الباهي محمد/ الهادي أحمد فال
الزمان أنفو _ في صغري كنت متفوقا في دراستي فكانو يرون بي شبها ب ‘أبّاه ول الننيه’ (ابن عم والدي)،وكانت الوالدة ترد متطيرة:”ماه فالو…كَول الرسول”. فمن هو أبّاه ‘سيء السمعة’ هذا الذي لا تريد لي الوالدة أن أصير مثله؟
. إنه عروة زمانه باهي محمد! ولدأبّاه في خيمة قرب منهل تنبيعلي عام 1930 ،صادف ميلاده وفاة علم من نفس العائلة هو العلامة محمدفال(أبّاه)ول باب ول أحمد بيب فسمي بإسمة كما جرت العادة. توفي والدا أبّاه وهو صغير فكفلته عمته مريم وهي والدة الزعيم السياسي أحمدُ حرمه بابانا العلوي،في هذا البيت نهل أبّاه من معين اللغة وعلوم الشرع كما تعلم أبجديات النضال الوطني من قريبه حرمه. في أوساط الخمسينيات غادر العشريني الطموح لفريكَ في رحلة اللا عودة.انتقل إلى السنغال مع عائلة حرمه،وهناك اكتشف لغة مولير وتضلع فبها كما تضلع في لغته الأم.غادر السنغال إلى جنوب المغرب في مغامرة مثيرة على متن باخرة،في اكَليميم التحق بجيش التحرير والتقى الفقيه البصري وعلال الفاسي لتبدأ مرحلة جديدة من حياته. تقدم إلى امتحان أجرته جريدة العلم لإختيار محررين،وحين علم علال الفاسي بذالك الإمتحان اعتبره مجرد مزحة من الأخ باهي الذي كان في وسعه أن يقترح أو يطلب ما يشاء من المناصب. وحينما مثل أمام لجنة الامتحان بهر أعضاؤها بعمق تمكنه من اللغة وغزير معرفته بالآداب والتاريخ ولما كان أعضاء اللجنة لا يعرفون من هو سألوه أين جمع كل تلك المعارف، فأجابهم ببساطة “في الخيمة يا سادتي”. وقع خطأ في كتابة اسمه من‘أباه محمد‘ إلى باهي محمد فراق له الإسم الجديد وظل يحمله طيلة حياته. انتدبته الحركة الوطنية لمهمة في باريس وهناك نسج علاقات بالجهات المساندة لقضايا التحرر.ارتبط بعلاقات وثيقة بجبهة التحرير الجزائرية وعاد مع قيادة الثورة إلى الجزائر وساهم في بناء الصحافة الجزائرية كما اضطلع برائسة تحرير جريدة”المجاهد”.اختلف مع بومدين حين عرض عليه قيادة البوليساريو وغادر الجزائر.تمسك الباهي بمغربية الصحراء انطلاقا من مبدأ قومي يرفض تجزئة المجزأ،وانسجاما مع موقف اليسار المغربي الأكثر ملكية من الملك في قضية الصحراء. جاب الباهي العالم من بغداد حيث ساهم في إنشاء الوكالة العراقية، إلى هافانا الثورة مرورا ببيروت الثقافة والشعر حيث تسكع على الكورنيش مرتديا الدراعة والحولى وأنشد الشعر على طاولة الشاعر الشهيد كمال ناصر.ظلت باريس محطته التي يعود إليها حين يلقى عصى الترحال مؤقتا،خبر مقاهيها وشوارعها أكثر مما خبر مابين تويفجيرت ولميلحة.هنالك تعرف على كثيرا من صعاليك العرب ومنبوذيهم من مثقفين وسياسيين. عاد إلى المغرب في بداية التسعينيات مع الإنفتاح السياسي وعودة معارضة المنفى ، كلفه الرفاق في الإتحاد الإشتراكي بإدارة الإعلام في وقت كان المغرب يشهد مخاضا سياسيا عسيرا أفرزفيما بعد حكومة التنواب بقيادة اليوسفي. اصطدم الباهي بخلافات وصراعات داخل الحزب فغادر مهمته ذات غضبة ميمما شطر باريس لكنه سقط بجلطة دماغية في مطار محمد الخامس،هناك انتهت رحلة التيه والبحث عن معنى. أسلم الروح في الرابع من يونيو عام 96 ودفن في مقبرة الشهداء بعيدا عن مهد صباه الذي طالما حلم بالعودة إليه. يقول صديقه عبد الرحمن منيف إن أغرب ما في رحلة حياته هذه أن عقله الباطن قرر وربما بطريقة لا تخلو من مغزى،أن يتوقف عند السادسة والستين فلا يبلغ السابع والستين،وأن يكون اليوم الأخير في هذه الحياة اليوم الذي يسبق الخامس من حزيران، لم يكن يريد أن يشهد مرة أخرى ذكرى يوم الهزيمة،تاركا أملا ولو بعيدا أن جيلاغير جيله، لابد أن يفعل شيئا كي يزيل هذا العار،وليقول أيضا أن في هذه الحياة أشياء كثيرة قوية،مضيئة،تستحق أن تعاش، غير الهزيمة. “سلام على الباهي حيا وميتا،فقد كان كبيرا في حياته،ولابد أن يشمخ أكثر بعد الممات”