“معطى مولانا” نموذج يستحق التأمل
الزمان انفو ـ رغم مشقة الطريق (50 كلم في عمق الصحراء) بعد قطع 130 كلم على طريق بتلميت، كان لقائي وزملائي مع الحاج عبد الله ولد الشيخ محمد المشري، المعروف علما بالحاج المشري، لقاء ذي شجون باختصار.
وبإيجاز الحاج المشري داعية ومفكر ومربي،
إنه فعلا أحد أعلام الطريقة الصوفية التجانية في العالم أجمع، لكن على منحى سني إسلامي موزون أصيل. التصوف في تصور الرجل، منهج إسلامي يعمل على زيادة الإيمان وتزكية النفس، لإيصالها إلى مقام الإحسان، وهو مقام بين الدلالة في الحديث النبوي الشريف: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”. منذ أن خلف والده رحمه الله الشيخ محمد المشري، المتوفى اثر حادث سير بالسنغال سنة 1975، وهو منخرط في مشروع إسلامي متكامل بـ “معطى مولانا”. عنوانه الالتزام مع التعلم وحسن التربية على الأسس الإسلامية الصحيحة، ومع مرور الوقت يتبلور في ذهن الرجل الكبير الصبور المتئد مشروعا تربويا، لرفع مستوى التعليم في القرية المباركة على منحى نوعي نموذجي، عنوانه الجامع المختصر العلم مع الذكر، تكريسا لمزاوجة النص القرآني بين الاثنين، لقوله تعالى جل شأنه “اقرأ باسم ربك”. هذا باختصار سر نجاح العملية التربوية الروحية في “معطى مولانا” الذي تأسس على يد والده رحمه الله سنة 1958. حاضنة لساكنة تتراوح اليوم بين 3000 إلى 4000 نسمة فما فوق، تنتصب اليوم “معطى مولانا” وسط 30 محظرة قرآنية، ومحظرة الشام الكبيرة، المأهولة بالأجانب والمحليين على السواء، وبانتظام، ومع متابعة أمنية رسمية، نظرا لاعتبارات معروفة. حيث أن الطالب الأجنبي يسجل بدقة، وعند تكرار الأخطاء يفتح المجال لغيره، دون مغامرة تفاديا للأسوإ المقلق لا قدر الله. وتوجد بـ “معطى مولانا” إعدادية للبنات وأخرى للبنين، وثانوية. ويشهد التعليم إقبالا وتحسنا معتبرا في “معطى مولانا”، يستحق مواصلة الجهد والتنويه والإشادة استدرارا للمزيد من النجاح في هذا المجال التعليمي التربوي الهام إلى أقصى حد، والذي يشهد نقصا مثيرا ملحوظا في جزء واسع من بقاع الوطن. شيدت في القرية 4 مساجد، منها على الخصوص الجامع الكبير، البارز المكان والمكانة، الحسن البناء والإقامة بكافة المعاني. فسبحان الله، ما أكثر صنوف النجاح المعنوي والمادي في هذه البلدة المباركة، التي أضحت مدنا جميلا يستحق الزيارة والتأسي، في عدة أوجه. فـ “معطى مولانا” القرية الوديعة التابعة إداريا لبلدية برينه، أصبحت مدنا بكامل معنى الكلمة تقريبا، إلا أن المشرف عليها الحاج المشري يفضل عدم المبالغة، تواضعا وسعيا فحسب، لرضوان الله وما ينفع الناس، على منحى إعمار الأرض المطلوب شرعا. قال الله تعالى “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”. تنقسم “معطى مولانا” إلى تسعة أحياء، لكل منها مسؤول حي يتبع له مسؤول النظافة والأمن، ومسؤول التعليم ومسؤول الصحة ومسؤول الشباب، ويختلط النسيج الاجتماعي، ويتداخل وينصهر في بوتقة الإيمان والتعليم والمحبة والتعاون والتكامل، حتى أصبح المعيار الأول الصلاح والإصلاح فقط، دون تمييز، ولذا أحد هذه الأحياء يرأسه صاحب عربة “شاريت”، وحي آخر يرأسه عجمي، حسب الإطلاق البيظاني المحلي. إذن التنافس في الخير ودرء المفاسد وإبعاد كل ما يعكر صفو الحياة الإسلامية الشمولية النموذجية. إنها باختصار ربما بإذن الله، بداية التحول الإيجابي المفحم، المثير للغبطة وليس الحسد طبعا. فالحمد لله رب العالمين. اليوم الأحد الموافق لـ 18-12-2016، بدأت الاستعدادات لتخليد ذكرى اسم محمد بن عبد الله، خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، عبر نشاط متنوع رائع رائد، يبدأ من مساء هذا اليوم، ويستمر ربما حتى الصباح أو إلى وقت متأخر من ليلة الاثنين. وفي هذا اليوم تزدحم “معطى مولانا” بالوفود والزوار، من كل حدب وصوب، تعبيرا عن تعظيم حرمات الله ومحبته وإتباعه صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الجوي الاحتفائي الاحتفالي البهيج المعتاد هنا، تزداد “معطى مولانا” زينة ونورا وسكينة ووقارا. هذا الصباح شهدت الحمد لله صلاة الصبح بالجامع الكبير هنا، فكان ما كان من ذكر مؤثر لا ينسى، فالحمد لله على شهود الخير، وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليس من رأى كمن سمع. لقد تذكرت حديثه صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده”. هذا عشته وشعرت به هذا الصباح بجامع “معطى مولانا” رغم ما انتابني من بكاء غالب حلو المذاق والنفس، مذهب لوحشة القلب بإذن الله. أحمد ربي حمدا كثيرا، الحمد لله على كل أمر وحال، والحمد لله على نعمة الإيمان وكفى بها نعمة، والحمد لله كما ينبغي لجلال وجه الله وعظيم سلطانه. زوروا “معطى مولانا” لتغرفوا بإذن الله مما ذقت بعض معينه، ذكرا وتأملا، واستماعا للحاج المشري، موجها ومبينا لمعالم مشروع روحي وتربوي وإسلامي عظيم، يخطو بحكمة وإصرار وتعقل وإخلاص، لتجسيده بإذن الله على أرض الواقع في “معطى مولانا”، تمهيدا لقابلية نقله، لكافة مناحي الوطن والعالم أجمع بإذن الله. وقد ركز الحاج في حديثه معي وزملائي، على أهمية تدعيم الدولة والوحدة الوطنية، رابطا بين ذلك، بمحددات ومبادئ شرعية واضحة، تنقل حق الجار تدريجيا مع هجر البداوة، ليصبح هذا الحق لاحقا بمستوى المواطنة, في ظل دولة آمنة، أساسها الاستقرار عبر العدل، كما نوه الحاج المشري بأهمية استحالة التزوير في أوراقنا المدنية، حسب قوله، مثمنا ذلك ومنوها به، داعيا لضرورة تدعيم بناء الدولة، والعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار، عبر بوابة العدل.
بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن