عباس ابراهام: لا يوجد وجود شيعي في موريتانيا

الزمان ـ لايوجَدُ وجودٌ شيعيٌّ في موريتانيا. ولا توجَدُ بها حتّى بذور نموٍّ شيعي (دعك من الشيخ بكّار ورؤوس الأصابع). وبعكس دول المغربي العربي والسنغال التي تشهد بعض فئاتِها الشبابية تحوّلات في اعتناق نُسَخ شيعية، فإن الشبكات العالمية، والسياق العولمي، وتحلّل الذاكرة المذهبية وظهور الدِّين الفرداني، التي تتعقلَنُ فيها هذه التحوّلات ليست حتّى ناضِجة في موريتانيا، البلد الصغير المعزول، وأحد أقلِّ عشرة دولٍ تعولماً، بحسب مؤشِّرات ذائعة. ومع ذلك لم يمنع هذا أن تخوض الانتلجنسيا الموريتانيا صراعات تنابزية كبيرة بين أعداء التشيّع وغيرهم إما من المتعاطفين مع إيران أو من ناكري التأثير الإيراني في المنطقة.

ومنذ فترة وأنماط مثقّفة موريتانية تُريد ان تلتحِقَ بالعالم العربي بخوض معاركه “الأساسية”. فلن يكونوا عرباً ما لم يخوضوا الحروب الطائفية التي تعرفُها عواصِم المشرق ومؤخّراً المغرب. ولن يكونوا مسلمين ما لم يهتمّوا بـ”أمرِ المسلمين”، وإن باختلاقِه ومعايشة الاختلاق. وسرعان ما سوّقوا الكذبة العالمية أن بلادَهم وهويّتهم مهدّدٌة بالتشيّع. وقد صدّق مؤّخراً استراتيجي الخليج، عبد الله النفيسي، هذه القصّة، ذلك أن “فقهاء” على قائمة أجور الخليج قد عمّموها في كلِّ بوق.

وكان البعثيون أوّل من بدأ هذه المعركة في سياق الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات. وقد حلاَ لهم حينَها ربط خصومِهم الإسلامويين بالشيعة، ذلك أن إيران كانت هي نموذج الإسلام السياسي وكانت رطانَتُها الإسلاموية تجدُ هوىً لدَى إسلامويي الثمانينيات، الذين كانت لهم إمارة آنذاك يتبايعون ويتأطّرون فيها. وقد انخرَط موريتانيٌّ أو موريتانيِّيْنِ بالفعل في الجهاد مع الخميني ضدّ صدام. وكان الإسلاميون الموريتانيون يتزاورون مع إيران أيام كان القرضاوي على حوارٍ معهم. وفقط مع فكِّ الإرتباط معهم واندلاع الحرب الطائفية فيما بعدَ الربيع العربي التحَقَ الإسلامويون بالمانح الخليجي في معركتِه ضدّ الشيعة. وأوهَمَ الإسلاميون الخليج أنّهم إلى جانِبه في نفس المعركة، مع أن المواطن الاعتيادي لا يعرف، ولا يمكنُه أن يُخبِرَ بشيعي لو رآه.

وعادةً ما ينقسِمُ الإسلاميون الموريتانيون في القضايا التيولوجية، كما في نقاش حدِّ الرجم وقتل المرتد، بين جناح ليبرالي مقيمٍ بقطر ويسيِّرُ أجهزَتها الإعلامية وبين جناح فقهي شبه سلفي (الددَو مثلاً). إلاّ أنهما اتفَقا على تأييد الحرب السعودية-القطرية ضدّ إيران. وفيما دعا الأول إلى تجييش الجيش الموريتاني للقتال إلى جانب السعودية في اليمن سارع الأخير إلى بيعة الملك سلمان ودعم الحرب السعودية. طبعاً توجد فئات إسلاموية موريتانية رافضة للحرب. ولكن لا رأي لمن لا منبَرَ له.

 

الجديد في هذه الحملة أنّها قد تحوّلت من أصولِها البعثية والإخوانية إلى أن صارت معركة أساسية للسلفية النامية. وسرعان ما تجيّشَ فيها متابِعون غير مصنّفين فكرياً ولكنَهم متجيِّشون في الصراعات المشرقية المركزية. أما التحوّل الثاني فهو أنه قد تمّت تعبئة الإسلام الحكومي في هذه المعركة. ولا نعرِفُ إلى حدِّ الآن هل الحركة الأخيرة لخطيب المسجد الجامع بنواكشوط، الذي أعلن حرباً مقدّسة على الشيعة وإيران، هي وخزة حكومية أم هي افتئاتٌ على حكومة بلا شخصية.

 

مهما يكن من أمر فقد أُطلِقت، مرّةً أخرى، معركة أخرى بين المجانين؛ وها هم يتهاوشون الظلال ويقتلون الطواحين.

 

نقلا عن صفحة الكاتب عباس ابراهام على الفيس بوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى