الإعلام العربي في قفص الاتهام
عادت نغمة تعليق فأس الخلاف العربية / العربية، التي وصلت – في هذا الزمان – إلى حد الحرب الأهلية، والحروب بالوكالة، في عنق الإعلام العربي، ترتفع من جديد وتتألف في الفترة الأخيرة، اتهامات يطلقها مسؤولون عرب تضع هذا الإعلام في قفص الاتهام، باعتباره المسؤول الأول، وربما الوحيد، عن الخلافات بين الأخوة الأعداء في العالم العربي، انطلاقًا من رؤية تذهب إلى أن هذه العلاقات كانت دائمًا سمنًا على عسل، وأن الإعلاميين الأوغاد، هم الذين يحولنها – عادة إلى سمن على بصل..
ما يدعو للدهشة، هو أن بعض الإعلاميين يعترفون بالجريمة، ويعلقون الفأس في رقبة زملاء لهم، ويقدمون أدله لا تخلو من وجاهه، للتدليل على مسؤولية هؤلاء الزملاء، عن تفتيت الصف العربي؟ وتحويل الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة، إلى شظايا متناثرة، على نحو جعل الأجيال المعاصر من الشباب تتخلى عن حلم توحيد الأمة العربية من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، الذي ظل يعايش جيلنا، إلى أن وصلنا إلى المرحلة التي نتذكر فيها ما مضى، أكثر مما نحلم فيها بما سيأتي، ولم يعد يحلم إلا بالبحث عن وسيلة للهجرة غير الشرعية من خريطة الأمة، حتى لو قاده ذلك إلى الموت غرقًا بين أمواج المحيط الهادر… والحقائق التاريخية، التي عاصرها جيلنا، تؤكد أن العلاقات العربية / العربية، لم تكن دائمًا سمنًا على عسل، كما أنها لم تستمر طويلاً سمنًا على بصل، وتؤكد أن الإعلام العربي، لم يكن بعيدًا عن تحويل العسل إلى بصل، أو العكس، فحين كان الزمن عصر الحرب الباردة، على الصعيدين الدولي والإقليمي، انقسم العالم العربي إلى معسكرين: أحدهما محافظ وتقليدي، والآخر ثوري ومتمرد، وكان الإعلام هو سلاح الصراع الرئيسي بين المعسكرين وكان أيامها سلاحًا تقليديًا متواضعًا، لا يتعدى صحفًا ورقية، لا تغادر نسخها حدود البلد الذي تصدر فيه، ويسهل عادة مصادرتها في الموانئ البحرية والمطارات، ومحطات إذاعية أكثر تواضعًا، تبث على موجات متوسطة يسهل التشويش عليها، على نحو يحول بين الذين يستمع إليها من خارج حدود البلد الذي تبث منه، وبين ما تقول، بما في ذلك خطب المسئولين فيها، الذين كانوا يتبادلون أحيانًا عبارات الهجاء علنًا وعلى الهواء مباشرة، بألفاظ يعاقب عليها القانون… فكان الإعلاميون ينخرطون بحماس في هذه الحملات، ويتبادلون فيما بينهم الشتائم التي يتبادلها المسؤولون في بلادهم سرًا أو جهرًا، وينوبون عنهم في الرد على الإعلام المعادى، يفعل بعضهم ذلك بحكم الضرورة، حرصًا على أكل العيش، بحكم أن الأنظمة العربية، كانت تسيطر على الإعلام وتتملكه وتوجهه وإيمانًا منهم بالمثل العربي الذي يقول أن من يأكل عيش السلطان عليه أن يضرب بسيفه، أو ينطق بلسانه أو يعيره قلمه، وهو أضعف الإيمان، ويفعله آخرون انطلاقًا بأن السعي للحصول على ذهب أصحاب السلطان أفضل من التعرض لسيوفهم، وأن عيش السرايا ألذ وأحلى من عيش السوق.. ويفعله الفريق الثالث لأمة ينتمي إلى المعسكر الذي تنتمي إليه حكومة بلدة، ويؤمن بأن السياسات التي تتبعها، هى أن تحقق المصالح العامة للوطن وللأمة. وعادت ما تأتى الإشارة الأولى إلى تغير الفصول السياسية العربية وعودة الأنظمة من مرحلة خلط السمن بالبصل في علاقاتها، إلى مرحلة خلطه بالعسل، بإعلان مفاجئ – وغير مبرر – بأنها قد اتفقت فيما بينها على وصف الحملات الإعلامية المتبادلة فيما بينها.. وهو إعلان سرعان ما يلتزم به الإعلاميون العرب، على اختلاف دوافعهم الثابتة لهذا الالتزام، فينطلقون فجأة، ومن دون مبرر منطقي من تبادل الاتهامات بالخيانة القومية، والتفريط في حقوق الأمة، وبالذات حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه من البحر إلى النهر، إلى تبادل القبلات والأحضان وتبويس اللحى والدعوة لعقد القمم العربية، وإلى تكرار إذاعة نشيد «وطني حبيبي الوطن الأكبر» وترديد القول بأننا نحن العرب في الدم والقربى زوى رحم.. وفي الجرح والآلام إخوان، إلى أن تتغير الفصول، وتعود «سكينة» إلى عادتها القديمة، ويحل موسم خلط السمن بالبصل في العلاقات العربية، ويستأنف الإعلاميون حملات السباب المتبادل. ليس الإعلام العربي إذن هو المسؤول الأول أو الوحيد في الخلافات العربية / العربية، حتى تحولت هذه الأيام من حرب باردة إلى حروب ساخنة، ولكن هذه الخلافات، هى التي أساءت استغلاله ووظفته للقيام بدور يخرج عن رسالته، وعن مسؤوليته القومية، حين أفقدته استقلاله ومهنيته وأخضعته لضغوط أفقدته – كذلك – مصداقيته، فلم يعد أحد من الأطراف العربية المتصارعة، يصدق الآخر، حين يعتذر له بأن الإعلام في بلاده، حر ومستقل، وأنه ليس مسؤولاً عن الحملات التي يشنها ضده، ولا يملك أن يوقفها… وإذا كان لابد وأن يتحمل الإعلام العربي، بعضًا من المسؤولية على الخلافات العربية / العربية الراهنة، فلأنه لم يحرص بالقدر الكاف على استقلاله وعلى التقاليد المهنية ولو أنه فعل لأدرك أن الالتزام الطوعي بالدفاع عن المصالح العامة هو الشرط الضروري لتمتعه بالحرية!