حين “تنزع البركة” لا ينفع الكثير!
من الشائع أن يستدل الخبراء والكتاب على تخلف بلد ما؛ وصعوبة رغد العيش فيه، فضلا عن الاستثمار، بتكرر انقطاعات الكهرباء، وعدم إمكانية الاعتماد على خدماتها.
إذا كان البعض يتساءلون عن فائدة خط كهرباء “ماننتالي” فقد عرفنا أنها إلقاء اللوم عليه وتحميله مسؤولية الانقطاعات الكهربائية القاطنة في نواكشوط.
نعم أيها السادة، المسؤول عن مشكلة انقطاعات الكهرباء المزمنة في نواكشوط، ليس شركة “صوملك”، ولا حتى الدولة الموريتانية مسئولة عنها!. بل المسئولية تقع على دولة مالي أو سنغال؛ التي نصدر لها الكهرباء فتقطعها عنا بواسطة خط ماننتالي “المسحور”!
حسنا. ترى شركة “صوملك” أن هذه الاتهامات “الرسمية” تنقصها اللياقة الدبلوماسية، ولذلك قرر المتحدث باسم الشركة أن المسئول عن قطع الكهرباء ـ بواسطة خط ماننتالي طبعا ـ هو شجرة… شجرة معادية للوطن كالمعارضة أو أشد مكرا!
لا أدري كم مواطنا الليلة الماضية في نواكشوط عانى من ارتفاع الضغط والحموضة والكآبة… بسبب سماع المغالطات والتناقضات الفاضحة التي تفضل بها السيد مستشار المدير العام لـ”صوملك”؛ ذلك المدير العام الذي هو أعظم من أن يخاطب بشخصه الكريم مواطنين يائسين تمتص “مصالح” شركته الفاشلة ما لديهم من دماء الحياة وماء الكرامة…
وقد قدمت قناة “الموريتانية” تصريحات المستشار، كما تقدم إعلانا تجاريا مدفوع الثمن مع “الإكراميات”!.
المستشار، ألقى باللوم في انقطاعات يوم السبت على شجرة؛ ولكنه لم يجد شجرة ولا “بعرة” يلقي عليها بمسؤولية انقطاعات يوم الأحد… مع أن سببهما كالعادة واحد هو خط “ماننتالي” اللعين! الذي قال إنه يخرب شبكة نواكشوط باستمرار ويوقف محطاتها العملاقة؛ ولكن لا يمكن استغناؤها عنه، حسب فلسفته؛ مع أن محطة واحدة من محطاتها الخمس تكفي المدينة كلها وتزيد!!
إنها نفس الأغنية التي حفظناها مرات من خطابات فخامة الرئيس: لدينا فائض كبير من الكهرباء…! هناك خمس محطات لإنتاج الطاقة، من كافة مصادرها، في نواكشوط؛ واحدة منها طاقتها تكفي لسد جميع حاجيات المدينة!
لكن يبدو أن “البركة” منزوعة كليا من هذه المحطات… وإلا لما ظلت الكهرباء بنفس الرداءة والانقطاع الذي كانت عليه، أو قريبة منه، أيام “المحطة الحرارية” اليتيمة في عرفات!
ولأن سعادة المستشار “يَجري وحده” كما يقال، فقد كان يجول ويصول في مغالطاته حتى الهذيان. فقد كرر مثلا أن ضرر تعطل خط “ماننتالي المشؤوم” هو مجرد إغلاق (إطفاء) محطات نواكشوط، كإجراء أمني؛ ومن ثم يتم إعادة تشغيلها “فورا”.
لكن الساعات الطويلة، والاضطراب وتعاقب الانقطاع والاتصال المهلك للتيار الكهربائي، تفضح تلك “الفورية” و”التلقائية” والمصادر الاحتياطية… التي يتحدث الرجل بكبرياء عن وجودها…!!
تمنيت أن يُنطق الله طفل القناة “الموريتانية” الذي يقابل الرجل ويظن أنه يستجوبه ليقول له ببساطة: سعادة المستشار: الواقع أن التيار ينقطع ويختفي في كل مكان… ينقطع باستمرار، يا سيدي، كما كان دائما؛ فما هي فائدة موفور الطاقة وتصديرها… إن لم يكن الفخر بالخيبة والفشل؟!
في الحقيقة، لا يمتري أحد في وجود محطات كبيرة حديثة للطاقة في نواكشوط ومن كل المصادر؛ ولا شك أنها مهمة ومكلفة.
ولكن هذا ـ أيها العقلاء ـ دليل ما بعده بيان على الفشل والعجز والفساد؛ إن كان حقا الهدف من هذه المحطات هو توفير الطاقة… أما إن كان الهدف هو اتخاذها متاحف لتجميد “الطاقات”، وترقيص السلطة السياسية، فهي تؤدي عملها على أحسن وجه!
بقي المشجب التقليدي الذي تتذرع به الشركة والسلطات دائما: وهو رداءة شبكة التوزيع. وكأن “ماننتالي” أو الشيطان… هو المسؤول عن إنشاء وإصلاح وصيانة شبكة توزيع الكهرباء في نواكشوط…؟!
إن من الحماقة أن تُستثمر هذه الأموال الطائلة وتوظف هذه الجهود الهائلة في إنشاء محطات الإنتاج الوفير من الكهرباء للسماء فقط، دون أن يوظف بعضها أصلا في إنشاء أو إصلاح شبكات التوزيع؛ خاصة أن المسئولين يكررون باستمرار أن إنتاج هذه المحطات يفوق بأضعاف مضاعفة حاجيات المدينة… وهذا في حد ذاته يتضمن شبهة فساد واضحة أو هدرا غير مبرر. فجميع هذه المحطات التي تعمل في نفس الوقت، ستهلك في نفس الوقت تقريبا… ومن الأولى ـ إن كانت حقا كما يقولون ـ أن توجه الجهود والاستثمارات المبذولة في الزائد منها على الحاجة الفعلية، إلى سد ثغرات كبيرة وستر عورات كثيرة في القطاعات الحيوية الأخرى لحياة المواطنين… ومنها توفير الكهرباء لهم “جميعا” ـ يا لها من طرفة! ـ دون انقطاع ولا إزعاج!!!
القاعدة العامة الثابتة هنا هي أن المستهلكين لا يستحقون إلا القطع والكسع، ولكن بصورة مفاجئة! كما أن شركة الكهرباء الحكومية لا تخطئ أبدا ولا تقصر… وإنما تتعرض لمؤامرات أجنبية عبر خط ماننتالي الخطير… مرة شجرة، ومرة تعبئة خزان وقود المحطة من صهريج ماء بدلا من الديزل (ربما لأن الماء أرخص ثمنا!)، ومرة جرافة جانحة تنبش كابلات الشبكة… ومرات كثيرة: صمت مطبق، وظلام وظلمات!!
بقلم/ م. محفوظ ولد أحمد
