فتوى سياسية عن قمة نواكشوط
إذا كان فسطاط الموالاة الداعمة للنظام الحاكم في هذه البلاد قد حسم أمره من قمة نواكشوط، أو من “قمة الأمل” التي سيتم تنظيمها بعد أيام معدودة في عاصمة بلاد دكاكين أمل، وطريق الأمل، ومثلث الأمل، وشباب أنتم الأمل، إذا كان ذلك الفسطاط قد حسم أمره من قمة الأمل، فإن الفسطاط المعارض في هذه البلاد لم يحسم أمره من بعد من هذه القمة..
ويظهر ذلك من خلال تعدد المواقف داخل هذا الفسطاط المعارض وتناقضها، فهناك طائفة من هذا الفسطاط قد قررت أن تدعو ـ وعلى استحياء ـ إلى بذل كل الجهود الممكنة من أجل إنجاح قمة نواكشوط، وهناك طائفة ثانية من هذا الفسطاط قد قررت أن تدعو ـ وبخجل ـ إلى إفشال القمة، في حين أن هناك طائفة ثالثة لا تزال مذبذبة لا هي إلى هؤلاء، ولا هي إلى أولئك.
هذا الارتباك أو التناقض الحاصل في مواقف الفسطاط المعارض هو الذي دفعني إلى المخاطرة بتقديم هذه الفتوى السياسية عن قمة نواكشوط، فإن أصبتُ في هذه النازلة السياسية طمعتُ بأجرين، وإن أخطأت فأرجو أن يُكتب لي أجر الاجتهاد. تعتمد هذه الفتوى السياسية على قصة من قصص تراثنا الفقهي، وتقول القصة بأن أحد تلاميذ الإمام أبي حنيفة كان معروفا بحدة ذكائه، وسيعرف هذا التلميذ الذكي فيما بعد بالقاضي أبي يوسف. وفي القصة أن أبا يوسف مرض مرضا شديدا، فزاره أبو حنيفة رفقة بعض تلاميذه، وفي طريق العودة من الزيارة قال الإمام لتلاميذه بأن أبا يوسف سيكون له شأن عظيم إن قدِّر له أن ينجو من هذا المرض الخطير الذي ألم به. شُفي أبو يوسف من مرضه، وأخبره بعض أصدقائه بما قال عنه الإمام، فما كان من أبي يوسف إلا أن قرر أن يفتح حلقة خاصة به في المسجد الذي كان يدرس فيه أبو حنيفة. فوجئ أبو حنيفة بالحلقة الجديدة المجاورة لحلقته، وبهذا الشيخ الجديد الذي يلقي الدرس بتلك الحلقة، فما كان من الإمام أبي حنيفة إلا أن سأل تلاميذه عن هذا الشيخ الجديد، فأخبروه بأن أبا يوسف قد شفي من مرضه، وبأنه قد قرر أن يفتتح حلقة خاصة به. ولكي ينبه الإمام تلميذه الذكي على أنه قد استعجل في فتح الحلقة، وبأن وقت التدريس لم يحن بعد، أرسل له سؤالا مع أحد التلاميذ عن رجل أعطى قماشا لخياط لكي يخيط له ثوبا، ولكن الخياط أنكر وجود القماش لما جاء صاحب الثوب يريد ثوبه، فما كان من صاحب الثوب إلا أن شكا من الخياط، وبعد تفتيش وتهديد اعترف الخياط بوجود الثوب الذي كان قد أكمل خياطته. وكان السؤال هو : هل يعطي صاحب القماش للخياط أجرة خياطة الثوب أم لا؟ ولقد أوصى الإمام تلميذه بأن يقول لأبي يوسف لقد أخطأت مهما كانت إجابته، وسواء قال بأنه على الرجل أن يعطي الأجرة، أو قال بأن ليس عليه أن يعطيها. سأترك لكم الآن الفرصة لأن تفكروا في الجواب الصحيح، وفي انتظار إجاباتكم، فلا بأس من أن أطلب أنا منكم بدوري ـ وعلى طريقة الإمام أبي حنيفة ـ بأن تقولوا لكل من أراد منكم أن تعملوا على إنجاح قمة نواكشوط: لقد أخطأت في النصح، وأن تقولوا أيضا لمن أراد منكم أن تعملوا على إفشالها : لقد أخطأت في النصح. لقد وجد أبو يوسف نفسه في مأزق حقيقي، فهو عندما قال بأن الخياط يستحق أجرا قال له التلميذ الرسول: ومن أين أبحت لخياط سارق الأجرة؟ وعندما قال مرة أخرى بأن الخياط لا يستحق أجرا، قال له التلميذ الرسول: ومن أعطاك الحق في أن تحرم خياطا من أجر معلوم كان قد حُدد له سلفا إن هو أكمل خياطة الثوب؟ أحس أبو يوسف بالحرج الشديد أمام تلاميذه، وعلم بأن الإمام قد أبرق له برسالة سريعة من خلال السؤال اللغز، فما كان من أبي يوسف إلا أن سارع في فض حلقته، وعاد إلى حلقة الإمام، وأخذ مكانه كأي تلميذ، ثم طلب ـ من بعد ذلك ـ من الإمام أن يفك له طلاسم السؤال اللغز. لقد وجد المعارضون أنفسهم في حرج شديد أمام قمة نواكشوط، فهم إن قالوا بضرورة العمل على إفشالها قيل لهم: وبأي منطق تطالبون بإفشال أول قمة عربية تنظم في بلادكم؟ أليست موريتانيا هي المستفيد الأول من هذه القمة؟ أو لا يتطلب كرم الضيافة في بلد مضياف كموريتانيا أن يتم استقبال الضيوف أحسن استقبال؟ أَوَ لا يفرض الواجب علينا ـ سواء كنا معارضين أو موالين ـ أن نخفي مشاكلنا وهمومنا وخلافاتنا ليوم أو يومين؟ أوَ لا تتطلب مصلحة البلاد أن نكتم الغيظ وأن نخفي خلال أيام القمة ما تتعرض له المعارضة من ظلم وتهميش وإقصاء في ظل هذا النظام القائم؟ وفي المقابل فإن قال المعارضون بضرورة العمل من أجل إنجاح القمة ألن يكون بالإمكان أن يقال لهم: عن أي قمة تتحدثون؟ وبأي منطق تساعدون نظاما تعود على تهميشكم وإقصائكم في أيام اليسر والعسر؟ وهل حاول هذا النظام أن يكسب ودكم من قبل القمة لتصالحوه خلال أيامها؟ ألم يستمر هذا النظام وإلى يوم الناس هذا، في تهميشكم وفي إقصائكم وفي تصنيفكم بأنكم من أشد أعداء الوطن خطورة؟ ثم هل طلب منكم النظام أن تساعدوه في إنجاح القمة؟ ولِنفترض أنكم قررتم أن تتطوعوا بالمساعدة فهل سيكون بإمكانكم تجسيد تلك المساعدة ميدانيا؟ أَوَ ليس من الراجح أن يضع النظام أمامكم كل العراقيل لكي يفشل تلك المساعدة؟ وبالعودة إلى السؤال اللغز الذي طرحه أبو حنيفة على تلميذه الذكي، فإن الجواب الصحيح في تلك المسألة يرتبط بالأساس بنية الخياط وبالوقت الذي تمت فيه خياطة الثوب، فإن كان الخياط قد فصَّل القماش وخاطه على مقاس صاحب الثوب، فإن ذلك يعني بأنه لم يفكر في سرقة الثوب والاستحواذ عليه إلا من بعد أن كان قد أكمل خياطته، وفي هذه الحالة فإنه يستحق الأجرة. أما إذا كان الخياط قد فصَّل القماش وخاطه على مقاسه هو، لا على مقاس صاحبه الثوب، فإن ذلك يعني بأن الخياط كان قد نوى سرقة القماش من قبل البدء في خياطته، وفي هذه الحالة فإنه لا يستحق الأجرة. والآن دعونا نحول هذه الفتوى الفقهية إلى فتوى سياسية تتعلق بالبحث عن الموقف الأنسب الذي على المعارضة أن تتخذه من القمة العربية. إن البحث عن الموقف الأنسب يتطلب منا أن نبحث أولا في نية الرئيس. فهل تم تصميم تحضيرات القمة وتنظيمها على مقاس النظام الحاكم أم على مقاس الدولة الموريتانية؟ وهل أن التحضير لقمة نواكشوط والعمل على إنجاحها يُراد به تحقيق مكاسب خاصة بالنظام الحاكم أم تحقيق مكاسب عامة للدولة الموريتانية؟ يمكنني أن أقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن النظام الحاكم مشغول في هذه الأيام ـ وكما هي عادته دائما ـ بالبحث عن تحقيق مكاسب خاصة به، أكثر من بحثه عن تحقيق مكاسب للدولة الموريتانية، ولذلك فإن كل المشاريع المرتبطة بالتحضير للقمة لم يتم منحها بشكل شفاف للشركات ورجال الأعمال الأكثر أهلية والأكثر كفاءة، وهو ما كان سينعكس إيجابا على الدولة الموريتانية، وإنما تم توزيع تلك المشاريع وعوائدها في الدائرة الضيقة جدا للنظام الحاكم، وبغض النظر عن الأهلية والكفاءة، وهو الشيء الذي سينعكس سلبا على تلك المشاريع، وعلى الدولة الموريتانية. ولم تقتصر عملية إقصاء الكفاءات على مشاريع البنية التحتية، بل إنها امتدت لتشمل إقصاء أصحاب الكفاءة من رجال الإعلام والثقافة والدبلوماسية والذين كان بإمكانهم أن يساهموا بشكل في فعال في التحضير الجيد للقمة وفي إنجاحها إن هم أعطيت لهم الفرصة لذلك. لقد تم إبعاد أولئك وكثير منهم قد يكون أقرب للموالاة منه للمعارضة، لا لشيء إلا لأن أولئك يضعون موالاة الدولة الموريتانية في رتبة أعلى من موالاة النظام الحاكم. لقد تم الدفع بالأشخاص الأقل كفاءة والأقل أهلية في الموالاة إلى واجهة الأعمال التحضيرية لقمة نواكشوط، وتم إقصاء كفاءات معارضة وموالية ومستقلة من تلك التحضيرات، وهو ما سيقلل حتما من إمكانية استفادة الدولة الموريتانية من هذه القمة. كان يمكن للدولة الموريتانية أن تحقق استفادة أكبر من هذه القمة لو أن النظام الحاكم أهتم بمصلحة الدولة الموريتانية أكثر من اهتمامه بمصالحه الخاصة، وكان على أولئك الذين صدعوا رؤوسنا بالقول بأنه على المعارضة أن تعمل على إنجاح القمة لأن نجاحها سيعود بالفائدة على موريتانيا كلها، كان عليهم أن يقولوا من قبل ذلك للنظام الحاكم بأن هذه القمة هي قمة لموريتانيا من قبل أن تكون قمة للنظام الحاكم، ولذلك فكان من الواجب عليه ـ أي النظام الحاكم ـ أن يصمم ويفصل الأعمال التحضيرية لها على مقاس الدولة الموريتانية لا على مقاس الدائرة الضيقة للنظام الحاكم. لقد اعتبر النظام الحاكم القمة قمته، وسيعتبر نجاحها ـ إن هي نجحت ـ نجاحا خاصا به كنظام حاكم، ومع ذلك فإن كل ذلك لن يمنعنا من القول بأن هناك منافع للدولة الموريتانية ستتحقق من خلال هذه القمة. فالبنية التحتية التي تم تشييدها بمناسبة التحضير للقمة، وقد كان بالإمكان تشييد أحسن مما تم تشييده، فهي باقية للدولة الموريتانية، ثم إن الحضور العربي والدولي لقمة نواكشوط سيعود بالنفع اقتصاديا وإعلاميا وسياحيا على الدولة الموريتانية، ولذلك فإنه يمكننا أن نقول بأن النظام حتى وإن كان قد صمم القمة على مقاسه، فإن ذلك لن يمنع الدولة الموريتانية من أن تحقق مكاسب من هذه القمة، ومن هنا فإنه على المعارضة الحريصة على مصالح الدولة الموريتانية أن تبتعد عن أي فعل قد يشوش سلبا على القمة، ولا يعني ذلك ـ بأي حال من الأحوال ـ بأنه ليس من حق هذه المعارضة أن تعبر خلال أيام القمة عن مواقفها السياسية، أو أنه ليس من حقها أن تندد بمشاركة وحضور بعض الطغاة من أمثال الطاغية الانقلابي عبد الفتاح السيسي. وفي ختام هذه الفتوى السياسية المتعلقة بقمة نواكشوط والتي لا أتوقع لها نجاحا على مستوى القرارات نظرا لأن البلدان العربية قد ابتليت في هذا الزمن العربي الرديء بأسوأ القادة، في ختام هذه الفتوى أرجو أن تسمحوا لي أن أعبر ـ وعلى الطريقة “البانكمونية” ـ عن قلقي من العيش في العام 2016 في عاصمة بلا صرف صحي. أليس من حقنا أن نقلق، ونحن نعيش في موسم الخريف، ونعلم بأن تهاطل أمطار بمقياس 50 ملم في العاصمة نواكشوط خلال أيام القمة سيضعنا حكومة وشعبا في موقف حرج أمام ضيوفنا، وأمام العالم بأسره، والذي ستنقل له وسائل الإعلام صورا مخجلة من عاصمتنا ما كنا نريد أن يراها غيرنا. حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل