القوة الوحيدة التي يعتد بها…/ أحمد ولد الشيخ
بعد الحوار الأخير الذي نظمته الحكومة، دون المعارضة، صادق مجلس الوزراء، في اجتماعه الاسبوعي يوم الخميس الماضي، على مشروع قانون يقضي بتعديل الدستور. سيقضي هذا الإصلاح على مجلس الشيوخ وينشئ مجالس جهوية ويدخل تعديلات دستورية تستهدف “التأكيد على الطابع الوطني” (كما قالوا)، من خلال تغيير النشيد الوطني والعلم. هكذا قرر قائدنا المستنير تأويل المادة 99 من الدستور، متجاهلا البرلمان الذي لن يقول كلمته في هذا الإصلاح الذي يعنيه في المقام الأول.
وتجدر الإشارة إلى أن اتباع الإجراءات حرفيا محفوف بالمخاطر. إن الشيوخ، الذين لا يفوتون فرصة للتعبير عن استيائهم، ما كانوا، بأي حال من الأحوال ليقبلوا بأغلبية الثلثين إصلاحا دستوريا الذي يقضي عليهم. لذا سيقوم ولد عبد العزيز باستفتاء الشعب مباشرة، وهو استفتاء لا يحتاج إليه هو ولا البلاد في الظروف الراهنة. إن الوضع أخطر من ذلك بكثير، وسيكون من الجنون أن نمزق أنفسنا من أجل قصيدة أو لون قطعة من القماش، ولو كانا النشيد أو العلم الوطنيين. وفي الوقت الحالي، توجد حالة الطوارئ في مكان آخر. إن البلاد تسير مدومة والاقتصاد ينزف. وتطلق جميع المؤشرات الإشارة الحمراء، مهما قال ولد اجاي. لقد وصلت الديون رقما قياسيا عالميا. ويثقل كاهل دافع الضرائب بصفة تتجاوز المعقول. ويراوح القطاع الخاص مكانه، وتوجد المؤسسات العمومية في سكرات الموت، ويتردد المستثمرون الأجانب أمام ابتزاز أموالهم. وقد استولى أحد الكارتلات على كل الفرص، ولم تعد قضايا المخدرات استثناء بل أصبحت القاعدة. وصارت الصفقات العمومية الآن حكرا على أقلية صغيرة.
فما هي إذن فائدة الاستفتاء في مثل هذه الظروف؟
وهل سيمكننا من تجاوز العوائق؟
أم هل سيحل الأزمة السياسية التي نتخبط فيها منذ عام 2008؟
لنتخيل للحظة واحدة تنظيم الاستفتاء من جانب واحد والمصادقة على الإصلاحات وتنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية في العام المقبل، في غياب المعارضة مرة أخرى، فما ذا سيغير ذلك من وضعنا الراهن؟ ألا يتوفر ولد عبد العزيز بالفعل على أغلبية مريحة في الجمعية الوطنية؟ وفي نهاية المطاف سنفق بضعة مليارات لتنظيم مشاورات لن تقدمنا قيد أنملة. مليارات كان يمكن، في فترة السنين العجاف الحالية، أن تستخدم لشيء أكثر فائدة بكثير. ألم يكن من الحكمة أن نمتنع عن تنظيم حوار من دون جميع المعارضة، وإجراء استفتاء دون إجماع وطني وانتخابات دون مشاركة الجميع؟ ولكن بهذا الإصرار على سن كل شيء وقيادة كل شيء والأمر بكل شيء، كيف يستطيع مجنوننا الوطني أن يفهم، قريبا من نهاية ولايته الأخيرة، أن “الحكمة هي المرور من تأكيد النفس إلى طمس الذات” (ب. بارتهروت )؟ وأن هذه، في نهاية المطاف، هي القوة الوحيدة التي يعتد بها؟