إليكم الحل السحري لتنظيف العاصمة في عشرة أيام!! / محمد الأمين ولد الفاضل
مرة أخرى تعيد القمامة احتلالها للعاصمة نواكشوط،، ومرة أخرى يتجدد طرح الأسئلة القديمة: إلى متى ستبقى العاصمة نواكشوط محتلة من طرف القمامة؟ وإلى متى ستظل الأنظمة المتعاقبة عاجزة عن الدفاع عن العاصمة نواكشوط وعن حمايتها من جبال القمامة الزاحفة؟ وإلى متى سيظل سكان العاصمة يقبلون بالعيش في مدينة من قمامة؟
المقلق في الأمر هو أننا على المستوى الشعبي لم نعد ننزعج من العيش وسط القمامة، وإن انزعجنا فإننا نكتم ذلك الانزعاج. أما على المستوى الرسمي فمن الملاحظ بأن الجهات الرسمية قد تخلت تماما عن هذه المهمة، ولم تعد تنشغل بها إلا في حالات نادرة جدا قد لا تحدث في كل ست وخمسين سنة إلا مرة واحدة كتنظيم قمة عربية في العاصمة نواكشوط. فإلى متى ستبقى عاصمتنا “الفتية” بهذا المنظر المقزز؟ وإلى متى ستبقى الأماكن الحيوية فيها محتلة من طرف تلال القمامة وجبالها؟ في العام 1996 كان منظر العاصمة نواكشوط مقززا بسبب تراكم الأوساخ والقمامة.. وفي العام 2006 كان منظر العاصمة نواكشوط مقززا بسبب تراكم الأوساخ والقمامة.. وفي العام 2016 لم يتغير الحال فالعاصمة نواكشوط ما يزال منظرها مقززا بسبب تراكم الأوساخ والقمامة.. وفي العام 2026 قد لا يتغير الحال، وربما يكون منظر العاصمة في ذلك العام كمنظرها في أيامنا هذه. يبدو أنه لا شيء يتغير نحو الأحسن في هذه البلاد، ومع ذلك فإنه سيبقى من حقنا أن نحلم بالعيش في عاصمة نظيفة، ولتحويل هذا الحلم المشروع إلى واقع معاش فإن ذلك سيتطلب منا أن نأخذ ثلاثة أمور بعين الاعتبار: أولها : العمل على خلق استياء عارم من انتشار القمامة إنه لن يكون بإمكاننا أن نجعل من عاصمتنا عاصمة نظيفة في ظل هذه الألفة التي أصبحت تحكم علاقتنا بالقمامة، فهذه الألفة جعلت من انتشار القمامة في شوارع عاصمتنا وأمام مرافقها العامة أمرا عاديا لا يستحق أي استنكار . إن القضاء على أي ظاهرة سيئة يتطلب أولا ـ ومن قبل أي شيء آخر ـ خلق استياء عارم من الظاهرة السيئة التي نريد القضاء عليها، وإن أي جهد نبذله للقضاء على تلك الظاهرة السيئة سيبقى مجرد عمل عبثي ما لم يسبقه خلق استياء عارم ضد الظاهرة التي نريد القضاء عيها. ثانيها: أن نتذكر دائما بأن سلوك وعقلية المواطن الموريتاني هي من العوائق التي تقف في وجه تنظيف العاصمة، فالمواطن الموريتاني الذي قد نشاهده وهو يحمل القمامة من منزله، ويقطع بها مسافة قد لا تكون قصيرة إلى الحاوية المخصصة للقمامة، إن ذلك المواطن قد يفاجئنا ـ ولأسباب محيرة ـ برمي القمامة خارج الحاوية بدلا من رميها داخل الحاوية الفارغة، ليأتي من بعده آخر ويتصرف نفس التصرف الغريب، ثم يأتي ثالث ورابع إلى أن يصبح الوصول إلى الحاوية في غاية الصعوبة، حتى بالنسبة لمن يريد فعلا أن يرمي القمامة داخل الحاوية. إن هذا السلوك لغريب، وإنه لمن الأمور التي تعيق تنظيف العاصمة، وإن من المسلكيات الغريبة للمواطن الموريتاني، هو أنه يمكن لأي واحد منا أن يرمي جيفة حمار على شارع عام ومع ذلك فإنه لن يجد من يلومه على ذلك الفعل، حتى من تلك الأسر التي تقع منازلها بجوار ذلك الشارع. ويمكن لتلك الجيفة أن تتحلل دون أن تجد من يبادر بإزاحتها من أصحاب المنازل المجاورة رغم أن رائحتها النتنة ستؤذي الجميع. إن هذه المسلكيات الغريبة والمعيقة لأي عملية تنظيف علينا أن نستحضرها دائما عند كل عملية تفكير في تنظيف العاصمة. ثالثها : علينا أن نتذكر دائما بأن إعادة نفس الأساليب ستؤدي حتما إلى نفس النتائج إن هناك جملة من الأساليب التي كنا قد استخدمناها في أوقات سابقة لتنظيف العاصمة لم تأت بأي نتيجة إيجابية، علينا أن نتوقف عن تكرارها، ومن هذه الأساليب التعاقد مع شركات أجنبية لتنظيف العاصمة؛ التعاقد مع شركات خاصة لتنظيف العاصمة كما هو قائم الآن؛ الإعلان عن حملات موسمية، كالحملة التي قادهما الرئيس من مقاطعة تفرق زينة في يوم 29 ـ 08 ـ 2012، وكتلك التي قادها من بعد ذلك بسنتين من مقاطعة الميناء في يوم 25 ـ 10 ـ 2014، والتي حملت شعار : الحملة الوطنية لتنظيف العاصمة، وقد شاركت فيها كل الوزارات والمؤسسات العامة والكثير من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص ومع ذلك فإن تلك الحملة لم تأت بأي نتيجة تذكر. إنه علينا إذا ما أردنا حقا أن ننظف العاصمة نواكشوط أن نفكر من خارج الصندوق، وأن نبحث عن أساليب جديدة لم يتم تجريبها من قبل. إن هناك مقترحا كنتُ قد تقدمتُ به إلى السلطات المعنية منذ ما يقترب من عقد من الزمن، وقد أعدتُ تقديمه من بعد ذلك، ولقد قررتُ اليوم ـ وبعد أن تراكمت القمامة من جديد ـ أن أعيد تقديمه، وذلك بعد أن اخترتُ له عنوانا على طريقة عناوين بعض الكتب التي يراد تسويقها، ككتاب تعلم الانجليزية في عشرة أيام، وككتاب كيف تصبح مليونيرا في سبعة أيام؟ إن هذا المقترح الذي يهدف إلى تنظيف العاصمة نواكشوط في فترة وجيزة، وقد لا تكون بالضرورة عشرة أيام، فالتحديد هنا تم استخدامه للإثارة فقط، سيعمل على تحقيق هذا الهدف من خلال : 1ـ العمل على تغيير سلوك المواطن الموريتاني إلى أن يصبح هذا المواطن يأتي إلى الشارع لجمع القمامة بدلا مما كان متعودا عليه من رمي للقمامة على الشارع. 2ـ تحويل القمامة إلى مصدر للدخل خاصة بالنسبة للفئات الأكثر فقرا. 3ـ أتحويل القمامة إلى مورد اقتصادي لا تستفيد منه إلا الفئات الأكثر فقرا على عكس مما هو قائم الآن حيث تعود الاستفادة الكبرى لرجال الأعمال الذين تم التعاقد معهم لتنظيف العاصمة فحصلوا بتلك العقود على أموال طائلة، وذلك في الوقت الذي لم يستطيعوا فيه أن ينظفوا العاصمة، بل إنهم تركوا القمامة تتراكم إلى أن وصل تراكمها في بعض الشوارع إلى مستويات غير مسبوقة. إن هذا المقترح سيحول القمامة إلى قطاع لتشغيل الفئات الأكثر فقرا ويصعب أن ينافسهم فيه الأغنياء، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فمن المعروف بأن من هم أحسن حالا في هذه البلاد قد تعودوا دائما على أن ينافسوا الفقراء في كل الفرص التي كان يجب أن تبقى خاصة بالفقراء. إن القمامة لن تختفي من العاصمة نواكشوط إلا إذا حولنا هذه القمامة إلى سلعة تباع و تشترى، وعندها ستختفي كما اختفت الخردة وكما اختفت المواد البلاستيكية الصلبة. إنه على السلطات أن تؤسس شركة لشراء القمامة، وعليها أن تحدد نقاط شراء خارج العاصمة، ولو أن السلطة قامت بذلك لتنافس أصحاب العربات التي تجرها الحمير في جمع القمامة من شوارع العاصمة، وربما لحق بهم حملة الشهادات من أصحاب السيارات ذات العجلات الثلاثة، فكل واحد من أصحاب هذه السيارات سيكون بإمكانه أن يشغل عددا من العمال لجمع القمامة ولحملها في سيارته خارج العاصمة لبيعها عند نقاط شراء القمامة خارج العاصمة. لقد كانت الدولة تمنح لشركة “بيزورنو” ملياري أوقية سنويا لتنظيف العاصمة، ولقد نقل عن مدير هذه الشركة في إحدى المقابلات بأن شركته كانت تعالج يوميا 600 طن من القمامة، وهذا يعني بأن الكيلوغرام من القمامة كان يكلف الدولة الموريتانية 10 أوقية، وربما يكلفها الآن أكثر في ظل التعاقد مع شركات خاصة لتنظيف العاصمة. ولو أن السلطة منحت 10 أوقية لكل مواطن يأتيها بكيلوغرام من القمامة، لتنافس المواطنون في جمع القمامة، ومن يدري فربما تحدث نزاعات على ملكية القمامة، وربما تقع خصومات عند جمعها من الشوارع إذا ما تحولت هذه القمامة إلى سلعة تباع وتشترى. حفظ الله موريتانيا..