د.سناء الشّعلان في احتفال في اليوم العالمي للغة العربيّة تقدّم الموهبة أحمد سمور للمشهد الأدبيّ العربيّ
الزمان ـ في العاصمة الأردنيّة عمان حاضرت الأديبة د.سناء الشعلان الأديبة الأردنية من أصول فلسطينيّة في ندوة احتفاليّة باليوم العالمي للغة العربيّة برعاية من رابطة الإبداع من أجل السّلام التي مقرّها في لندن،ومنظمة السّلام والصّداقة التي مقرّها في مملكة الدّنمارك.وقد تصدّرت الندوة قراءة الفاتحة على فقيد العربيّة الدكتور الأردني بلال كمال رشيد الذي وافته المنية قبل أيام،ثم بعد ذلك قدّمت الشّعلان المعاني التي نستحضرها في يوم اللغة العربيّة بوصفها تمثيلاً لحضاراتنا ولحمتنا وعروبتنا وتواصلنا وعلاقتنا بتاريخنا ونافذتنا على التّواصل مع البشريّة جمعاء.
وذكرت الشّعلان إنّها قرّرت أن تقدم لقرائها ومحبيها وللمشهد الإبداعيّ العربيّ موهبة جديدة واعدة ضمن اهتمامها الخاصّ بالمواهب المميزة التي تكتب بالعربيّة أكانوا عرباً أم غير عرب طالما وحدتهم العربيّة؛فالعروبة كما تقول هي لسان العربية،ليست الأصول والدّماء فحسب،ومن تكلّم العربيّة وأحبّها فهو عربيّ أصيل.داعية الجميع إلى احتضان المبدعين،ودعمهم،ورفدهم بالتعزيز والتّقديم والتّوجيه والصّقل. وذكرت الشّعلان إنّ الموهبة أحمد سمور هو هديتها الإبداعيّة الخاصّة التي –بفخر واعتزاز وتقدير- للمشهد العربيّ في فن القصّة القصيرة والرّواية،وذلك في أوّل أمسية قصصيّة له في تاريخه الأدبيّ المنتظر.وقد حضر الأمسية جمهور كبير من الشّباب والمهتمين حيث عرّفت بأحمد سمور عبر موهبته القصصيّة التي لفتت نظرها،وجعلتها تتوقّف عندها بتأمّل واهتمام.وفي هذا الصّدد ذكرت إنّ قلم أحمد سمور يملك رشاقته الخاصّة وبصمته المميزة التي تجمع بين القدرة الفوتوغرافية على التقاط الواقع والسّخرية المريرة منه بقالب لغويّ رشيق يلخّص مفهوم السّرد الفنتازي المغرق في عالم غريب من فتات غرابة عالمنا اليومي المعيش،هو باختصار ينتصر لآلام الإنسان المهمّش،ويتحدّث عن وجعه بضحكة مقلقة مؤلمة تحمل في ثناياه غضبها الخاصّ وانكساراتها الموجعة وآمالها المنتظرة مهما كانت بعيدة. وقد ابتدأت النّدوة بفقرة إنشاديّة قدّمها المنشد محمد الفزاري،إذ أهدى نشيده لشهداء الوطن والجيش في مواجهاتهم الأخيرة ضدّ الإرهاب في الكرك،في حين قدّم محمود قدّومي كلمة باسم الاحتفاليّة ذكر فيها أهميّة دعم الإبداع والمبدعين،ورحّب فيها كذلك بأحمد سمور ومن جاء من أصدقائه لحضور أمسيته الأولى متوقفاً عند مناحي الإبداع في سرده الذي جعل الجميع يتوق إلى لقائه في هذه النّدوة بعد أن تعرّفوا عليه مسبقاً عبر طائفة من قصصه التي خاطبت وجدانهم،وحاكت مشاعرهم،وعبّرت عن مشكلاتهم الشّبابيّة في مشاهد عربيّة راهنة تضجّ بالتحدّيات والإكراهات،إلى جانب واجب المبدعين والنقاد والأكاديميين في دعم الموهوبين،وفي هذا الشّأن أشاد بجهود الدكتورة الشّعلان واهتمامها بدعم المبدعين الشّباب،وحرصها على تقديمهم للمشهد الإبداعيّ العربيّ،داعياً جمهور المبدعين إلى اتّخاذ خطاها في دعم المبدعين من جيل الشّباب الذين يبحثون لأقدامهم عن أرض ثابتة ليقفوا عليها،وينطلقوا منها.وقد قدّم على هامش هذه الكلمة التّرحيبيّة هدية الشّعلان والجمهور للأديب أحمد سمور،وذلك بعد أن ختم محمود القدومي كلمته التّرحيبيّة بقوله :” أحمد سمور موهبة لا يمكن إنكارها،ولا يجب نسيانها أو تهميشها؛فالحرص على دعم هذه المواهب من شأنه أن يرفع من قدر الأردن في الأوساط الأدبية العربيّة والعالميّة.وما فعلته الدّكتورة المبدعة سناء الشّعلان في تبنيه وتقديمه للأوساط الأدبيّة هو فخر للأردنيين جميعاً،ومثال يُحتذى في دعم المواهب الشّابة وإبرازها،وعدم تجاهل أيّ موهبة أو إنكارها أو تهميشها”. أمّا روان العمريّ فقد قدّمت إضاءة خاصّة عن اكتشاف موهبة أحمد سمور وتقديمها للجمهور في هذا الحفل،إذ قالت في معرض هذه الإضاءة:” قبل 4 سنوات من اليوم اعتدتُ على قراءة القصص القصيرة على صفحات موقع “الفيس بوك”،وهذه العادة كانت بمثابة هواية لي.ولكن على غرار تلك القصص استوقفتني قصة نشرت على أحد الصفحات بعنوان”يوميّات شاب مسخّم”،فقد كانت تلك القصّة تختلف كثيراً عن سابقاتها بأسلوب سردها وتجسيدها المتقن لواقع الشّباب العربيّ بشكل عام والشّباب الأردنيّ بشكل خاصّ .على الرّغم من تعلّقي بالقصص ومداومتي على قراءتها إلاّ أنّني لم أكن يوماً من محبّي الأدب،ولم يكن باستطاعتي إكمال قراءة خمس أسطر من نصّ أدبيّ ما،لكن تلك القصّة غيّرت نظرتي تماماً إلى الأدب،ودفعتني إلى انتظار كلّ جزء جديد منها بكلّ شوق،وكما ولّدت داخلي شوقاً أعمق لمعرفة المبدع التي ولدت على يديه. بعد بحث متواصل عثرت على صفحته أخيراً،فوجدتها تعبّر عن شخصيته بكلّ تفاصيلها من الصّورة الشّخصيّة التي لطالما كانت لعجوز مسن أشعث إلى طريقة دمج الحروف والكلمات وحتى أدوات التّرقيم في كتاباته.شيء ما فيها كان يشدّني إلى تفقّدها صباح مساء.لا أدري أهو الملل من دفعني إلى ذلك؟أم هي تلك النّصوص التي كان يتلذّذ أحمد بكتابتها،فتعبّر عن مشاعر في داخلي؟ فعليّاً لم أكن قادرة على تحديد السّبب… يوماً بعد يوم كان يزداد إعجابي بتلك الكتابات التي تمس الواقع بصورة عجيبة…لا أدري كيف خطرت لي تلك الفكرة،ولا أدري كيف ظهر أمامي ذلك النّص الذي كتبه ذلك المبدع لسبب اعتبره تافهاً على حدّ قوله الذي عيّر رأيي في آخر لحظة،فمن يهتمّ لـ 10 علامات في محادثة طالما أنّني سأجنّب نفسي الإحراج وتحوّل وجهي إلى “علبة بندورة” أمام متصيدي الأخطاء هؤلاء.نعم،غيّرت رأيي في آخر لحظة،وقرّرت أن أكسر هاجس الرّهبة ذاك الذي لطالما تملّكني،وأن ألقي ذلك النّص على جمهور الطّلبة،ذلك النّص المضحك المبكي الذي أسرني بجميع تفاصيله.صحيح أنّ النّص لا يختلف اثنان على محتواه الإبداعي،لكنّني لم أتخيّل أن يصل إلى الطّلبة كما وصل إليّ.وكانت الصّدمة عندما استوقفتني الدكتورة والروائيّة سناء الشّعلان وعبرت بحماس عن عدم قدرتها على إكمال سماع النّص دون أن تعرف من كاتبه بعد أن أعربت عن إعجابها بموهبة كاتب النّص،فأخبرتها باسم كاتب النّص،ومقدار تأثّري بكتاباته،عندها أخرجت على الفور من حقيبتها النّسائيّة بطاقة تعريفيّة لها،طالبة أن أوصلها لأحمد سمور ليتواصل معها،وقالت بأنّها مستعدّة لأن تتبنّى موهبته وأن تكتب عنه في الصّحافة،وبالفعل هذا ما كان.وهانحن اليوم نجتمع ها هنا على شرف موهبة أحمد سمور لنشهد تقديمه للمجتمع الأدبي.فهنيئاً لنا جميعاً لأنّنا شهدنا ولادة هذه الموهبة الفذّة”. وقد قدّم القاص الشّاب أحمد سمور كلمة شكر الحضور بها،وثمن عبرها جهود الدكتورة سناء الشعلان في تقديمه للمشهد الإبداعيّ في أوّل أمسية قصصية له في حياته بعد أن آمنت بموهبته،كما قدّم فيها نبذة عن حياته الشخصيّة التي كانت دافعاً ورافداً له في تجربته السّرديّة التي تأثرت بتجربته الحياتيّة وثقافته الشخصيّة التي عكف عليها،وابتدأ أمسيته بشكر والده (نمر عبد الحميد) الذي عدّه المشجّع الأوّل له في موهبته،لاسيما أنّه أوّل من آمن به.وقد قرأ أحمد سمور على جمهور الحاضرين أربعاً من قصصه ،وهي بعنوان:” نمطيّة” و” زواج تقليدّي”،و”إلى أبي”،و”شيء”. وقد أثارت القصص إعجاب الحاضرين الذين علا تصفيقهم في كثير مقاطع منها،الأمر الذي أذكى حواراً شيقاً وطويلاً بين الجمهور والقاصّ أحمد سمور؛إذ سألت الطالبة نيفين كمال عن إحساسه في أمسيته الأولى هذه مشيرة إلى فخرها بأن تكون ضمن جمهور أوّل أمسية له،كما أضافت قائلة:”سعدنا جدّاً بلقاء أحمد سمور في هذا اللقّاء الذي أدخل البهجة عليه لأنّه بوابته نحو المشهد الإبداعيّ،لا سيما أنّه يستحق الاحتفاء والاهتمام وتسليط الضّوء على موهبته لتبوأ المكان الذي يستحقه في ساحة الإبداع ليستحقّ فخر والده به”،أما دارين رحاحلة فقد توقّفت عند بعض مراحل حياته التي ذكرها في تقديمه لنفسه،وأبدت ملاحظاتها الشّخصيّة حول الأثر المفترض لهذه السّيرة والمعاناة على حياته قائلة :” كالذّهب وكالأحجار الكريمة في قلب الترّاب هو أحمد سمور حيث أنضجته صعوبة الحياة وقسوتها،لذلك فقد عبّر في أدبه عمّا في داخله من مشاعر صبّها على الورق ليبهر الجميع بما خطّ قلمه من إبداع.أؤمن بعمق بأنّ الله قد رتّب حياة أحمد كي يتجنّد لأجل موهبته الثّمينة التي استوقفت د.سناء الشعلان،وقرّرت تقديمها لنا جميعاً”،وذهبت جنى القواسمي إلى ما ذهب إليه الجميع من أعجاب بقلم أحمد سمور إذ قالت:” موهبة أحمد سمور موهبة مميزة ذات تأثير كبير على النّفس؛لأنّ أفكار قصصه ذات وزن ثقيل،وتحثّ على التّفكير في قضايا واقعيّة لشباب اليوم،وقد عرض ذلك كلّه بطريقته الجميلة والمعاصرة،وهي طريقة تشجّعنا على العمل لتصحيح سلوكياتنا الخاطئة،وتدعونا إلى تحمّل مسوؤلياتنا”،أمّا بلقيس طارق فقد شدّت على يديه في إصراره على النّجاح والانتصار لحبّه للسّرد على الرّغم من التّجارب الحياتيّة والتعليميّة السّلبيّة المحبطة التي مرّ بها في حياته لا سيما في مرحلة طفولته المبكرة،وقد علّق عامر جرادات على رؤية الشّباب حول التحديات في خضم معطيات هزيلة ودعم مفقود وآمال عريضة مهدورة بما تحمل من مواهب وكفاءات مهدورة،أمّا أنس العوراني وعبد الفتاح خريسات فقد أشارا إلى تقديرهما إلى شخصيّة أحمد سمور التي تصمّم على تقديم موهبتها وتسليحها بالثقافة والمعرفة على الرّغم من كلّ التّحديات والإكراهات والمعيقات،في حين أشار كلّ من ملاك يوسف،وياسين بنات،ورهف مهيار،ومحمود قدومي إلى قدرة أحمد سمور على التّعبير عن جيل الشّباب بكلّ ما يحمل هذا الجيل من تناقضات وآمال وطموحات وتحديات واهتمامات،لا سيما أنّه استطاع أن يستثمر تجاربه الحياتيّة الاعتياديّة وبيئته الشّخصيّة في رسم ملامح المجتمع الأردنيّ بخصوصيته من جهة،وتمثيله لعموميّة المجتمع العربيّ من جهة ثانية.حيث قالت لين عبد السلام:”أحمد مبدع مميز،وتميزه لا بدّ أن يوصله إلى أرفع المستويات الأدبيّة ما دام يسير خلف حلمه وموهبته.وأنا سعيدة وفخورة أنّني شهدت حفل إعلان ولادة هذه الموهبة”.في حين رحّبت ريم أبو ديّة بأحمد سمور قائلة:” سرّنا اللقاء بأحمد سمور الذي أضاف رونقاً مميزاً على هذه النّدوة بعد أن قضى أعواماً يحلّق في دائرة المتاح والممكن،والآن عليه أن ينمّي في نفسه الإرادة والرّغبة في التّحليق خارج هذه الدّائرة،ليقتحم ما ظنّه غير ممكن،ليجعله ممكناً”. وفي معرض نقاش الجمهور مع القاص الشّاب أحمد سمور قال أنس العوراني:” أحمد شخص مبدع لديه تخيّل جميل وبساطة رائعة ومصداقيّة جميلة في الكتابة.لم أحبّ كثيراً الجانب الذي اختاره من الحياة التّعيسة؛لأنّ الحياة جميلة،ولكنّه مبدع بحقّ.بالبداية يجبّ أن نجعلهم يتخلّون عن تلك العقليّة المقلدة،لينطلقوا أحراراً بما يريدون،وبما يؤمنوا بأنفسهم،ويجب أيضاً أن يجدوا طرقهم في الحياة؛لأنّ الشّباب إن استطاعوا أن يجدوا سبلهم في الحياة فسوف يلبّون احتياجاتهم في سبيل دعم مواهبهم،وتطويرها بالشّكل السّريع والمناسب.وأخيراً أحبّ أن أهدي هذه الكلمة لأحمد وإلى كلّ شخص جلس معنا “كلّما كانت أحلامك هامّة بالنّسبة لك؛فأنت في حاجة إلى الاحتفاظ بها على الرّغم ممّا تواجهه من صعاب”. أمّا عبد الفتاح خريسات فقد وصف موهبة أحمد سمور بقوله:” هي طاقات ومهارات إبداعيّة مميزة تصف حال الكثير من أبناء مجتمعنا الأردنيّ من ضيق حال وقلّة مال وكثرة سؤال،كان قد بهت لون أحلامه التي سطّرها بعد أن تحرّر من ظلم المدرسة في قمعها –للأسف-للإبداع،وكانت بوابة طريق الشّقاء هي طريقه للسعي وراء أحلامه من دفعه للتحرّر من ظلم أستاذ العربيّة له،واضطهاده الجائر له.اليوم هو له بمثابة إحياء الأمل في روحه المتعبة لإعطائه فرصة للانطلاق في درب إبداعه بعد أن طال حرمانه من هذه الفرصة.والسّؤال الموجع :كم من أحمد سمور غيره غارق دون منقذ أو سراج ينير له طريقه؟! وقد ذهبت مها ياسر جابر إلى ذهب إليه عبد الفتاح خريسات إذ قالت :” كم هو مدهش أن تجد الإبداع يشقّ طريقه من بؤس الحياة،فلطالما كانت ولادة المبدعين أمراً مدهشاً؛إذ على الرّغم من المعاناة الإصرار والتحدّي في قلوبهم،وهذا ما يجعلهم مميزين.صحيح أنّ التّعليم في نظرتنا التّقليديّة القاصرة محصور بالجامعات والمدارس والشّهادات التي غالباً ما تكون حبراً على ورق.لكن أحمد سمور خرج عن المألوف،واجتهد ليجعل من نفسه إنساناً مثقفاً،فهو إنسان مثقف بقرار ذاتيّ،ولديه طموحات وأحلام يسعى إليها،وهكذا يولد الإبداع.فأنا أتوقّع له مستقبلاً مشرقاً إذ تمسّك بهذا الإصرار والطّموح”. أمّا أسيل الشلالدة فقد قالت:”لقد أعجبتني روح أحمد،وطريقته في نظرته إلى الحياة،وأثار إعجابي به أنّه على الرّغم ممّا عاناه من تعاسة إلاّ أنّه لم ييأس،ولم يعلن انهزامه،وفجّر غضبه من واقعه في كتابات رائعة ساخرة مضحكة تصف الواقع والمستقبل أحياناً،فكتب أحلامه وأمنياته في شكل قصصي راقٍ” كما أضاف محمد الرّزي قائلاً:” لقد قمت حقّاً بتجسدي تحفة أدبيّة قلبت أسس الكتابة،إذ أصبحت المشاعر بين يديك تسابق الكلمات،وتسبقها إلى القلب قبل أن تجد الحروف موضع قدم لها في الأذن،لتدهش كلّ من سمعها،حتى أنّه يطمع في أن يعيد سماعها مرة تلو الأخرى،حتى أذا ملت كلماتك منه،أخذ يسمع كلمات أخرى لك، حتى تملّ منه هي الأخرى،وهو حتى الآن لم يملّ من الإصغاء ،وليس الاستماع فقط لسحر خطّك ولإبداعك،ولا أظنّ أبداً أنّه سيملّ في يوم ما”. من أجواء النّدوة بقلم أحمد سمور تحت عنوان “زواج تقليديّ” : ” هذا المساء كنت في بيت التي كما شاءت أمي أنها ستصبح زوجتي،بعد حديث قصير معها رأيت شريط حياتي بأكمله معها.إنها تشبهني إلى حد كبير تنتمي إلى نفس المكان الذي أنتمي إليه تشبه جدًا نساء هذا الحيّ البائس اللاتي يمارسن نفس الطقوس يوميًا، ستستيقظ كل صباح لتذهب إلى السوق بعد أن تكون جردت جيبي من المال ولا تترك لي الا ما أسد به حاجتي من اجرة الباص والسجائر وفي منظورها ان كل قرش زائد عن حاجتي هو بمثابة زوجة ثانية، تخرج بعبائتها السوداء التي غسلتها أكثر ما غسلت وجهها وشالها الأبيّض وتقرفص أمام صناديق الطماطم والبطاطس والبصل وتنتقي أفضل ما في السوق وتعود إلى البيت وهي راضية كل الرضا عن نفسها، لتجلس أمام التلفاز تحفر الكوسا وتتابع المسلسل التركي وتقلب المحطة اذا عانق البطل حبيبته وهي تلعنهم وتتمنى لهم رحلة دافئة في الجحيم. تبقى على هذا الحال حتى أعود من العمل وتقابلني بحديث لا ينقطع عن غلاء الأسعار وعن إسطوانة الغاز كيف نفدت وهي تطهو وبدلتها على الفور وعن فاتورة الكهرباء كيف ارتفعت دينار ونصف عن الشهر الماضي وترجح أن هذا بسبب هاتفي الذكيّ الذي لا يكف عن التصفير، وتكون في قمة سعادتها حالما تنتهي من علفي كالبغل دون أي تعليق مني على الطعام. تبقى تثرثر وتثرثر وأنا أراقب إطباق شفتيها على بعض كثيرًا ما فكرت بتقبيلها هكذا بلا أي مناسبة لكن أظنها ستطلب الشرطة على الفور! إنها ومع عدم التحفظ تنتمي إلى نفس الخواء الذي أنتمي إليه، أعجبت أمي جدًا فهي تشبهها إلى حد ما فهي تيقظني كي أصلي الفجر وتدعو لي في كل صلاة وربة منزل من الدرجة الأولى.. إنها دافئة مثل بيوت الحيّ رغم تصدع جدرانها ونوافذها المرقوعة بالكرتون، شهيّة مثل القهوة التي يعدها فارس بائع القهوة في حيّنا شهية مع علمي بقذارة المكان الذي يبيع فيه،صافيّة نقية كسماء الحي رغم سخطها عليّنا! رغم هذا هي لا تصلح إلاّللزواج، أما الحب الذي أشتهيه فهو بعيد كل البعد عن عالمها، منذ نعومة أظافرها وهي تسمع أن الحب شيء يغضب الله والعشاق هم أعداء الله والدين والمجتمع.!بعد أن انتهى هذا الشريط اجتاحتني رغبة بأن أعانقها ونبكي معًا على ما ينتظرنا من بؤس”.