قافلة العطش/ د. سناء شعلان- مفاهيم حداثوية عن “الحب” ومنها ما قتل!

عبدالجبار نوري

الكاتب والباحث والمحلل السياسي/ السويد

 

سناء كامل أحمد شعلان أديبة أردنية معاصرة ومبدعة فلسطينية ساحرة، شابة مواليد عمان 21 – 5- 1977 ومن جيل الحداثة العربية، وهي من أصول فلسطينية قضاء الخليل هاجمت عصابات الهاجانا والأرجون قريتها وهجرت أهلها في عام 1948 فلجات أسرتها إلى الأردن، وهي تحمل درجة الدكتوراه في الأدب الحديث، وتعمل أستاذة جامعية في نفس تخصصها في الجامعة الأردنية، لُقِبتْ سناء شعلان ب( شمس الأدب العربي، وأميرة القصة العربية، وهي روائية وقاصة وكاتبة مسرح وأدب أطفال، وأعلامية في مجال حقوق الأنسان وناشطة نسوية، وأشتهرت في فترة التسعينات نقدها المهتم بالأسطورة والفنتازيا والموروث الشعبي الحضاري ، والحداثة والتجريب .

ومن أعمالها الأبداعية :

قافلة العطش The Convoy of thirst مجموعة قصصية للدكتورة سناء كامل الشعلان، صدرت في العام 2006 عن مؤسسة الوراق، وفي تلك المجموعة القصصية 16 قصة قصيرة، يكون السرد اللغوي فيها راقياً ومنسّقاً في سرديات ثيمات الأسطورة والخرافة والحكاية الشعبية، تختزل فيه اللاواقع لتبدلهُ بالواقع، وترسم من خلال هذه المجموعة القصصية السعادة بأرقى معانيها وترسم الحزن بأبشع مآسيه، وتعري الواقع  المريربكل جرأة، وتعبر عن آرائها بطريقتها الخاصة عبر شعور أنثوي حساس تجاه العالم، وتبين عبثية الحياة في جغرافية الصحراء ذات القوانين الصارمة الصادرة بمراسيم مؤلّهة واجبة التنفيذ، والتي تضع الخطوط الحُمرْ تحت عدوى العشق الصحراوي، والحب الممنوع، والأعراف القبلية المشرعنة بأرادة الآلهة تأمرك أن تعيش الجفاف على رمالٍ تبتلع الدموع وعرق حمى اليأس والأستلاب كالثقوب السوداء، ولم يبقى في ثمالة الكأس سوى الفراق المأساوي التراجيدي بوأد عاشقات الحياة ، —- رباه —- ما العمل؟؟ صدق شاعر الياسمين نزار قباني وهو يقول : { لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية }.

والمجموعة القصصية تحمل في طياتها الحب الطاهر والمعذّب والممنوع، وتسلفنها القاصة العملاقة والمبدعة والأكثر من رائعة (بأنسنتها) الأممية ومشاعرها النبيلة تجاه السلم العالمي، وعبرت في قافلة العطش عن الحب المحرم وعن وأد الحب والحياة، فالحب في نظرها مؤطر بمفاهيم حداثوية معولمة بعيدة من أعين الرقيب الذي يقطع بمقصه التعسفي والأستلابي، وتحاول جاهدة المقاربة من سلطة الخير والجمال لأنهُ حبٌ غريب الأطوار، حب مجنون، بيد أنهُ مستساغ ومقبول عند المتلقي وأولهم (كاتب المقالة) ، في زيارتي الأخيرة لعمان أقتنيت نسختين من الكتاب (قافلة العطش) باللغة الأنكليزية وأخرى بالعربية، وبصراحة شعرتُ بسعادة غامرة تلذذتْ بها نفسي الأمارة بالعشق وكأني أحد رجال القافلة المعذبة والمستلبة،  وعايشتُ معاناة وفوبيا المخبر السري وسيطرات رئيس القبيلة المتوحش ورحلة العذاب الطويلة التي أولها في بغداد ونهاياتها في المنافي، وحينها قلتُ لنفسي — قف يا رجل لقد قاربت السبعين، أرمي ذكريات الثلاثين في البحر الميت وأحتفظ بالرواية لعلك تعتنق مذهبها في العشق الصوفي وتؤدي طقوسها النقيّة والمجردة من الأنا .

وللروائية المتميّزة 46 مؤلفاً منشوراً، ونالت 55 جائزة محلية وعربية في حقول الرواية والقصة والمسرح وأدب الأطفال، وهي الشخصية المؤثرة رقم 19 في الأردن، فازت بها في مسابقة أكثر من 50 شخصية مؤثرة في الأدب والنراث والبحوث الأنسانية والتي أجرتها منظمة (تحالف أتحاد منظمات التدريب الأردنية )

أسلوب الدكتوره سناء شعلان الأدبي والنثري واللغوي

-أنفردت عن المألوف بأعطاء المرأة دوراً ريادياً في جميع رواياتها هادفة لصنع هوية أنثوية جديدة ليس تحيزاً لجنسها بل لرفع مكانتها، وتحدياً للذكورية المجتمعية السائدة عبر التأريخ وألى اليوم، وخالفت العرف السائد عند كتاب القصص  القصيرة بالذات غالباً ما يحجبون دور البطولة عنها، وحتى يستكثرون عليها كوتة سانت ليغو الفرنسي في الأنتخابات .

– سيميائية العنوان في قافلة العطش تحمل كل مفردات السيمياء التي هي أداة لقراءة السلوك البشري في مظاهره المختلفة بداً من الأنفعالات مروراً بالطقوس الأجتماعية والأنتهاء عند الآيديولوجيات، وكونها العلم العام والنشاط المعرفي لها علاقة باللسانيات والفلسفة والمنطق وعلم النفس والأنثروبولوجيا ولأنّ العنوان هو هوية وممثل النص والمدخل الذي يحتاجهُ القاريء لأقتحام سرديات المضمون، فالأحساس الصادق عند الروائية المبدعة سناء شعلان هي أستاذتنا في تعليمنا {العنوان يأخذ الأولوية لدى المتلقي} ، لذا تألقت المبدعة الأصيلة الدكتوره سناء شعلان في أن تجعل لمجموعاتها القصصية رقما مهماً تحت خيمة العنوان، في قافلة العطش وأستيعاب معطياتها السيميائية على نحوٍ ما ! .

– الميل الواضح إلى الحداثة والتجريب، وبلغة جميلة مصقولة مؤطرة بالتهذيب والتشذيب، فيها جوانب أسلوبية مسجلة بشخصنة لغة سناء شعلان فقط، والتي فيها السهل الممتنع، وهي المجدة والمجتهدة في صياغة أناقة اللغة العربية، وان لغتها الأدبية مستمدة من أفكارها الثورية، وتراكماتها المعرفية الثرة، وهي تجمع بين تقاليد سرديات القصة والحداثة والعولمة .

– التنويع في النص السردي في مزج الخيال والفنتازيا بالحقائق والجمع بين الغيبية والواقع، ويتميز النص بخصوصية المضمون المتصل بعلاقات الزمكنة بين الشرق والغرب، والعنوان عندها يعبر عن واقعية القصة، فالصراع بين الضعيف والقوي وبين الغث والسمين وبين الخصب والجدب وبين الموحش والأمان وبين الأستسلام والثورة .

– العطش يعني حرمان المرأة من عالمها الخاص، فتمكنتْ الكاتبة العملاقة والمبدعة من تمرير سرديات الرواية ومحاكاتها حقيقة وعلناً بواسطة الرجل والمرأة، وأن رمزية العطش ليس للماء بل العطش إلى الحب، وما يتعلق بهِ من أستلاب، ورفض سيادة السلطة الذكورية،

– تعتمد الأسطورية في غالب رواياتها، أوغلت في الواقعية السحرية، وتعمل على تكثيف القصة وسردها بأختصار عاجلكي تنتقل إلى قصة أخرى متقمصة شخصية شهرزاد الأنثوية الساحرة الممنوعة من الحب واللمس، لتنقل القاريء والمتلقي إلى حدثٍ آخر وآخر حتى تقزّمْ زمن الجمهور بحسابات النظرية النسبية “مجالسة الحبيب لعشرين ساعة تختصرها الروائية البارعة سناء شعلان بثواني، لأنها تنظر للحياة من خلال نوافذ الرواية العديدة للقصة، والمطلّة مباشرة على الجمهور، وتعبّر في كينونة نصوص السرد الروائي القصصي لروايتها “قافلة العطش” الظمأ والأرتواء والحياة والموت في تجليات معاناة الأنسان المحروم من الحب والأستمتاع بهِ في جغرافية الشرق العربي المؤدلج بوأد الحياة لأشباع غرور الذكورية المتغطرسة السائرة لأرتداء جلباب الربوبية .

– وأن لغتها الأدبية مستمدة من أفكارها الثورية وتراكماتها المعرفية الثرة، وفلسفتها السردية ترتكز على (كل شيء أو العدم) تستعمل كمحرك دراماتيكي توزّع ذبذباتها لشخوص الرواية، والكل عطشى حد الجفاف فيهِ الحب عاجزاً وحيداً مفجعاً، وحتى الرومانسية الهلامية مغيّبة، وكل الأحاسيس والمشاعر والدفيء والعطاء والخصب مغيباً على بعد مليون سنة ضوئية ربما في درب التبانة .

– الأنسنة في رواياتها تبدو واضحة وجلية وتفرض وجودها على المتلقي في حب الخير لبني البشر وعدم ألغاء الآخر، وأرجاع الحقوق المستلبىة من الشعوب المضطهدة ومنها الشعب الفلسطيني، وكأنها تصوّر بآلة كاميرا صور حيّة ورؤية فكرية وسيلتها سحر اللغة .

الهوامش والمصادر/

*سيماء العنوان في قافلة العطش / د- ضياء غني العبودي والباحث- رائد جميل عكلو

*لسان العرب- أبن منظور – تحقيق عبدالله علي أكبر

* قافلة العطش – مجموعة قصصية –د- سناءشعلان

* العنوان في الشعر العراقي الحديث- حسب الشيخ جعفر

* معجم نقد الرواية – لطيف زيتوني

أخيراً/ كل المجد للدكتوره الفاضله والمتألقة في سماء الذاكرة الأدبية والثقافية العربية والعالمية، ومن خلال هذا البحث المتواضع الذي لم أفي بجزءٍ من بحرها اللجي وثقافتها الرصينة والهادفة، أمنياتي لها في تحقيق الأمنية الوطنية في تحرير شعبنا الفلسطيني وتكريس السلام العالمي لجميع الشعوب المقهورة – وأقدم أعتذاري فيما أذا ظهرتْ بعض الهنات لكوني لست ناقداً أدبيا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى