إلا رسول الله / محمد الأمين ولد الفاضل
مرة أخرى يعود ملف كاتب المقال المسيء إلى الواجهة، ومرة أخرى يتجدد النقاش بين المدونين حول هذا الملف، فهناك من يرى بأن توبة كاتب المقال المسيء تكفي، وبأنه قد آن الأوان لإطلاق سراحه، وهناك من يرى بضرورة الحكم عليه بالإعدام، سواء تاب أو لم يتب، وذلك لأن التوبة لا تنفع المسيء إلا في أخراه، أما في دنياه، فإنها لا تنفعه، فهو في كل الأحوال يستحق القتل على إساءته، إما كفرا أو حدا، ذلك هو ما براه جمهور العلماء مما يعني بأن النقاش قد حسم فقهيا لصالح أصحاب الرأي الثاني.
وبما أن النقاش قد حسم فقهيا فإن التركيز في هذا المقال سيكون على جوانب أخرى غير فقهية، وذلك لتقديم جملة من الإيضاحات التي أرى بأن تقديمها قد أصبح ضروريا للرد على أولئك الذين انتقدوا تنظيم وقفة أمام المحكمة العليا للمطالبة بإعدام كاتب المقال المسيء.
الإيضاح الأول: إنه ليس من الوارد إطلاقا أن لا يتظاهر المدافعون عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة بعد أن أصبح من الواضح بأن هناك تلاعبا بهذا الملف، وهو ما يظهر من خلال عدم تعقيب النيابة على حكم محكمة الاستئناف الصادر بتاريخ (21 ابريل 2016)، وهو الحكم الذي كيف الوقائع على أنها ردة، وهو ما قد يترتب عليه إطلاق سراح كاتب المقال المسيء إن قبلت المحكمة العليا أن تنظر في توبة هذا المسيء. هذا التساهل مع ملف كاتب المقال المسيء كان نتيجة لضغوط دول غربية، ويكفي أن نعلم بأن بعض ممثلي السفارات الغربية كان حاضرا داخل المحكمة، فبأي منطق يقبل منتقدو الوقفة بأن تمارس الدول الغربية الضغط من داخل المحكمة لمناصرة كاتب المقال المسيء، ولا يقبلوا بأن يتظاهر الموريتانيون خارج المحكمة لمناصرة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام؟ الإيضاح الثاني : إن الغرب الذي يحارب الإسلام بوسائل وأساليب في غاية المكر هو الذي يضغط الآن من أجل إطلاق سراح كاتب المقال المسيء، وعندما يتم إطلاق سراح كاتب المقال المسيء فإن الدول الغربية ستمنحه حق اللجوء في بلدانها، وستجعل منه بطلا ورمزا، وستستقبله في أراضيها استقبال الأبطال، وستمنحه أرفع الأوسمة وأغلى الميداليات، وستفتح له القنوات والجرائد والمواقع لتسويق إساءته. وبطبيعة الحال فإن ذلك سيغري بعض ضعاف العقول في بلادنا، وسيجعلهم يقلدون كاتب المقال المسيء حتى يحصلوا على ما حصل هو عليه من امتيازات ومن حظوة في بلاد الغرب، وحينها سنتأكد بأن تساهل القضاء الموريتاني في هذا الملف قد أوقعنا في ورطة كبيرة. الإيضاح الثالث: إن التساهل في هذا الملف، ومع افتراض أن كاتب المقال المسيء سيبقى في البلاد من بعد إطلاق سراحه، قد يوقعنا في نفس الأخطاء التي وقع فيها القضاء الأردني الذي أطلق سراح مسيء بكفالة مالية، وبعد أسبوعين من إطلاق سراح ذلك المسيء تم قتله أمام قصر العدل في عمان. إن تساهل القضاء في مثل هذا النوع من الملفات قد يجعل البعض يقوم بتصرف طائش، ومن هنا تبرز أهمية الضغط الشعبي حتى لا يتساهل القضاء في هذا الملف. الإيضاح الرابع: إنه لا يليق بنا كمسلمين أن نتظاهر ضد غلاء الأسعار أو ضد البطالة أو نتظاهر للتضامن مع هذا الناشط أو ذاك ثم نغيب من بعد ذلك عن وقفة يتيمة للدفاع عن عرض خير البرية عليه أفضل الصلاة والسلام. الإيضاح الخامس : لقد تحول بعض المدونين والنشطاء الحقوقيين إلى وعاظ في أيامنا هذه، ولقد حاول “الوعاظ الجدد” أن يقدموا لنا دروسا في سماحة الإسلام وفي حسن تعامله مع المسيئين وفي ترحيبه بتوبة التائبين. اللافت في الأمر أن الكثير من هؤلاء كان قد لزم الصمت من قبل أن نسمع عن توبة المسيء، فهم لم ينددوا أصلا بالمقال المسيء، ولذلك فإنهم غير مؤهلين ـ لا أخلاقيا ولا دينيا ـ لأن يقدموا لنا الدروس الدينية في كيفية التعامل مع هذا الملف. إن على هؤلاء أن يعلموا بأن أسمى حقوقنا كمسلمين هو الدفاع عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يدافع عن حق نبينا ولا عن عرضه فإنه لن يدافع عن حق آخر من حقوقنا. على المنظمات الحقوقية المدافعة عن كاتب المقال المسيء، وعلى من يدعمها من “الوعاظ الجدد” أن لا ينسى بأن هذه المنظمات لم تصدر أي بيان يندد بالمقال المسيء، وهي من قبل ذلك لم تندد بالمجزرة التي تعرض لها عدد من الدعاة الموريتانيين في مالي يوم 9 سبتمبر 2012، وذلك على الرغم من أن منظمة عالمية كهيومن رايتس ووتش نددت بالمجزرة ووصفتها بالعمل الفظيع. إن مثل هذه المنظمات التي ليس في سجلها أي بيان مدافع عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم، والتي لم تتعاطف مع الدعاة الذين قتلوا في مالي ببيان من سطر أو سطرين، والتي كانت قد رحبت بحرب فرنسا في مالي وطلبت حينها من الحكومة والشعب الموريتاني الانضمام إلى فرنسا في حربها ضد ما سمته تلك المنظمات بالسلفية الجديدة وبمشروعها التعريبي الغادر، إن مثل هذه المنظمات ليس بالمؤهلة لأن تقدم لنا اليوم فتاوى إسلامية في كيفية التعامل مع كاتب المقال المسيء. الإيضاح السادس : لقد حاول بعض المدونين أن يرفع راية استقلال القضاء، ولقد أصدر بعضهم “فتاوى قانونية” بأنه لا يجوز التظاهر أمام المحاكم حتى لا يؤثر ذلك على الأحكام الصادرة عنها. الطريف في الأمر أن أصحاب هذه الفتاوى هم أكثر الناس تظاهرا أمام القضاء وفي ملفات هي أقل أهمية من ملف كاتب المقال المسيء. إن صدور مثل هذه الفتاوى القانونية من مثل أولئك في مثل هذا التوقيت لا يمكن تفسيره إلا في إطار مناصرة غير معلنة لكاتب المقال المسيء. الإيضاح السابع: لا خلاف على أن هناك من حاول في فترة سابقة أن يستغل مثل هذه الاحتجاجات، وأن ينحرف بها عن مسارها الذي حدد لها أصلا، ولكن لا خلاف أيضا على أن مناصري رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعلموا من أخطاء الماضي، ولم يعد اليوم بإمكان أي كان أن ينحرف بأنشطتهم في غير الاتجاه الذي حدد لها أصلا، والمتمثل في الضغط السلمي من أجل تنفيذ حكم الله في كاتب المقال المسيء. لقد كانت وقفة الثلاثاء 15 نوفمبر 2016 وقفة ناجحة من حيث عدد الحضور، ومن حيث مستوى التنظيم، وكذلك على مستوى الشعارات والخطاب، وذلك على الرغم من ضيق الوقت. هذا عن وقفة 15 نوفمبر، أما عن وقفة 20 دجمبر فإن كل الدلائل تشير بأنها ستكون ـ بإذن الله ـ وقفة غير مسبوقة في تاريخ هذه البلاد. حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضل