصوف بالتشيع ما يسمى عندهم بالدوائر، يقولون القطب ويزعمون أن له التصرف في كل شيء ويزعمون في بعض الأحيان أن الأقطاب أربعة: أحدهم يتصرف في السماوات السبع، والآخر في الأرضين السبع، والآخر في البحار، والآخر في المخلوقات والأرزاق، وعلى هذا لا يتركون شيئا لله تعالى.”.
وهكذا كانت حربهم على المتصوفة أشد من حربهم على اليهود. ثم حين تم بعد ذالك بسنوات الترخيص لحزب “تواصل” واحتاجوا لأصوات مريدي الطرق الصوفية، انقلب موقفهم كالعادة، وتغيرت فتواهم بتغير الموقف، فتحالفوا مع المتصوفة، وشدوا الرحال إليهم وأدلوا بالتصريح التالي:
“فقد جعل الله هنا في هذه المدينة المباركة معدنا من معادن الخير يتوارثه أهله لا ينفد ولا يبلى كلما ذهبت طبقة كانت الطبقة التي بعدها أقوى وأنضب وما تتحمله الطبقات السابقة كي يزداد بزيادة أعداد الناس وبزيادة انتشار هذا النور المبارك وفي هذا المكان وهذا المعدن النفيس الذي شرفنا الله به نحن أهل غرب أفريقيا فهذه الطريقة الطريقة التجانية ومجددها في هذا العصر الشيخ إبراهيم رحمة الله عليه نشر الله بها هذا الدين ولها أياد بيضاء على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا ينكرها ولا يتنكر لها إلا مكابر” .
واستمر التحالف بينهم وبين بعض المنتسبين إلى الطرق الصوفية قبل أن يعلن هؤلاء المتصوفون انسحابهم من الحزب بعد أن أيقنوا أن هذه الجماعة لا تسعى لخدمة الدين أو الوطن، وذالك أثناء الدعاية الفوضوية للرحيل.
أما علاقاتهم الخارجية فطابعها الشذوذ والإنتهازية، فهم أول حزب يوجه دعوة إلى الشيعة للحضور إلى الفعاليات السياسية الرسمية والندوات في موريتانيا. ونذكر جيدا دعوتهم لإرهابيي حزب الله اللبناني وحفاوتهم بهم، وإشادتهم بهذا الحزب وبقائده.
لقد تم إجلاء اليهود وبقيت مخلفاتهم والجماعة التي ظهرت وتغولت وانتشرت بمجيئهم. وهي نتيجة طبيعية فاليهود عبر التاريخ لم يطؤوا أرضا إلا خلفوا سوءً. فهذه الجماعة تسعى باستمرار إلى التفرقة وتهديد السلم الأهلي، فلم تظهر فئة بمظهر شاذ تسعى إلى تفكيك المجتمع، وتعمل على إثارة الفتن إلا تحالفوا معها (ولا ننسى جلوسهم مع أنفصاليي حركة “افلام” تحت راية غير العلم الموريتاني). واليوم على الشعب الموريتاني أن يدرك حقيقة جماعة الإخوان المسلمين. فهي أخطر من اليهود لأنها جماعة من بني جلدتنا. وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:»نَعَمْ»، قَالَ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ:»نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ». فَقُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ:»قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ». قُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:»نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لهم جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ».
(يتواصل)
عبد الله ولد محمد لوليد