قراءة في رواية “مسافات وأوحال” للروائي محمد ولد گـواد
بقلم عبيد إميجن / اعلامي
إذا نظرنا الآن إلى الوراء، فإنه بالإمكان أن نجـد من يجيـد التحدث عـن الاجواء الحالمـة ويروى للناس بكثافة قيم “الفضيلة” و”الخير” باعتبارهما قيم سادت ضمن عوالم ماضية، أو أنها مشتركـة بين مجتمعات سحيقة او ممتدة، وعلى الأصح ما يود الأدب ايصاله الينا من لوحات ورديـة عن مجتمعاتنا يستجيب فيه الى ميول الافراد الدائمة إلى رفض كل ما هو “قبيـح”.
وأعتقد أن الأدب في أغلب أجناسـه استطاع أن يفتـح أعيننا على العالم الذي نعيش فيـه لكنـه قصـر كثيرا في امدادنا بالقراءات النقديـة لموروثنا القيمي المستمر أو في رصـد التراتبية الاجتماعية ومساوئها فقـد كانت القصائـد تبريرية وممجدة للمجتمع ومصقولة بشكل مفتعل وأحيانا يكون متعمدا فالـ”القبـح” و”الرذيلة” هما قيمتان أوجدتهما “المدينة” وقيـم الليبرالية الحديثة؛ مما يستوجب مراقبة المجتمع المعاصـر والعمـل على ربطه بالأشياء الجميلة كما تركها لنا الأولون!.
بالنسبـة لنا؛ يحتفظ النقد بخاصيـة صقل الصور الملتقطـة من زوايا مختلفـة وبعيون عدسات متنوعـة، وتكمن أهمية النقاد في رمـي الصور التي من شأنها أن تفسد واقعية الذوق العام أو تتعمد اخفاء القمامة المركونة بجانب الزوايـا التي تتناول العادات والتقاليـد وتضع محلها المناظر الخيالية والجمالية الجذابة؛ ومع كل ذلك فثمة أعمال أدبيـة عمـد اصحابها الى الملاحظة الموضوعية للأشخاص والمجتمع، وأقل ما يمكن أن نقول حولها أنها تمثـل محاولة جريئة لمن يود تقديم صورة واضحـة عن المجتمع، دون ادخال رتوش أو ماكياج تجميلي. وفـي مقابل هؤلاء نجد من لا يكلف نفسه مهمة تنظيف واقعية الحياة في موريتانيا حيث يكاد “الشـر” يسيطـر على نقيضه. وأعتقـد أنه منذ بروز فـن الروايـة في حقبة السبعينيات من القرن العشرين وهـو يسعـى جاهدا إلى إبراز واقـع المجتمع ومراقبـة فعل أفراده وارتباط ذلك بالقيـم الدينية والمجتمعية المتاحة والسائـدة، ومن ذلك رواية “القبر المجهول” و”الأسماء المتغيـرة” لصاحبهما الشاعر أحمدو ولد عبد القادر والرواية الأكثر جدة وحداثة “مدينـة الرياح” للفيلسوف موسـى ولد أبنو ويمكنني أن اضيف هذه القراءة التي تعني بروايـة “مسافات وأوحال”؟.
تيمة الرواية وانفتاح متنها على عوالم وجوديـة وواقعيـة في ارتباط الذات بالآخر ليست بغريبة على الكاتب محمد ولد گواد، القادم من تخـوم الشـرق الموريتاني، الذي تطبع ميزات فريـدة أهله فإلى جانب التناقض الفاحش في القيم المجتمعيـة نجد الجمود الطبقي و التفاصل اللوني والتعايش العرقي وتقديس الأفراد وهوان آخرون! مع كل ذلك يقرر الجميـع المضـي في تناغـم فريـد ففـي أعرشـة “آدْوَابًة” يتساكـن الجميـع بالرغم من اختلاف أعراقهم وألوانهم وأصولهم وقــد يختلط الغريب بمجتمع الريف فيضيـع بين تلك الأصول والمنازل دون أن يكون له حظ في النهاية، وهذا ما تضج بـه فصول باكورة الروائي محمد ولد گواد: “مسافات وأوحال” (الطبعة الاولى 2015) الصادرة عن دار النشر مكتبة القرنين.
تسعى رواية “مسافات وأوحال” الـى طــرح علاقـة الفرد بمجتمعـه وصراعـه من أجل الاندماج والفكاك من أحكام قيمية عتيـدة وعصية على الانزياح، فبطـل الروايـة يسعـى الى حمل القارئ الى مسرح حياته في القريـة ارضاء لفضوله ورغبته في التعرف على محفوظ ولد أهْلُ، الذي ولـد في مدينة كِيفًه أو “على الأصح في بوادي “كِيفًه” حيث الريف؛ من أم بنت لعجوزين حكمت عليها الأقدار بإنجابي من أب غير معروف، أحدهم أغراها إلى أن استسلمت، ثم قادها بقلب جامد إلى جحيم الخطيئة…”. إنه شخصيـة بائسـة بدايـة من حياتها في منزل الجدين وصولا الى بيت الخال الذي كانت تتعرض داخله لشتـى انواع المعاملة السيئة جدا، وعندما كبر أصبح مريبا وجوده في منزل خاله المتسـم بالسلبيـة وتعيـد الرواية قلـق زوجة الخال الى العلاقـة العاصفـة التي ستجمـع ابنتها “زينب” مـع ابن عمتها “محفوظ”.. إنه الحب كما قرأنا في قصص العذال!.
تدور أحداث هذا الجزء في المدينـة بحيث تتطرق للعديـد من القضايا الاجتماعيـة التي أعقبت انشاء الدولـة وقيام مجتمعات ارستقراطيـة يتغذى أفرادها على ريع المال الحكومـي..، وهكذا تتسم شخصية الأم بالأنانيـة وحبها الزائد للنفوذ والمال وهـي في ذلك تستغل شخصية زوجها الذي لم يكن سوى خال لبطل الرواية؛ أما شخصيـة محفوظ فدائما ما تقلب الأمـور ضـدها لدرجـة يجد فيها نفسه نافرة من مجتمعه المتناقض حد النفاق واستسهال الخداع، فما كان منه إلا أن يلجأ الى توعد المتورطين في حرمانه من حبيبته “زينب”، ثم الانتقام من المجتمع بصفة أعم حيث طارد كل من تسبب له في أذية أو وقف في طريقه فكان أمله الوحيـد ان يرى اعداءه وهـم يرفلون في ثوب الخطيئة والإثم. قد تكون هذه التجربة التي يعالجها ولد گواد، معروفة جدا وطبيعية جدا، ولا جديـد فيها، سـوى أن “زينب” يستمـر حبها لمحفوظ في الأعماق بينما يواصلان تدميـر نفسيهما ومن حولهما نتاج هذا الحب حتى اللحظة الاخيرة.
تنتهي الروايـة، بنبـرة تصالحيـة فبالإضافـة إلـى عملية التفريق بين أبطال الرواية وتزويـج “زينب” من شخص أدمن إهانتها وأذيتها بسبب قلبها الذي لم يكـن له ومشاعرها التي بقيت حكرا على حبيبها مما يدفعها لقتله بعدما انجب منها ابنا،(….) وهنا يتدخـل محفوظ ليتحمل وزر فعلـة محبوبته أمام المحكمـة وفي السجــن تعود زينب لتتزوج من حبيبها ســرا قبـل ان يفصــل بين العشيقين والى الأبـد شبح المنيـة..!
“آه ألن نتخلص من هذا المجرم؟ قال الولد بنفاذ صبر، ثم أردف في شماتة ليته كان قد مات قبل أن يصل إلى المستشفى ! شعرت بالاستفزاز ، هممت بالصراخ، لكنني آثرت الاحتجاج بشكـل آخر” تقول زينب عندما اصطحبت ابنها لمعايدة محفوظ في المستشفى، فتجد محبوبها وقد مات بعدما أبر يمينه بنجاة محبوبته من حبل المشنقـة ومن خطيئة “الغدر بزوجها” لكنها تكتشف أن له أولادا وزوجـة فيتولد لديها شعور خفي وعاطفة جياشـة تجاههم.
كلما قرأ المتلقي رواية محمد ولد گواد التـي تحوي خمس فصول (أوحال) سيكتشف أنه يصرف وقته في التنقـل ما بيــن السرد الروائي الواقعي والأدب الرومانسي العفيف، ما بين التفاصيـل الدقيقـة والمملة احيانا للحياة الاجتماعية بوصفها حركة ديناميكية، وفكــ شفرات التراكم القيمي الملتصق بالواقـع والمضامين الدرامية للصراع داخل المجتمع وسيستمتع القارئ المُمَحص والمحقق بصور لمجتمع الريف الموريتاني بشكل بعيـد تمام البعـد عن التشويه، حيث تمتاز فصول (أوحال) الرواية بالسـرد المطول في اطار شيق وممتع، وهــي تشد القارئ لمتابعة احداثها وصورها المجازية الكثيرة، وحواراتها المخضبة بقاموس المجتمع الحساني وجمله المعبرة والمأثورة واستحضار الحركة النضالية المعاصـرة من أجل التعبيـر عن بعض المواقف والأحداث التي طبعت قسمات وحقب هذا المجتمع فنجـد الراوي الذي يمكن أن يكون هو المجتمع نفسـه ينتقل بيـن توجع الشاعر “محمود مَسُومًة[s1] “، وتطلعات المناضلين في حركـة “الْحُرْ[s2] ” التي يمكننا رصدها بشكل مباشر في الحوار أو عبر شخصيات الرواية وخاصة “أزْوَينْ” ونضال المجتمع الحديث من اجل الالتحاق بآفاق التقدم الذي وصلت له البشرية وهـو ما يرمز اليه الكاتب بالظاهرة الحزبية ومظاهر الديمقراطية وإن كانت لا تزال عصيـة على التوطين في مجتمع لم يألف المساواة بين أفراده ولـم يرمي بعد قيم الجماعة/ القبيلة، يتضـح هذا الجانب بشكل مباشـر في اكثر من مكان من النص ونلمس ذلك على لســان أحد شخـصيات الرواية :|”الدنيا لم تتغير الى ذلك الحد الذي يتصورانه، فمنازل الناس ما زالت هي منازلهم، ولا ينبغـي القفز على تلك الحقيقـة..!”.
وهنا تتكشف جوانب أخرى للروايـة التي تدور أحداثها داخل قرية “أَدَبَايْ” تقـع على الحدود الموريتانية الشرقية مع دولة مالي، وفي أفق هذا المكان ينفعـل الكاتب وهو يباشــر رؤى مجتمعه المتصارعة والمتباينة حول مفاهيم عديدة كالحق ونقيضه والحرية وعكسها والقوة وسالبها؛ فتردنا تباعا الصور الاجتماعية السلبيـة العديدة والتـي من بيـنها الفتاة “أم العبيـد” والتي ينم اسمها عن المسمى المراد توصيله (كانت “أم العبيد” في السادسـة عشـرة من عمرها، وحينها حبلت الفتاة كما تحبل أي بهيمة من بهائم “عَرْبِيهًا[s3] “..).
يستخدم الكاتب القاموسي الشعبي حيث يدرك الناس الاشياء بأضدادها وغالبا ما تستعمل لغـة تشبيه المسلكيات بما تتعرض له الحيوانات من قسـوة وهـو يكمل الصورة بشكل أكثر دراماتيكية عندما يصف لحظة مجيء المخاض لأم العبيد؛ فأسلمت نفسها “لآلام الطلق وتهاويله المريعة، وناضلت مستنفرة جماع غريزة أمومتها، إلى أن وضعت مولودها بعد طول معاناة وعذاب، وعمدت حين التقطت أنفاسها واستعادت بعض قواها، إلى لف مولودها في خرقـة قديمة كانت العجوز قد زودتها بها لكنها كانت مضطرة لتركه، والتحامل على وهنها، لترد الغنم ولتجلب قربتها التي كانت تعلقها على ظهر أحد الكباش …” عند عودة هذه الأم العزباء الى الشجرة كان جنينها يقاوم بين فكي الضبع الضاري، وعندما خرجت من الصدمة كانت تتردى في عتمة الجنون..!؟
رواية “مسافات وأوحال” هي تسجيل حي وأمين للمجتمع الريفي والقروي “آدْوَابًة” تحديدا حيث يعاش صراع المزارع الى جانب رعاة الماشية، وإرضاء غرور وحبور أعيان القبيلة بقرع أيادي أتباعهـم لطبول وحيث يستمتع هؤلاء بأهازيج القطيـع وهـو يسيـر منضبطا أسفل الهرم القبلي؛… والرواية تمتلئ بالصور الدالة على المسافات الفاصلة بين الواقع والطموح ، والمعاش والجموح الحالم، بين الخير والشـر، .. في معمان هذه الأوحال التي رسمت معالم المجتمع الريفي يبرز “أزْوَيْنْ” شخصية رافضـة وثائرة حد السذاجـة أحيانا واستسهال معركته أحايين أخرى.. إنه يخوض في سبيل انعتاق مجتمع العبيد وطبقات الكادحين حربا لا هوادة فيها تارة ضد الدولـة وأخرى في وجه الأعيان وعملائهما وبيـن ثنايا معاركـه يرد التساؤل الحزيـن واليائس:” ترى ما ذا علينا أن نفعـل حتى يقبل بنا هؤلاء، وفي حالة ما إذا لجوا، فكم سيطول بنا المسير معا؟”
والسؤال فارق في حوار النص ومتنه وهـو ينم عن حيـرة ترتبط بالانتماء من عدمه؟ والخصائص الاجتماعية والنفسية لصاحبه؟.
هذه الأسئلة يجيب عليها ماضي “أزْوَيْنْ” حيث قيدت معصميه اغلال الاسترقاق “كان أَزْوَيْنْ طفلا صغيرا عندما فرت أمه ذات فجر حزين، ناجيـة بنفسها من القهر والبطش… وتركته وأخته وحيديـن يقاسيـان” العذاب والهوان على يد سيدهما.
في العام 1862 صدرت بفرنسا روايـة البؤساء لفيكتور هوجو وهي أشهر الروايات في القرن التاسـع عشـر بحيث وصفت “ان العادات والتقاليـد في فرنسـا خلقت ظرفا اجتماعيا يعد بمثابة جحيم بشري..”، ولتقريب الصـورة يمكنني تشبيـه السيـد “أَزْوَيْنْ” وهو احدى الشخصيات المركزيـة في رواية “مسافات وأوحال” بالموسييه جان فالجان Jean Valjean، إنهما يشتركان في اقتراف عدد من الأخطاء و وحـل الحرمان بحيث يظلان كالشمعة التي تضيء لتعطي النور للآخرين، دون أن تدركهما نفس النهايات!.. فهل أرد محمد ولد گواد أن يرســم لنا عن طريق شخصيـة “أَزْوَيْنْ” لوحـة مأساويـة من شقاء طبقة لَحْرَاطِيـنْ اللذين ما انفكت الحريـة تغالبهم ويطاردونها دون ادراك؟.
رواية مسافات وأوحال تحمل بين طيات صفحاتها الـ521 أحداثا واقعية الى حد بعيد و حوارات شيقـة تدور بين ابطالها .. فبكلمات ليست غريبة عليك كقارئ..، وحوار سهل و بسيط دون اخلال بالفن الروائي المعتاد ولكنه ينقل لك ما تسمعه و تقوله يوميا في مجالس المجتمع.. ستجد ان الايقاع السردي يشبه ما يمكن ان تسميه بغنائية البوح، حيث الكشف عن الوجدان والتعبير عن الانفعالات لشخصيات الرواية المحسوسة والمدركة بحيث ستتوقع أنك عشت أحداث الرواية أو تفاعلت في بعض جزئياتها.
وعلى غرار الأدب الواقعـي فإن الكاتب غالبا ما يوظف الصـور الرمزية المحسوسـة للتوكيـد وتقريب أحاسيسه وأفكاره ككاتب للرواية ومن ذلك دلالات ايراده لبعض أعلام الشعر (لغْنَ) الحسانـي كمحمود مَسُومَه، الذي يحتفي بمفرداته أبطال الرواية وكأنه الاداة التي تكشف تأثير القيم الطبقيـة على اتجاهات وسلوكيات مفتقدي الحريـة..! عانـى محمود مَسُومًة في جيله من العَبُودية والتعرض للقمـع من قبل أسياده فانطوى على نفسـه وكتم حبه لسيدته فاختار الانسحاب من معركـته الوجدانية دون خسائر وانتمى إلى دنيا الأحلام والتقلب بين اليأس والأمل، وتضج أشعاره باستسهال فسخ شخصيته (الهوية) وانغماس ذاته في مجتمع الأسياد..!، فهل كان الروائي محمد ولد گواد يدرك حقا القيمة الدلالية وليست الأدبية لشخصية محمود مَسُومَة وبأن الـأخير لم يكن ليتورط في الثورة يوما من اجل التحرر من القيـود التي تكبله كإنسان وانما بارك الرضـوخ الذي يرفضـه “أزْوَيْنْ” والهروب من الواقع الذي إنقلب عليه بطل الرواية “محفوظ”. وقد يخفف من ذلك اعتبار الكاتب الشاعر المذكور احدى الشخصيات الخيالية التي تم رسمها لهدف او غرض ما..!، تماما كما رسـم هــو شخصيـة “طَالَبْنَ”! وهي امور كلها ممكنـة وواردة.
هنالك؛ أيضا اهتماما بينا بتوظيف المكان فالكاتب يعيش في الوادي، وهنالك تتجه الرواية الى تعريـة الحياة الاجتماعيـة، قبل ان تكشف في الآن نفسه عن دور الجغرافيا في رسـم العادات والتقاليد والطقوس..، فبطــل الروايـة ضائع في المكان كما هو تائه في أصولـه، وسكان الريف ليس لهـم موقع او استقرار فهـم أيضا رحل بين موريتانيا ومالي وكأن الكاتب يود أن يعيدنا – دون مباشـرة مخلة- للجدل الدائـر في بلاده حول الهويـة والجذور، والناس في موريتانيا منقسمون بشأنهما.
يشـد الحنين بطل الروايـة – وقـد يتحول في نفس الوقت الى الراوي- للعودة من الكوت ديفوار إلى وطنه الذى غادره مضطرا فيجد “زينب” وقـد انغمست في وحـل جريمة قتل زوجها، وخلال عودته هـذه يتكشف للناس ما كان مستورا وخافيا، من هويته المخبأة وراء شخصيته غير المتزنة. يسـرد الرواي، ونعرف نحـن معه، قصـة “محفوظ” كاملة، من بدايات الفصول (الأوحال) وعندما يترك “أَدَبَايْ” فجأة، يتداول أعيان القبيلة وذوات “أدباي” أخبار نهايـة زعامته فيحس القاريء أن بطـل الرواية كان مغموطا على حياته وبأنه ترك فراغا بعد أن كان الاكثـر قدرة على لجم هؤلاء عن اتباعهم من المعدمين، … ومـع أن محفوظا يقرر الذهاب من أجل تخليص محبوبته فإنه لا يعـود فعلا.
من المعروف أن الروايـة، إنما تعتمد بشكل عام على بنيتها اللغوية الدالة،.. وفي هذا النص الذي بين أيدينا تراوح اللغـة ما بيـن لغـة الرواية التقليدية وبساطتها الى السـرد وما يكمن فيه من تشبيهات واستعارات يحيا بها الناس العاديون ويتداولونها وتشكل جزءا من حديثهم اليومي، والمونلوج الداخلي وتعقيداته الإيحائيـة..
باستخدام ضمير المتكلم؛ نعلم كل شيء عن تلك العائلة العريقة التي ينحدر منها “محفوظ”، ونتعرف على اللعنة التي أصابتها، نتيجة ما اقترفه أمه من إثم في حق ذويها. يتتبع الكاتب مســار تلك العائلة المحافظـة، ومن خلال هذا التتبع نتعرف على تاريخها كأسـرة شريفـة نسبا، ومع محوريـة أدوار شخصيات عائلة “محفوظ” الا ان الكاتب يتخلص من أفرادها الواحـد تلو الآخر، فيموتون جميعا ويعقبهم رحيل “محفوظ” فهل يعني ذلك رحيــل الأصالة والجذور؟ أم أن العار كفيـل بجعل الجميع يعيش السلبيـة والمغادرة والانغماس في أوحال الرواية؟!!.