أزواد: ما وراء الأكمه / يحيى ولد سيدي أحمد

أما هو فلم يرضَ بما كان يرى أنه تهميش في نظره، فأسس جماعة أنصار الدين. أما هم فرأوا أنهم يحتاجون إلى حليف قوي وإلا أكلهم أعداؤهم، فأسسوا مع رجال من القاعدة حركة التوحيد والجهاد.

هو: إياد أك أغالي. هم: الامهار ومن يدور في فلكهم من مشظوف وتمظانت ونحوهم. كانوا وما يزالون ذوي أموال وتجارات، وكانوا في أمس الحاجة في ظل الفوضى في الإقليم إلى قوة ضاربة تحمي مصالحهم هذه، فدخلوا في تحالف سري مع  عناصر من القاعدة، في نفس الوقت الذي كانوا فيه يتحكمون في الرئيس المالي السابق آمادو توماني تورى، ثم ما لبثوا أن استمالوا الموريتانيين والصحراويين ومواطني دول جنوب الصحراء المنضوين تحت لواء القاعدة، وشكّلوا جميعا التوحيد والجهاد. فيما شكّل شباب آخرون أغلبهم من التوارق الحركة الوطنية لتحرير أزواد، ودعمتهم القيادات التقليدية كالشيخ باب بن سيدي المختار زعيم مجموعة كنته والشيخ انتالَّ بن محمد الطاهر زعيم قبيلة إفوغاس، وآلت زعامة الحركة إلى شاب من قبيلة شمانمّاس التارقية هو بلال أغ الشريف. الأمر الذي لم يَرُقْ لإياد أغ غالي أحد زعماء الخروج المنتظم الذي ما فتئت قبيلة إفوغاس تنتهجه على السلطة في باماكو، فبادر إلى تشكيل أنصار الدين، وانضوى تحت لوائه ابن زعيم إفوغاس النائب البرلماني العباس أغ انتالّ والقياديان الميدانيان الشيخ أَوْسَّ( مخطط عملية لمباره ضد الجيش المالي) وأدايّ ولد ايديده، من بين آخرين. وكان لهذه الحركة بلاء كبير في عملية أكلهوك وفي سقوط قاعدة أمشش ثم سقوط مدينة كيدال سلميا بعد محاصرتها وانسحاب الحجّي أغ غومه منها ثم سقوط مدينة غاوة ثم تنبكتو، أكثر بكثير مما كان لحركة تحرير أزواد. ويعود ذلك إلى تجانس مجموعة أنصار الدين مقارنة مع حركة تحرير أزواد، وإلى إذكاء الدافع الروحي بين عناصرها، وكذلك تمرّس قادتها ميدانيا على صعيد العمل المسلح ضد حكومة باماكو وضد الجماعة السلفية للدعوة والقتال وقبل ذلك ضد إسرائيل في جنوب لبنان وضد تشاد في شريط آوزو، وكذا تمرّسهم في مجال التنظيم السياسي والدعوي؛ إذ لا ننسى أن إياد عضو بارز في جماعة الدعوة والتبليغ، سبق أن نظّم في كيدال مؤتمرا كبيرا لجماعة الدعوة والتبليغ في شهر نوفنبر من سنة 2009م، هذا إضافة إلى تجنّب التهافت على الغنائم والكسب غير المشروع. إلا أن التنسيق الواسع النطاق مع القاعدة جعل من أنصار الدين بعبعا حقيقيا داخل وخارج أزواد، فقد أثار تساؤلات كبيرة حول جملة أمور منها: *ولاء أنصار الدين الوطني: الذي يكاد سكان أزواد يجزمون بأنه يتلوّن حسب مصالح زعيم الجماعة نفسه، ففيما كان ليبيا أيام القذافي تحول ليكون جزائريا، في نفس الوقت الذي يتم الحديث فيه عن علاقات إياد مع أجهزة مخابرات غربية؛ *ولاء أنصار الدين التنظيمي: حيث تحوّل زعيمها إياد 180 درجة من جماعة معروفة بالوداعة والمسالمة بل حتى نبذ الحديث عن المسائل الخلافية في العقائد والفروع هي جماعة الدعوة والتبليغ إلى جماعة تكفيرية جهادية من الدرجة الأولى هي القاعدة؛ *الصراع بين أجيال الحراك الوطني الأزوادي: إذ ينظر بعض المراقبين إلى أن تأسيس إياد لأنصار الدين إنما هي ردة فعل من الجيل السابق على الجيل الحالي الذي يمسك بزمام المبادرة في حركة تحرير أزواد ويحتل مواقعها القيادية؛ *ارتهان قضية أزواد بثلاثية قطبية إذا لم تكن رُباعية هي نفسها مرتهنة بتجاذبات مصالح دول المنطقة والدول الغربية وخاصة فرنسا. هذا، من بين أمور أخرى. أما الرباعية فهي: حركة تحرير أزواد ذات الميول العلمانية، جماعة أنصار الدين المتحالفة مع القاعدة، جماعة التوحيد والجهاد المتحالفة مع عناصر القاعدة الصحراويين والموريتانيين، الجبهة العربية لتحرير أزواد التي تضم أساسا جماعات البرابيش وترمز والقوانين. ولا يبدو أنه قد وعى خطر الحرب على أزواد من بين الناشطين حاليا في الإقليم إلا حركة تحرير أزواد التي تنازلت عن استقلال الإقليم، وجماعة أنصار الدين التي تنازلت مؤخرا عن مطالبها من حيث تطبيق الشريعة. ويُنْظَرُ إلى أنصار الدين على أنها القناة التي ستجري عبرها عملية تمييع القاعدة من خلال استقطاب مَن يريد مِن عناصر القاعدة التوبةَ قبل الغرغرة. أما من الدول فإن موريتانيا والجزائر تعكسان بموقفهما الرافض للحرب قبل استنفاد التفاوض مسؤوليتَهما عن امتداداتهما التاريخية والاجتماعية المتمثلة في عرب وتوارق أزواد؛ إذ أن تدخل آلاف الجنود من دولٍ كنيجيريا وباقي إيكواس لا يعرفون إلا أن الإرهاب ذو لون أبيض هو كارثة ستفضي إلى تصفية عرقية لا هوادة فيها، خاصة إذا ما تم إرسال الحبل على الغارب لعناصر ميليشاتٍ محلية مالية مثل غانداكوي، التي كان عناصرها يتدربون مؤخرا من أجل التدخل عسكريا في الإقليم، والتي سبق أن عاثت فسادا في أزواد أثناء الحرب التي شهدها الإقليم في تسعينيات القرن الماضي. مما يفرض انتهاج خطة تقضي بإشراك علماء الشرع في إقليم أزواد من سونغاي وفُلّان وتوارق وعرب في حملة تحسيسية تستهدف أولا القوة العسكرية التي ستتدخل في الإقليم، كما تستهدف بموازاة ذلك الحركات الناشطة فيه حاليا وسكّان الإقليم الذي نزحوا وسينزحون أيضا تحسّبا لما لا تُحمد عقباه.