د.سناء الشعلان تحاضر في جامعة كولكتا الهنديّة
الزمان ـ قدّمت الأديبة د.سناء الشّعلان محاضرة في قسم اللغة العربيّة والفارسيّة في جامعة كولكتا الهنديّة على هامش استقبالها كضيف شرف على الجامعة،وذلك بعد أن كان لها لقاء علميّ مطوّل مع أعضاء الهيئة التّدريسيّة في قسم اللّغة العربيّة جرى فيه استعراض واقع اللّغة العربيّة،وأهمّ التّحديات التي تواجهها هذه اللّغة.
وقد قّدمت الشّعلان محاضرتها تحت عنوان “كيفيّة تعلّم العربيّة وتعليمها في خضم النزوع إليها والتّحديّات التي تواجهها”،حيث شاركها في تقديم وجهات النّظر كلّ من علماء العرب التاليين: ود.محمد ناصر الدين ميزي،ود.عبد الله فاروق،ود.محمد محبوب الرحمن،ود.ومحمد لي الله من جامعات بنغلاديش،ود.رضوان الرحمن من جامعة جواهر لآل نهرو الهنديّة. وذلك بحضور الأستاذ الدكتور محمد إشارت علي ملا رئيس قسم اللغة العربيّة والفارسيّة،والدكتور أشرف علي،ونخبة من أساتذة القسم،وطلبة الدّراسات العليا فيه.
وقد أدار الندوة طالب الدكتورة عبيد الرحمن البخاري الذي عرّف بالمحاضرين وجهودهم في اللّغة العربيّة، إلى جانب طرح الأسئلة والرؤى على المتحدثين.وذلك بعد أن أُفتتحت المحاضرة بقراءة قرآنية كريمة.
وقد قالت الشعلان في خضم حديثها:” اللغة العربية في محنة حقيقية تقرع طبول الخطر،وتوقد نيران التحذير،وما نتشدّق به آملين من آمال عملاقة تتجسّد في أنّ العربية لغة لا تموت ما هي إلاّ أقاويل الأولين،وأحلام الآخرين،وسذاجة المحدثين،اللغة العربية في خطر حضاري عملاق،لعلّه يكون مأزقها الأكبر،وامتحانها الأصعب،وسؤالها الكبير،وغني عن الذّكر القول إنّ هذه الأزمة لا تنبع من خصوصية اللغة العربية،أو من ذاتها،أو من خصائصها،فاللغة العربية تتوافر على خصائص توليدية واشتقاقية وتركيبية قادرة على أن تتعهدها بالنّماء الأبدي،والتكاثر الطبيعي الحضاري،والتوالد الحرّ الإيجابي ،وهي خصائص يندر أن تتوفّر في غيرها من اللغات من جهة،وتفسّر من جهة أخرى سرّ عبقريتها ونمائها وطول عمرها،ومراهنتنا على قدرتها على الحياة الأبدية إذا ما توفّرت لها الأسباب لذلك،وفضلاً عن أنّها تصوّغ كيف أنّها استطاعتْ أن تكون الناقل الحضاري الوحيد التاريخي والاستراتيجي في أهم حلقات التواصل الإنساني،إبّان نقل العرب والمسلمون حضارة الأمم السابقة إلى العالم بأجمعه عبر مجهوده العملاق في في ترجمة علوم الإنسانية من شتى اللغات إلى العربية لتكون لغةَ الحضارة الجديدة ليس في نقلها وحسب،بل وفي إنتاجها في شتى حقول المعرفة الإنسانية بامتياز وإبداع.
إذن نحن أمام سؤال عملاق عارٍ،نلمح ملامحه الشوهاء بكلّ وضوح،إن لم نغضّ الطّرف عنها عامدين قاصدين،نحن في مواجهة سؤال:لماذا تختنق العربية في هذا الوقت دون غيره؟ ولماذا تتراجع إلى الصّفوف الخلفية في مدارج الحضارة الإنسانيّة،في حين تعلوها لغات أخرى لتحمل صفات العالمية والتواصلية والحوارية والمعلوماتية؟في حين تتراجع اعتبارية اللغة العربية لتصبح لغة أدبية كلاسيكية موروثة ،لاتصلح إلاّ لشعر الحبّ،ولقصص أيام العرب البائدة،بعيداً عن الجديد والمبتكر والحضارة،وفي حين تصبح غيرها من اللغات هي لغات الحضارة،ووثائق الدّخول الدائمة والأكيدة إلى عوالم التواصل والمعرفة والإنتاج في كلّ المعمورة؟ وإخال أنّ جميعكم يعرفون أنّ الإجابة تتموضع خارج اللغة ذاتها،ولكنّها تتجلّى فيها،وتكمن في خارج خصائص اللغة،ولكنّها تتكشّف فيها،وتتمحور في معطيات بعيدة عن ذاتية معطيات اللغة،ولكنّها تنعكس عليها. الإجابة بكلّ وضوح وصراحة وصدق عن هذه الأحجية الملغزةّ تتلخّص في أنّ اللغة العربية أهل لغة قد قعدت لما قعدنا،وقد انثت لمّا انثنيا،وقد تأخّرت لما تأخّرنا،وقد انحزت للصمت؛لأنّ اللغة التي تُنتج الحضارة بها يحق لها أن تتكلم،أمّا اللغة المتطفل أهلها على حضارة غيرهم ،فعليها أن تلزم الصّمت ماشاء أهلها الكسل والتراجع.
ومادمنا نعترف بأنّ تأخرّ حضارتنا قد قعد بلغتنا محزونة منكودة شبه مهجورة،وأطلق لغيرها العنان لتركض في مضمار الحضارة رشيقة تسابق الرّيح والزّمن،فمن واجبنا تجاه هذه اللغة أن نّفكر بحلٍّ أخير لها،وأخال أنّه بعيد عن الآمال العريضة،والأفكار الوردية الدافئة الناعمة ،وهذا الحلّ يكمن فيكم أنتم معلمو اللغة العربية،فأنتم العرّاب الأخير لهذه اللغة.
لا يمكن أنّ نفكّر بامتداد للغة العربية في أيّ إحداثية رأسيّة أو أفقيّة دون أن نعوّل الكثير على المعلم والمعلّمة؛فمن غيرهما قادر على أن يكون حلقة الوصل الممكنة والفاعلة والمؤثّرة التي تستطيع أن تضمن حياة هذه اللغة،وهوية أهلها عبر ديمومة تواصلية تبادلية تفاعلية.
والحق أقول إنّ الحلّ في هذا الشأن ليس وصفة سحرية مضمونة العواقب،ولا هو تمارين سويدية مكرورة معلومة،ولكنّه منظومة من الافتراضات والأوليات والخبرات المتبادلة،والأنساق المجرّبة وغير المجرّبة وصولاً إلى أفضل تمثيل مفترض لفكرة ناجحة، وهي تعليم العربية لأبنائها على صورة سويّة تحقق لهم الكفاية اللغوية،وتحفظ عليهم هويتهم الحضارية،وتؤمّن لهم علاقة وثيقة مع تاريخهم وحضارتهم وموروثهم.
إذن نحن جميعاً لا أنا وحدي في صدد رصد منظومة من الاستراتيجيات التعليمية الكبرى التي تحتمل عدداً غير نهائي من التفريعات من أجل وضع خارطة عملاقة لما يمكن أن يتضافر بعضه مع بعض ليكون حلولاً ممكنة.