الثالثة ستكون وبالا عليك / باباه سيد عبد الله
الزمان ـ ينقل ابن حيان فى (روضة العقلاء) عن أبي الهذيل قوله : كنتُ عند يحي بن خالد البرمكي فدخل عليه رجل هندي ومعه مترجم له. فقال المترجم : هذا شاعر أراد مدحكم، فرد يحي بن خالد : لينشد ما لديه. قال الهندي:
أرَهِ أَصَرَهِ كَكَرَا كي كَرِهِ مَنْدَرِهِ فسأل يحي المترجم: ماذا قال الهندي؟ فرد المترجم: إذا المَكارم فى آفاقنا ذكرت *** فإنها بك فيها يضرب المثل
بعد أكثر من اثني عشر قرنا على وفاة يحي بن خالد البرمكي انتحل أحد سكان مدينة النعمة دور الرجل الهندي ودور المترجم فى حضرة رئيس موريتاني، دون مراعاة لأبسط قوانين الملكية الفكرية.
المهم أن الرئيس ابتسم وصفق وبش فى وجه الرجل الموريتاني-الهندي-المترجم، وأضاف إلى ألقابه لقب (أول رئيس موريتاني يُمدح بالهندية).
فهل كان المُلقي يعني ما حكاه؟ وهل كان المُلقَى عليه مدركا أن إسقاط الحادثة التاريخية على حاله كان فال شؤم ونحس؟ بالرغم من أن يحي بن خالد البرمكي كان من أوفر أهل زمانه علما وأدبا وأكثرهم جودا وكياسة وسياسة! صحيح أن يحي كان كاتب ووزير هارون الرشيد ثم انقلب عليه (وكان رئيسنا مرافق و قائد حرس معاوية ولد الطايع وسيدي ولد الشيخ عبد الله ثم انقلب عليهما).
وصحيح أيضا أن يحي شارك فى غزو البيزنطيين ( لكن لم تسِلْ من رئيسنا قطرة دم واحدة فى معركة عسكرية دفاعا عن الوطن- لله الحمد- لكنه أدار – من انواكشوط- عملية لملاحقة الجماعات الإرهابية فى مالي، انقطع فيها الإمداد عن جنودنا وأوشكوا على الهلاك).
وصحيح كذلك أن البرامكة عموما كانوا أهل ترف وبذخ وفساد (فهل قصد “شاعر” النعمة ذمَّ رئيسنا بما يشبه المدح؟).
لكن الأسوأ من كل هذا هو نكبة البرامكة المعروفة،ونهاية يحي بن خالد بالذات: متهما بالزندقة وسوء استخدام السلطة، ومحكوما عليه بالتعذيب والأعمال الشاقة، إلى أن توفي فى السجن.
لن أرهق رئيسنا بقراءة تفاصيل نكبة البرامكة، واهتمامه منصب حاليا على قراءة تقارير “الحوار الوطني الشامل”.
لكنني أريده أن يأخذ العبرة من أمر هارون الرشيد – قبل ألف ومائتين وإحدى وخمسين سنة- لقائد حرسه (مسرور) بإلقاء القبض على يحي البرمكي وكافة أفراد أسرته، وقطع رأس ابنه جعفر، ومصادرة أملاك عائلته ، وما تلا ذلك من فقر وتشريد وعوز، حتى صارت زوجة يحي لا تجد صوف غنم يقيها من البرد، بعد أن كانت تخدمها أربعمائة جارية.
اللهم ألهم رئيسنا الزهد فى المأمورية الثالثة، ويسِّرْ له ترْكَنا وشأننا، قبل فوات الأوان.