فِي الجُزْءِ القَانُونِي مِن نِقَاشِ النَّشِيدِ الوَطَنِي / أحمد عبد الله المصطفى
قرأت وسمعت أشياء مما كتب أو قيل في نقاش النشيد الوطني الدائر منذ فترة، ومنه ما ورد حول مدى قانونية النشيد الوطني الحالي: “كن للإله ناصرا”، بعضه بصيغة نفي تكريس هذا النص بنص قانوني كنشيد وطني لموريتانيا، وبعضه بصيغة التشكيك والتساؤل حول ذلك، وصدر ذلك أحيانا ممن يوثق بهم، فأخترت أن أدلي في هذا الجزء القانوني من النقاش بشيء مما عندي فيه، في نقاط:
1 ـ “كن للإله ناصرا” نشيد وطني لموريتانيا بالقانون: حدثني أحد أماثل ضباط مؤسستنا العسكرية الماجدة السامين، وهو فوق التبريز بمراحل، قبل سنة من الآن أنه شخصيا اطلع على نسخة من نص قانوني يحدد “كن للإله ناصرا” نشيدا وطنيا، والنسخة مصورة من الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية..
وحدث ذلك عندما كان يعمل بالمدرسة الوطنية لمختلف الأسلحة بأطار، وأراد حمل التلاميذ الضباط المتدربين بالمدرسة على ترديد النشيد الوطني أثناء التدريبات بدل أناشيد أخرى، فكان يلزم لذلك صدور مذكرة عمل داخلية به من قيادة المدرسة، وتطلبت تلك المذكرة الإستناد إلى مرجعية قانونية تحدد النشيد الوطني، فبدأ بالبحث عن تلك المرجعية، ورحل في الطلب إلى نواكشوط، وأثناء ذلك اتصل بقائد الأركان الوطنية وقتها العقيد والجنرال لاحقا مولاي ولد بوخريص، الذي أهتم بالموضوع، وبدأ هو نفسه بالبحث عنه، وبعد فترة استدعاه قائد الأركان وحدثه عن العثور بعد جهد على المطلوب، وسلمه نسخة مصورة من نص قانوني يحدد النشيد الوطني الموريتاني، رجع بها إلى المدرسة، وعلى أساسها أصدرت قيادة المدرسة مذكرة داخلية بإلزام تلامذتها الضباط بترديد النشيد الوطني: “كن للإله ناصرا..”..
وإن لم تخني الذاكرة فإن قائد الأركان أخبر محدثي بأنه عثر على نسخة من القانون ـ بعد أن تقطعت به سبل البحث ـ لدى عميد الأدب الشعبي الأستاذ محمدن ولد سيد إبراهيم رحمه الله تعالى، وهنا أؤكد على ضرورة تسلم الدولة لإرشيف العميد محمدن ولد سيد إبراهيم ـ إن لم يكن ذلك قد حصل ـ لأنه يحتوي حسب معلوماتي على وثائق وتسجيلات نادرة من مراحل حساسة من تاريخنا المعاصر.. عند سؤاله عن كيفية الحصول على نسخة من هذا النص ردَّ محدثي، بأنه يُقَدِّر أنه توجد منه نسخة لدى المدرسة الوطنية لمختلف الأسلحة في أطار، وربما لدى قيادة الأركان في نواكشوط، وأنه حسب معرفته بقائد الأركان السابق مولاي ولد بوخريص فقد تكون لديه نسخة منه لإهتمامه بالتوثيق.. لم أسَمِّ محدثي خلافا للمنهج العلمي، ولما أورده الإمام مُسلم في مقدمة صحيحه: “سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُم” لأنه لم يتهيأ لي الآن استئذانه في الرواية عنه، وآملُ أن يتحدث بنفسه عن الموضوع، فقد خرج للتو من سور التحفظ العسكري، وإن كان الحديث في مثله لا يُخرج عن سور التحفظ..
2 ـ خطوات التأسيس لم تكن ارتجالية: الرجال الذين وضعوا قواعد تأسيس الدولة الموريتانية الأولى، كان منهم فنيو قانون، وإداريون متمرسون، ووضعوا تلك القواعد بتمهل وتمعن، ولم تكن خطواتهم ارتجالية مطلقا، ولم يتجاوزوا فرعا من القانون، والمطلع على التاريخ القانوني الموريتاني يحصل له العجب من غناء ذلك التاريخ وشموليته، فكيف لا يحدد النشيد الوطني قانونا؟ والدستور ينص على ذلك، وقد تم تحديد ختم الدولة بقانون، كما تم إصدار مرسوم يحدد أبعاد ومقاسات العلم الوطني ووضع هلاله ونجمته، وغير ذلك من الجزئيات..
وحتى لو قُبل جدلا، إعمالا لبعض الروايات أن اختيار كلمات النشيد أول مرة وقع بشكل عفوي، فإنه لا شك صدر قانون بها تطبيقا للنص الدستوري بعد اعتماده، عَلِمَه من علمه وجهله من جهله.. ولا يقدح في هذا ما وقع من نقاش لموضوع النشيد الوطني في السبعينيات، فالنقاش حول الموضوع قديم، سبق ما كتب في بعض المؤلفات بسنوات، ولم يكن من مبررات النقاش أنه غير مقرر بالقانون، لأن الأمر لو كان كذلك لأرتفع نقاش التغيير، وتحتم على السلطات العمومية إقرار نشيد وطني تطبيقا للنص الدستوري بشكل فوري.. صحيح أن الإرشيف الوطني تعرض في فترات ما لإهمال قاتل، ولعبث ممنهج، وضاع كثير منه، وتلف البعض، وقد يكون عدد الجريدة الرسمية الذي يحوي قانون النشيد من بين ما تلف، وقد لا يكون..
3 ـ الحسم في المسألة ضروري: أعتقد أنه قبل نقاش تغيير النشيد الوطني يتعين الحسم أولا في هذا الجزء القانوني من المسألة، لضرورة ذلك من الناحية القانونية، فإذا كانت كلمات: “كن للإله ناصرا” مقررة قانونا كنشيد وطني لموريتانيا يكون فيه معنى لنقاش تغيير هذا النشيد، لأن الحديث هنا عن مسألة قانونية واقعية، وإذا لم تكن هذه الكلمات مقررة بالقانون كنشيد وطني فإنه لا معنى من الناحية القانونية لنقاش تغيير هذه الكلمات، إذ الواجب في هذه الحالة إصدار قانون بنشيد وطني تنفيذا لنص المادة 8 من الدستور، علاجا للفراغ الحاصل..
وإذا لم يحسم في هذا الجزء، إلى حين إقرار تغيير النشيد الوطني، فستفرض الشكليات القانونية المرعية الحسم في المسألة من جديد، ذلك أن النص القانوني الذي سيصدر به التغيير لا بد أن يصدر بإحدى صيغتين: “قانون يلغي ويحل محل القانون رقم كذا” إذا كان فيه نص سابق يحدد النشيد، أو بصيغة: “قانون رقم كذا يحدد النشيد الوطني” في الحالة المقابلة..ا