كي لا ننسى أن الجرافات الموريتانية هدمت “بيتا إسرائيليا”
الزمان – إن الشعوب الحية هي التي تكتب تاريخها وتمحصه ، فالأمة التي لاتعرف هويتها ، ولاتقف على خصائص ذاتها ،حري بها أن تركن إلى عرش وهمي ، وعندئذ تنهار حضارتها ، وإن كانت سماتها الأساسية لاتختفي ، إلا أن المؤرخ البريطاني” أرنولد توينبي”الذي عرض نظرية التحدي والاستجابة في كتابه دراسة التاريخ ، يعتقد أن الحضارات تقوم فقط (حينما يكون الناس على استعداد للاستجابة للتحدي).
غيرأن ينبوع التاريخ الإنساني لايتمثل أساسا في قوى الإنتاج ووسائله وعلاقاته ، التي تشيع فيما بين الناس، كما تزعم المادية التاريخية ، التي يرى الكثيرون بأنها جملة اقتراحات للمستقبل ، وليس جملة تقريرات عن الواقع الذي كان التاريخ الإنساني يتطور على أساسه ، فلوسلمنا أن الإنسان عندما فتح عينيه على هذه الحياة لم يكن له رغبة إلا في البحث عن الطعام والشراب والمأوى .. ولم تكن ثمة أي دوافع أخرى تستأثرباهتمامه ، لكان طابع حياته هو طابع حياة الأنعام والوحوش ، لانه لا يستجيب لدعوة وجدانية ، ولايتأثر بجمال أوفن ، ولاينزع إلى دين أوثقافة .
وإذاكان المؤرخون يختلفون في الغالب، حول المعاني والدلالات ، فإ نهم يتفقون على أن الحقائق التاريخية الرئيسية معطيات عامة، تُعتمد لكونها غير مشكوك فيها ، مع أن الأحكام المسبقة والإنتماءات السياسية قد تؤثر في التفسيرات بشكل كبير ، غيرأن “اختلاف المسالك لايلزم منه اختلاف المقاصد ” ، كما تقول إحدى قواعد التصوف ، الذي فتحت بلادنا من خلال أقطابه الأجلاء العديد من الدول المجاورة حتى تصدرت بذلك ذرى العلياء في محيطها الإسلامي .
فنحن رغم اختلافاتنا االشكلية ننهل من معين واحد ، ونسلك معا نفس السبل ، التي هي: (عقد الأشعرى وفقه مالك وطريقة الجنيد ) ، ولسنا بحاجة إلى نظرية عقد اجتماعي من طرف “جان جاك روسو” وزملائه ، فقد سبق عقدنا عقدهم ، كما أن كتاب الأحكام السلطانية للماوردي (450)هـ ، سبق كافة كتبهم في ذلك المجال ، ويستحيل علينا أن نقول مثل ما قال بنو إسرائيل لموسى : (اجعل لنا إلها كما لهم ءالهة ).
وإذاكانت إسرائيل القديمة قد عبدت الأصنام ، وقتلت الأنبياء ، فإن إسرائيل الحديثة ارتكبت الجرايم والمجازر بحق الشعب ، الفلسطيني واغتصبت الأراضي العربية ، ومع ذلك فإن الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع ، قد دنس هذه الأرض من خلال إقامة العلاقات مع إسرائيل ، حيث انطلقت هذه العلاقات بشكل رسمي في 27 نونبر 1995 عبر فتح مكتب لرعاية المصالح. ثم تلى ذلك قيام وزير الخارجية الموريتاني بزيارة إلى إسرائيل نهاية أكتوير 1998 ، و في تشرين الاول 1999 أعلنت إسرائيل وموريتانيا عن إقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء بإشراف من وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك ” مادلين أولبرايت”في العاصمة الأمريكية واشنطن .
غير أن الشعب الموريتاني بكل فئاته وأطيافه السياسية رفض العلاقات مع إسرئيل وطالب بقطعها ، واعتبرها علاقات مشينة مع عدو مجرم حاقد يسعى لتمزيق وحدة العرب والمسلمين ، وأتذكر أننى في بداية تلك الفترة كنت مسؤول العلاقات الخارية لأحد الأحزاب القومية ، وزار موريتانيا أنذاك رئيس المجلس الدستوري في كندا وطلب من جبهة أحزاب المعارضة أن يجتمع بأحزابها كل على انفراد وكان لديه سؤال واحد وهو:(مامدى تقدم الديموقراطية في بلادكم ؟) ، جوابي له ببساطة أوبسذاجة أن (الديموقراطية ليست هدفا أساسيا بالنسبة لنا ) !!! ( فالأمة التي تستباح مقدساتها ويتم تدنيس أراضيها من طرف أعدائها ، وتنتهك حرماتها ، حري بها أن تعيش في ظرف استثنائ ، لأن لها أهدافا أخرى أكبر من الديموقراطية …) .
وفي هذه الأثناء أفتى بعض العلماء الموريتانون بتحريم التطبيع مع اسرائيل ، واستجابة لذلك تم إنشاء “الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني والدفاع عن القدس ” ، وكثفت الأحزاب السياسية من نشاطاتها المعارضة للتطبيع ، وعلى إثر ذلك تم اعتقال العديد من النشطاء الإسلاميين والقوميين ، ومع ذلك استمرت وتيرة النضال ، ومضى ولد الطائع وبقيت إسرائيل ،وجاء ، اعل ولد محمد فال، ورفض نهائيا قطع العلاقات مع إسرائيل .
بعد ذلك تعهد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أنه في حالة فوزه في رئاسيات 2007 سيعرض موضوع العلاقات مع إسرائيل على البرلمان ، وهو التعهد الذي لم ينفذه ، بل عزت له بعض الأوساط الإعلامية تخوفه من هذا الملف، رغم أنه تسلم رسالة مشتركة من أحزاب الأغلبية والمعارضة ،تدعو إلى قطع العلاقات مع إسرائيل .
غيرأن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيزحقق للشعب الموريتاني وللعرب عموما هذا المطلب الأستراتيجي الكبير، حيث قطع العلاقات مع إسرائيل في بداية 2009، وانتهج سياسة خارجية تعبر عن طموحات الشعب الموريتاني ، وتحترم قيمه ، وتعيده إلى محيطه العربي والإسلامي والإفريقي بشكل طبيعي .
لذلك أعتقد أنه من المناسب أن ننوه بهذه الخطوة التي تعتبر استقلالا عن اليهود ، وصونا لكرامة الأمة ، خصوصا أن المشهد كان مؤثرا وغير مسبوق ، وذلك حين قامت جرافات تابعة للجيش الموريتاني في إزاحة الحواجز الأمنية التي كانت تنتزع لإسرائيل حيا كاملا من العاصمة ، تحت أنظار الجماهيرالتي ترفع الأعلام الفلسطينية والصور المكبرة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، والرئيس الراحل ياسرعرفات .
إضافة إلى ذلك فإن الخطوة الجريئة التي قام بها محمد ولدعبد العزيز في “مالابو” عاصمة غينيا الاستوائية حين قام شخصيا بطرد وفد إسرائيلي قدم إلى مالابو بغية حضور اجتماعات الاتحاد الإفريقي ، الأمر الذي يستدعي منا الإشادة بتلك الخطوة ، التي يقصد منها كذلك ، التصدى للوجود الإسرائيلي في القارة الإفريقية .
ملاحظة : هذا المقال سبق أن نشرته قبل عامين على موقعين أو ثلاثة ولم يطلع عليه كثير من القراء ، لذلك فقد اقترح علي بعض الإخوة أن أعيد نشره من جديد نظرا لأهميته ، خصوصا بعد مقابلة الرئيس محمد ولد عبد العزيز مع ( الأهرام ) التي أكد فيها أننا “مستعدون لدفع ثمن قرار قطع علاقتنا مع إسرائيل فلم يكن هناك اي مبرر لوجود سفارة إسرائيلية في نواكشوط “.
وتصريح عبد الباري عطوان الذي ختمه بقوله إن موريتانيا حققت معجزة بتنظيمها للقمة في ثلاثة أشهر، تماما كمعجزتها في طرد سفير اسرائيل .
باباه ولد التراد