الإعلام الجزائري يعلق على السجال الدائر بين المغرب وموريتانيا
يبدو أن الصراع الجزائري المغربي ، والتقارب الجزائري الموريتاني سيبعث الأمل في نفوس الموريتانيين الذين كانوا غير راضين عن انسحاب موريتانيا من تيرس الغربية ( إقليم وادي الذهب ) في غشت 1979 ، ويبدو أن الزمان ـ الصراع في المستقبل سيكون بين البوليساريو وموريتانيا على إقليم وادي الذهب ، وستكشف الأيام تورط الجزائر بصفة مباشرة في نزاع الصحراء الغربية مما يفسر أن بوتفليقة كان قد اقترح على كريستوفر روس ذات يوم اقتسام الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب …
أولا : الصحراء الغربية بين الأحلام الموريتانية والأطماع الجزائرية :
يَعْتَبِرُ الموريتانيون الصحراء الغربية جزءاً من أراضي موريتانيا الكبرى بالإضافة لإقليم أزواد المالي وهما – كما قال المرحوم المختار ولد داده في مذكراته – هما جناحا موريتانيا التي لايمكن لموريتانيا أن تُحَلِّقَ في الفضاء بدونهما ، لكن المختار ولد داده يقبل تقسيمها مع المغرب فكيف حدث ما حدث ؟
* لم يكن المغرب يعترف بموريتانيا إلا قُبَيْل انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي بالدارالبيضاء المغربية عام 1969 ، ومن تم بدأت بوادر الثقة تسري بين الرؤساء الثلاث : ( بومدين – الحسن الثاني رحمه الله – المختار ولد داده رحمه الله ) مما جعلهم يتفقون في مؤتمر نواديبو بموريتانيا عام 1970 على إخراج إسبانيا من الصحراء الغربية ، وفي مؤتمر نواديبو أكد بومدين على أن لا مطامع له في الصحراء الغربية ، وعلى المغرب وموريتانيا أن يتفقا على مستقبل المستعمرة الإسبانية بعد تحريرها… وأكد بومدين موقفه هذا في أكتوبر 1974 في مؤتمر القمة العربيبالرباط أمام الرؤاساء العرب أو من يمثلهم حيث اعترف أن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا ، وأن الجزائر مع الدولتين وتؤيد تحرير كل شبر من الأرض لا فقط في الصحراء الغربية ، بل أيضا في سبتة ومليلية وكل الجزر التي لا تزال تحت الاحتلال الإسباني ( لا يزال تسجيل بودين موجودا في أروقة الجامعة العربية) وسيظهر فيما بعد أن بومدين كان يقول ذلك الكلام للاستهلاك لا غبر وكان في قرارة نفسه يستبعد قدرة المغرب على تحرير الصحراء الغربية ، بل كان يعتبر ذلك من المستحيلات لأنه لم يكن يدري ما يخططه المرحوم الحسن الثاني لتحرير الصحراء .
* ولما سمع بومدين خطاب ملك المغرب بأنه سيحرر الصحراء بواسطة مسيرة سلمية خضراء كطريقة لطرد الجيش الاسباني من الصحراء ، نزل عليه الخبر في البداية كالصاعقة ، ثم سخر هو وجنرالاته من فكرة الملك المغربي واعتبروها فكرة بدائية وأجزموا أن المتطوعين في هذه المسيرة سيحصدهم رصاص الجيش الإسباني وأن تلك المسيرة ستنقلب إلى مجزرة بشرية
* ما أن وافقت إسبانيا على الخروج من الصحراء الغربية بعد المسيرة الخضراء وتوقيع اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975 وتقسيم الصحراء الغربية بين موريتانيا والمغرب ، وتأكد أن الأمر جِدُّ الجِدِّ حتى نقض بومدين عهوده التي قطعها على نفسه في مؤتمر بواديبو عام 1970 وفي مؤتمر القمة العربيي عام 1974 …وقصة غضب بومدين من الاتفاق المغربي الموريتاني معروفة حيث استدعى المختار ولد داده إلى بشار في 10 نوفمبر 1975 أي قبل أربعة أيام على توقيع اتفاقية مدريد ، فحضر ولد داده إلى بشار ليوجه له بومدين إنذرا شديد اللجهة وتهديدا مباشرا بأنه سيدفع الجيش الجزائري للدخول إلى الأراضي الموريتانية إن هو وقع على اتفاقية مدريد يوم 14 نوفمبر 1975 ..لكن ولد داده تحدى بومدبن ووقع الاتفاقية الثلاثية في مدريد .
* وفي أقل من شهرين على توقيع اتفاقية مدريد دخلت جيوش بومدين تيفاريتي وأمغالا في الصحراء الغربية وليس الأراضي الموريتانية كما قال في تهديده للمختار ولد داده ، وهكذا اغتصب بومدين شرف الكلمة التي سمعها منه كل العرب ، ومندئذ بدأ حكام الجزائر علاقتهم الجديدة مع الجارين موريتانيا والمغرب ، علاقة يطبعها تهديد موريتانيا وترعيبها باعتبارها الحلقة الأضعف ، أما مع المغرب فيكتفون فقط بتدبير المكائد والمناورات له في المحافل الدولية لأن الأرض كان المغرب قد حسم أمرها بصرامة ونجاعة … والضحية الكبرى في كل ذلك هو الشعب الجزائري الذي ضاعت أمواله بمئات آلاف الملايير من الدولارات ضيعها حكامه طيلة 41 سنة ..
* بعد افتضاح نوايا حكام الجزائر ودخولهم في حرب مكشوفة مع المغرب نتج عنها أسرى من ضباط الجيش الجزائري ، بعد ذلك أنكر بومدين ووزيره في الخارجية بوتفليقة ما جرى في مؤتمر نواديبو 1970 كما أنكرا معا كذلك ما صرح به بومدين أمام قادة الدول العربية في مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974 رغم أن التسجيلات لاتزال شاهدة على كلامه إلى الآن ، وقد دخلت كثير من الصحف الفرنسية والأمريكية وصدَّقتْ إنكار بومدين وبوتفليقة ونشرت أن الحسن الثاني والمختار ولد داده قد اتفقا على تقسيم الصحراء بينهما من وراء ظهر بومدين …. وهو كذب صراح يوافق طباع بومدين وبوتفليقة وغيرهما من حكام الجزائر إلى يوم يبعثون ..
ثانيا: المغرب يقدم إقليم وادي الذهب للموريتانيين على طبق من ذهب :
الذي خطّطَ وموَّل ونفَّذ عملية إخراج المستعمر الإسباني من الصحراء الغربية هو المرحوم الحسن الثاني ولم يكن لموريتانيا أي عمل مدني أونشاط عسكري قبل خروج الجيش الإسباني بل كان الموريتانيون يتفرجون ( مثلهم مثل بومدين ) منتظرين نتائج مغامرة المغرب وكيف سيكون رد الجيش الإسباني الفاشستي بقيادة الجنرال فرانكو الذي كان يحتضر في نوفمبر 1975 ، فقد هَبّ 350 ألف مغربي ومغربية نحو الساقية الحمراء في المسيرة الخضراء المعروفة …وبعد توقيع اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975 بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا وتسلمت موريتانيا تيرس الغربية ( إقليم وادي الذهب ) على طبق من ذهب بدون تعب ولا شقاء ولا حرب أعصاب ، ويمكن مقارنة التعاطي مع موضوع إخرج المستعمر الاسباني من الصحراء في تلك الفترة من زاويتين : الزاوية الأولى هي زاوية الشعب المغربي الذي تدفق نحو الصحراء لأنه كان يؤمن بعدالة قضيته ولا يدري أي واحد من الشعب المغربي كيف ستؤول الأمور خاصة وأن الجيش الفاشستي الإسباني كان يضع أصابعه على الزناد في اتجاه المغاربة العُزَّل ، أما الزاوية الثانية فهي زاوية الموريتانيين الذين لم يحركوا ساكنا حيث لم يشاركوا في المسيرة الخضراء ولو برجل واحد ، ولم يدخلوا إقليم وادي الذهب حتى خرج منه آخر جندي إسباني وتسلموه عام 1975 على طبق من ذهب ، وهذا دليل أول على أن إيمانهم ضعيف ومهزوز بقضية الصحراء ، والدليل الثاني هو تنازلهم عن الإقليم للبوليساريو بسهولة عام 1979 في مؤامرة دبروها مع حكام الجزائر والقذافي ، لكن المرحوم الحسن الثاني كان قد تغدى بهم قبل أن يتعشوا به ودخل الجيش المغربي لوادي الذهب في غشت 1979 ..
ثالثا :الوهم الكبير هي فكرة : من يسطر على البوليساريو سيربح الصحراء الغربية !
يبدو أن الساسة الموريتانيين لم يكونوا يثقون في المغرب الذي اعترف بهم كدولة فعلا عام 1969 كما ذكرنا ، ولم يكن لهم أي غرض في الصحراء الغربية كاملة أو حتى في إقليم وادي الذهب ، كان كل همهم هو تثبيت اعتراف المغرب بموريتانيا كدولة أمام هيأة دولية عليا هي محكمة العدل الدولية عام 1975 ، لكنهم أغفلوا أنهم هم أيضا قد اعترفوا بسيادة المغرب على الساقية الحمراء وأنه كان لساكنتها روابط تاريخية مع الملوك العلويين في المغرب .. ثم انسحب الموريتانيون من وادي الذهب مقابل الاعتراف بدويلة البوليساريو لكن اعترافهم ذهب أدراج الرياح حيث اعترفوا بدويلة لا أرض لها ، ولا تزال المحافل الدولية تنكر وجود البوليساريو وآخرها محكمة العدل الأوروبية التي رفضت البوليساريو كطرف للادعاء لأنه لا صفة له حتى يرفع دعوى ضد دولة ذات سيادة ..
بعد أحداث الكركرات دفع عسكر الجزائر البوليساريو لينزل إلى أقصى جنوب الصحراء الغربية بمحاداة الكركرات وخرائب لكويرة ، ولم يحرك الجيش المغربي ساكنا لأنه يعلم جيدا أن تلك ليست مجرد حركة بهلوانية ببضعة مرتزقة تحملوا مشقة قطع آلاف الكيلومترات من تندوف إلى الكركرت ليأخذوا لهم صورا بجانب شاطئ مجهول ، ولم يفوت الموريتاني ولدعبد العزيز الفرصة ليظهر في الصورة أنه هو الذي يسيطر على البوايساريو ، وأخيرا ظهر للعالم أن الجزائر وموريتانيا قد اتفقا على إبرام اتفاقيات بينهما… لكن طبعا بعد تأكد الجزائر من أن عسكر موريتانا متحكم جيدا في حدود موريتانيا مع المغرب من جهة الكركرات ، وكذلك تأكد الجيش الجزائري من أنه لا تزال له صلاحية التحرك شمالا وجنوبا في الشريط العازل بين الصحراء المغربية وموريتانيا ، بعد هذا التأكد ، جلس الجزائريون يناقشون اتفاقيات هي حبر على ورق ، لأن الغريق الجزائري لن يستطيع إنقاذ الغريق الموريتاني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .. كلٌّ من الموريتانيين والجزائريين يعتقدوا – عن خطإ – أن كلا منهما قد سيطر على البوليساريو الذي سيكون لهم قنطرة إلى المحيط الأطلسي …لكن موازين القوى لم تتضح بعد .
رابعا : مناورات الجزائر لاحتلال الصحراء الغربية من خلال موريتنانيا والبوليساريو :
هل سقط حكام موريتانيا في فخ حكام الجزئر وأوهموهم بأن موازين القوى في منطقة جنوب الصحراء المغربية ( منطقة الكركرات – لكويرة ) قد انقلبت لصالح الجزائر ، وأن على الموريتانيين أن يتحركوا في تلك المنطقة بحرية وأن الجيش الجزائري سيحمي ظهورهم ويقف بالمرصاد لأي قوة مغربية تحاول التدخل في المنطقة ؟ وأين البوليساريو من كل هذا اللعب الخطير في تلك المنطقة ؟ ثم أليس بين المغرب ودولة موريتانيا اتفاقيات عسكرية حول الوضع في لكويرة خاصة أن السفن الحربية المغربية – حسب الاتفاق العكسري بين البلدين – هي التي لا يزال لها الحق في مراقبة الوضع بين الداخلة وآخر نقطة بحرية جنوب لكويرة …إن حكام الجزائر قد ضاق عليهم الطوق المغربي الإفريقي ولم يبق لهم سوى استعراض ما بقي في جعبتهم من مفرقعات صبيانية , ولا يزالون يفكرون هل ستأتي لهم بنتيجة أم أنهم سيخضعون لنصيحة الطالب الإبراهيمي الذي يدعو صراحة للجنوح إلى التعقل مع المغرب الذي لم يعد ذلك المغرب قبيل مجيئ بومدين…
خامسا : ألا تزال موريتانيا تطمع في استرجاع إقليم وادي الذهب ؟
لقد ضاعت وادي الذهب على الموريتانيين ولن ينفعهم اللعب على الطريقة الجزائرية التي خَرَّبَتْ عموم إفريقيا ، وعاد المغرب لإعادة تجميع القوى الإفريقية بعيدا عن الديماغوحية الجزائرية التي أُقْبِرَتْ مع بومدين وكاسترو ولم يبق للجزائر ما تشتري به ذمم الأفارقة خاصة بعد تآكل رصيد الثورة الجزائرية الذي باعه جنرالات فرنسا الحاكمون في الجزائر باعوه في سوق النخاسة الإفريقي ليشتروا به مواقف ضعاف النفوس من حكام إفريقيا أمثال موغابي 94 سنة الذي لايزال يطمع في أن إلى الأبد ..
قد يبدو للموريتانيين أنهم على مرمى حجر من استعادة إقيلم وادي الذهب من المغرب وقد تناسوا الأطماع الجزئرية التي تستعد لِتَدُكَّ البوليساريو دَكّاً من أجل المرور إلى المحيط الأطلسي ، كما تناسوا القوة المغربية الصاعدة والتي أصبح العالم يرى الجزائر بجانبها قزما لا قيمة له ، بالإضافة للمصائب التي تتقاطر على الجزائر داخليا وخارجيا من مظاهرات وإضرابات في جميع القطعات والوظائف …
إن الأطماع الجزائرية في منطقة جنوب الصحراء المغربية عن طريق استغلال الموريتانيين للعبور إلى المحيط الأطلسي هي حلم غير قابل للتحقق لأسباب جيواستراتيجية على رأسها القوى الإفريقية الأخرى التي لا ترغب في اقتراب الجزائر منها وعلى رأسها السنغال العدو التقليدي لموريتانيا ، زد على ذلك مشروع أنبوب الغاز النيجيري نحو المغرب ومنه إلى أوروبا لن تترك الدول الكبرى وعلى رأسها فرنسا أن تقترب الجزائر من تلك المنطقة خاصة وأن نيجيريا فضلت عبوره عن طريق لمغرب وليس الجزائر ، من هذا وغيره فقد أسقط في بد الموريتانيين لسببين الأول أن الجزئر لم تعد قوة لها قيمة في إفريقيا ، ثانيا لأنهم ورثوا حكاما جزائريين هرمين بلغ بهم الخرف والهتر مبلغه ولم يبق لهم سوى لكذب على من لا يملك ذرة من عقل وهو الموريتانيون .
فما على الموريتانيين سوى نسيان وادي الذهب ويفكروا في طريقة يتملصون بها من حكام الجزائر المجرمين الغدارين الذين طردوا الأفارقة مؤخرا شر طردة ، وسينتظر الموريتانيون دورهم في الغدر .. فهل نسي الموريتانيون ما فعل بهم الجزائريون والبوليساريو في غزوة نواكشوط في يونيو 1976 وهي المعركة التي مات فيها الولي مصطفى .. لقد ضاع وادي الذهب من موريتانيا إلى الأبد وما عليه إلا التفكير في حليف استراتيجي قوي وليس حليف يعيش أخريات أيامه ورئيسه مجرور على كرسي ..
عود على بدء :
عبر بومدين عن موقفه من الصحراء المغربية التي كانت مستعمرة إسبانية في أكتوبر 1974 في مؤتمر القمة العربيبالرباط أمام الرؤاساء العرب أو من يمثلهم حيث اعترف أن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا ، وأن الجزائر مع الدولتين وتؤيد تحرير كل شبر من الأرض لا فقط في الصحراء الغربية ، بل أيضا في سبتة ومليلية وكل الجزر التي لا تزال تحت الاحتلال الإسباني ، وكأن الله سيخزي الجزائر برئيس دولتها الكسيح بوتفليقة الذي ندد في 11 يوليوز 2002 بدخول بضع من رجال الدرك المغربي لجزيرة صغيرة جدا بل هي مجرد صخرة تسمى صخرة ليلى تبعد عن الشاطيء المغربي بضعة أمتار ، لم يفوت بوتفليقة إخراج ما فيه من صفات الدناءة والخسة والغدر وندد وحده هو والمستعمر الإسباني فقط لا غير ، ندد بوتفليقة ببيان رسمي لوزارة خارجية الجزائر ، ندد بدخول بضعة مغاربة إلى صخرة هي ملكهم فكان أذلَّ عربي أخزاه الله وهو يتبجح بتحرير فلسطين !!! وكان قبله بومدين يتبجح أنه مع المغرب في تحرير سبتة ومليلية أمام قادة الدول العربية في مؤتمر الرباط عم 1974 ولو بقي حيا لحارب مع الجيش الإسباني الفاشستي ضد الجيش المغربي العربي المسلم …كذلك يفعل المجرن الحاكمون في الجزائر..
إن أطماعكم أيها الموريتانيون في استعادة وادي الذهب لن تجر غليكم سوى الويل والتبور وعظائم لأمور ، وتحالفكم مع عسكر الجزائر فكأنكم تحالفتم مع ضباع وذئاب غادرة ستفتك بكم في أول فرصة ستنفرد بكم خاصة وأنهم بقوا وحدهم معزولين ليس فس إفؤيقيا بل في العالم …
المصدر الجزائر تايمز