أقدم تسجيل موسيقي موريتاني
نشرت جريدة لوماتان الفرنسية (Le matin ) في عددها الصادر يوم 5 يوليو 1900 تقريرا مطولا كتبه المستكشف الفرنسي بول بلانشي (Paul Blanchet)، حول مفاوضات جرت بينه وبين أمير الترارزة أحمد سالم ولد اعلي رحمه الله.
وخلال هذا التقرير الهام جدا ذكر بلانشيه أن الأمير اشترط عليه قبل أن يسمح له بولوج المجال التروزي وهو متجه نحو آدرار مرورا بإينشيري أن ينظم له لقاء خاصا مع الوالي الفرنسي في اندر. سعى بلانشيه لدى السلطات الفرنسية بالسنغال إلى إجراء هذا اللقاء، وقد وصف بلانشيه وصول الأمير إلى اندر حيث تم استقباله في بلدة انجاگو الموريتانية بسبع طلقات ترحيبية قبل أن يحط رحاله في نزل الضيافة باندر. ومن أهم لحظات تقرير بلانشيه ما يتعلق بحرص بالأمير أحمد سالم ولد اعلى على الاستماع إلى آلة الفونوغراف وإلى تسجيل أغاني مطربي الترارزة المصاحبين له في وفده، وكانت مدة التسجيل ساعتين ونصف. يقول التقرير عن هذا الأمر: في 22، وصل (الأمير) إلى انجاگو: خمسون فارسا، تمتطي خيولا أنهكها الهزال، وثلاثة رواحل وبعض الزنوج الراجلين هذا كله الموكب المتواضع للأمير. خرج رجالنا في استعراض للأسلحة والمدفعية الثقيلة المتقدمة على مفرزة اندرْ، تمت تحية الأمير بسبع طلقات. ويبدو أنه كان مرتاحا حين وضع رجله على الأرض، وأخذ مكانه في بيت الضيافة الذي أعددناه له سلفا، ثم سأل أين الصندوق الذي يتكلم”؟ حيث يبدو أن أخبار جهاز تسجيلنا “الفنوغراف” قد وصلت إلى الصحراء! أسمعنا الأميرَ نشيدَ فرنسا الحربي “لاَمَرْسَيَّيْزْ” (La Marseillaise) الرائعة على آلة الفنوغراف النحاسية لكنها لم تثره تماما، فكان لا بد من أن نسمعه الغناء الحربي عند الترارزة (التهيدين) وهو ما جعل الأمير يبتسم كأنه لا يصدق أنه سيستمع إلى “أغاني مطربيه التي ينشدونها له في الحرب”. تم تشغيل الآلة، ومن داخل الصندوق المعدني بدأ صوت يخرج وهو يشدو باللهجة العربية الحسانية ممجدا أفعال محمد الحبيب واعلي العظيمة، أي جد الأمير أحمد سالم ووالده. تحول الحال إلى هذيان، فكل من حول الأمير يتمايلون طربا، ويصيحون، يضحكون، ويضرب بعضهم يد بعض تعبيرا عن الاندهاش. وخلال ساعتين ونصف كان لا بد من الاستمرار لأن أمير الترارزة يريد أن يتم تسجيل أصوات جميع مطربيه الواحد تلو الآخر في الصندوق المعدني، وأن نسمعه بعد ذلك التسجيل الذي وضع داخل “الصندوق”. وعلى أية حال فقد أفدنا موسيقى الترارزة بهذا التوثيق. انتهى كلام بلانشيه. يبقى السؤال المطروح: هل ما زال هذا التسجيل محفوظا؟ وهل يوجد في السنغال أم في فرنسا؟
عن صفحة الباحث سيد احمد ولد الأمير