بعد 51 سنة نالت موريتانيا ما حُرِمت منه/فؤاد مطر

.للمرة الأولى منذ إحدى وخمسين سنة تحظى موريتانيا، خامسة الجناح المغاربي، باستضافة قمة عربية وبانعقاد القمة الدورية السابعة والعشرين في هذا البلد العربي يوميْ 25 و 26 يوليو (تموز) 2016، تكون كل دول هذا الجناح استضافت قمما عربية بعضها عادي وبعضها استثنائي.. وبعضها بين بين، من قمة الدار البيضاء (من 13 إلى 17 سبتمبر أيلول 1965)، إلى قمة الرباط (يوم 23 ديسمبر كانون الأول 1969)، إلى قمة الجزائر (من 26 إلى 28 نوفمبر تشرين الثاني 1973)، إلى قمة الرباط مرة ثانية (من 26 إلى 29 نوفمبر 1979)، إلى قمة فاس بدورتيْن (25 ديسمبر كانون الأول 1981..

ثم من 6 إلى 9 سبتمبر 1982)، إلى قمة الدار البيضاء مرة ثانية (من 7 إلى 9 أغسطس آب 1985)، إلى قمة الجزائر (من 7 إلى 9 يونيو حزيران 1988)، إلى قمة الدار البيضاء مرة ثالثة (من 23 إلى 26 مايو أيار 1989)، إلى مؤتمر القمة في تونس مرة ثانية (من 22 إلى 23 مايو 2004)، إلى قمة الجزائر مرة ثالثة (من 22 إلى 23 مارس آذار 2005)، إلى قمة سرت ليبيا (من 27 إلى 28 مارس 2010). كان أمرًا لافتًا أن موريتانيا دون غيرها من دول المغرب العربي لم تستضف قمة عربية. ومن هنا، فإنه عندما سترتفع الأعلام العربية بدولها المشارقية والمغاربية في شوارع نواكشوط، ستكون لذلك أهمية مزدوجة. أهمية أن الموريتانيين، وبالذات جيل الألفية الثانية من بلاد شنقيط، لن يشعروا بعد هذه القمة بأنهم منسيون أو متناسون، وإنما هم من ذوي التراث العتيد عربيًا وإسلاميًا، وأن موريتانيا من البوابات المهمة نحو أفريقيا التي من مصلحة الأمة استعادة بعض دولها المختطَفة من جانب إسرائيل. وأحدث حالات الاختطاف أن نتنياهو متسلحًا معنويًا بالمصالحة الاعتذارية من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان، بدأ جولة أفريقية هي الأولى منذ ثلاثة عقود، وتستهدف السعي بكل الأساليب الإسرائيلية الملتوية، ونقاط الضعف لدى بعض القادة في القارة السمراء لاسترجاع دور كانت فقدتْه إسرائيل عام 2002، وبحيث تكون «عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي». إلى ذلك، يأتي انعقاد القمة في زمن عربي تتناثر كيانات بعض دوله، وإلى درجة أن حال هذه الكيانات بات آيلاً للسقوط. فما هو مألوف ماضيًا أن الأنظمة أو الحكومات هي التي تتساقط، أما أن تكون الكيانات هي التي تتساقط فذلك نذير بالأعظم، الذي هو أخطر بكثير مما نتابع حدوث فصوله في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وسبق أن عشناه في لبنان الذي يحتاج من أهل القمة المستضَافة بعد أيام في نواكشوط إلى وقفة متأنية تُبعد عنه ما يضمره المشروع الإيراني، وهذا ليس من باب الافتراض حدوثه بعدما أدخل بعض راسمي ذلك المشروع تعديلاً مستقبليًا على خريطة النفوذ، بات جنوب لبنان من حدود ذلك المشروع، كما سوريا بالكامل والعراق بعربه وكرده، واليمن بعد محاولة تحويثه بالكامل. والوقفة ضرورية، واستباقًا للدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر؛ ذلك أن من المهم للمشاركة العربية في هذه الدورة ألا تكون شكلية، وإنما الذهاب بمشروع قرار عربي يحسم هذا التدليس الدولي فيما يخص «المبادرة العربية للسلام»، وذلك بأن يطالب المشروع العربي بالتصويت على المبادرة وليس فقط الاكتفاء بتصريحات من هذا المسؤول أو ذاك، عظُم شأنه إنما من دون الوفاء بما يعد على نحو ما حصل للأمة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي هو على أهبة الانصراف، أو كان من ذي الشأن الأقل فاعلية على نحو ما تفنن به من معسول الكلام وزير الخارجية الأميركية جون كيري، خلال جولات قام بها زادت الإسرائيلي انتعاشًا وخدَّرت الفلسطيني. وانعقاد القمة في نواكشوط يأتي بعد أيام من بدء الأمين العام الثامن للجامعة العربية أحمد أبو الغيط ولايته الأُولى، بعد أمناء رحلوا وكانت جامعة العرب على درجة من التألق، وذات حضور فاعل في المشهد العربي- الإقليمي – الدولي. وأعني بهؤلاء عبد الرحمن عزَّام أول الأمناء، وعبد الخالق حسونة، ثم محمود رياض. لكن الدور مُني بانخساف جزئي بعد انفراد الرئيس أنور السادات بصُلحه الشهير مع إسرائيل وإبرامه «اتفاقية كامب ديفيد» مع مناحيم بيغن بعد زيارة مباغتة إلى إسرائيل وإلقاء خطاب في الكنيست أكمل به تحديد نواياه ومبتغاه. وتشاء الأقدار أن يكون الأمين العام الثامن للجامعة خير شاهد على ظروف ذلك الفعل الساداتي؛ كونه من أعضاء الوفد الذي شارك في زيارة السادات إلى واشنطن وإبرام اتفاق السلام المصري – الإسرائيلي. ومنذ ذلك الحدث الاستثنائي وهو يواكب تداعيات «كامب ديفيد» قريبًا من راسمي سياسة مصر في السنوات الساداتية، ثم في سنوات الدبلوماسية المصرية الشائكة في عهد الرئيس حسني مبارك؛ تمهيدًا لتبوّء المنصب الأهم الذي يحظى به تقليديًا مَن شغل منصب وزير الخارجية، وأرجحية لمن شغل منصب مندوب مصر لدى الأمم المتحدة قبل المنصب الوزاري. وما أقصده من استحضاري هذا لمناصب شغلها أحمد أبو الغيط، أن الرجل الملم بخفايا أربعة عقود من السياسة العربية سجل في كتابيْن بعض ما يمكن تدوينه عن تلك الخفايا، وهذا يجعله يستنبط معادلات كفيلة برتق الثوب العربي، ومحاولة إبقاء الحوار حول الأزمات التي تعصف بالأمة، من دون اتخاذ الموقف الذي يعلِّق عضوية دولة عضو في الجامعة على نحو ما حصل مع مصر ثم مع سوريا، ذلك أن التدرج في إنزال الغضب يبقي للصلح احتمالاً. وثمة ما يلفت الانتباه، وهو أن أحمد أبو الغيط أصدر الكتابين اللذين يحويان ملامح حياته وذكرياته، على عكس ما فعل محمود رياض وعصمت عبد المجيد اللذان أصدر كل منهما كتابًا حول سنواته الدبلوماسية وسنوات أمانته للجامعة العربية، إنما بعدما باتا في مرحلة التقاعد، وهذا مألوف في عالم الذين يشغلون مناصب متميزة. والأرجح أن ثلاثة من الأمناء العامين السابقين سيفعلونه (عمرو موسى والشاذلي القليبي ونبيل العربي). لكن على ما يبدو أن أحمد أبو الغيط أصدر الكتابين وفق احتمالين، إما لاعتقاد شخصي بأنه تقاعد، وأن ظروف سنوات عمله رئيسًا للدبلوماسية في المرحلة الأكثر تعقيدًا من عهد الرئيس مبارك قد لا تُحقق له أن يكون الأمين العام الثامن للجامعة بعد نبيل العربي الذي، إذا جاز التشبيه، نراه كان مستعجلاً مغادرة المنصب وغير متحمس لفكرة التمديد حتى يتضح مصير الدولة المشكلة سوريا، والدولة العبء لبنان، وكذلك اليمن. وتأسيسًا على ذلك، كان الاحتمال الثاني، وهو أنه لا بد عملاً بالتقليد المألوف، مع استثناء لمرة واحدة شغل فيها الشاذلي القليبي بسبب نقل مقر الأمانة العامة مؤقتًا إلى تونس، سيؤتى به أمينًا عامًا للجامعة، ولذا فلينشر الكتابين وبذلك يقال عنهما إنهما عن سنوات دبلوماسية مضت، وأن ما يتعلق بسنوات ما بعد الأمانة العامة للجامعة يُكتب ويُنشر لاحقًا. القمة العربية الدورية السابعة والعشرون المستضَافة أواخر هذا الشهر (يوليو 2016) متأخرة لجهة الانعقاد أربعة أشهر، سقط خلالها من الأرواح العربية بضعة ألوف على الأرض السورية – العراقية – اليمنية – الليبية، وفي مياه البحر، فضلاً عن تدمير مئات الأسواق والبلدات والمشافي والمدارس بكل أنواع السلاح، وبما يفوق الوصف. كما يأتي وقد ارتفع منسوب التحديات الإيرانية والعمليات الإرهابية التي أكثرها استهجانًا محاولة تفجير المسجد النبوي، التي أيضًا تستهدف سعي الملك سلمان بن عبد العزيز لتحقيق حالة من التآلف بين دول الأمتين. كما أن التعالي الإردوغاني على مصر تجاوز الأصول. خلاصة القول: إنني الذي واكبتُ القمم العربية بدءًا بقمة القاهرة 1964، أفرح لنيْل إخواننا الموريتانيين حصتهم من المنسف السياسي العربي، الذي اسمه القمة العربية الدورية. والشكر موصول للملك محمد السادس الذي اعتذر عن عقْد القمة في بلاده التي استضافت قمما كثيرة، في زمن والده الطيب الذكر الملك الحسن الثاني، وجيَّرها إلى موريتانيا المحرومة من القمة العربية بحلوها ومرها. الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى