“أنا والخاطفون”…./ الشيخ بكاي

يتناول ما أكتب في الغالب قضايا عامة، لكنني في هذه سأتحدث عني و”هؤلاء” الرجال الذين احتلوا بيوتنا من دون استئذان في عملية اختطاف طويلة….

المختار ولد داداه: ذكريات طفل جرى خلف “الكادحين” فترة قبل أن يصطاده القوميون.. شعور طفل نحو نظام “نيوكولونيالي”..

كنت أعتبره “علجا” جاء به الفرنسيون، وتغيظني خطاباته الجميلة بالحسانية .. كنت أشعر أنه متحدث جيد ويغيط ذلك الطفل بداخلي.. أذكر أنني غضبت بداخلي مرة كثيرا وهو يقول في خطاب على الراديو: “اللي انياﮔـُ عشار يتﮔرَّع الرغوه”.

طردت في عهده مرتين من التعليم، مرة من التعليم الابتدائي وأخرى من الإعدادي. ولولا فتح المسابقات أمام “الأحرار” لما تمكنت من مواصلة التعليم..

ذقت في عهده طعم يد المرحوم “مَمَيْ” (كثيرون عرفوا طعم تلك اليد.. رحم الله صاحبها).. و في عهده أيضا خبرت رائحة القنبلة الغازية.. لكن لدي الآن الكثير من الاحترام لـ”أبي الأمة”.

 المصطفى ولد محمد السالك: كنت شابا ثوريا وهو عسكري انقلابي أقرب إلى اليمين.. سلمت من قنابله الغازية لأن فترة حكمه انقضت وأنا خارج البلاد..

محمد محمود ولد لولي: شعرت بالفخر وأنا في إحدى دول المشرق لأن صورته على التلفزيون أظهرت “قامة رئيس”.. وهو يذكرني بنكتة روج لها بعض الموريتانيين تقول إن ولد داداه ترك عفريتا في قصر الرئاسة، وحينما دخل ولد محمد السالك طرده منه بسهولة..

ولما دخل ولد لولي خرج إليه العفريت، لكن الرئيس صده ببرود: ” هيه حوز الهيه أنا ذاك اتقشري أكبر منو..أنا ماشي…”..

محمد خونه ولد هيداله:

قتل ولد هيداله العفريت في معركة طاحنة وبسرعة، لكنه قتل غيره أيضا.. ولأني التزمت في البداية ألا أتحدث إلا عن نفسي وهؤلاء “الخاطفين”.. أعود إلى الموضوع:

وقتها كنت ثوريا، عضوا نشطا في تنظيم سري، وفي الوقت ذاته مديرا لتحرير الوكالة الموريتانية للانباء.. أعتقد أنه رغم صغر سني وتجربتي المحدودة كنت أقوم على الوجه المطلوب بتنفيذ السياسة التحريرية للوكالة، أي سياسة الدولة… لم يشفع لي ذلك فقد أمر هيداله بإعفائي من المنصب.. وكُتِب قرارُ طردي على “الستينسيل” ليتم ترقيمه وتوزيعه ( لكن الوزير محمد المختار ولد الزامل أقنع الرئيس بالعدول عن ذلك مسجلا موقفا عادلا سيبقى دينا في عنقي..) تعرضت للكثير من المضايقات ومن أبرز من عملوا ضدي وقتها : “فلان الفلاني” (قائد المنطقة العسكرية السادسة، رئيس اللجنة الجهوية لهياكل تهذيب الجماهير، مدير مشروع قصر الشعب). انتهى بي المطاف في سجن هيداله مع الآلاف من الموريتانيين.. عرفت هنا كيف يتحول الإنسان إلى وحش يأكل الإنسان.. بعد خروج هيداله من الحكم والسجن بعده خصني بأول مقابلة يجريها مع صحفي وهي عندي مسجلة بصوته، وقد استخدمت بعض ما لم أنشر منها في كتاب “زوابع مارس”… بعد هذه المقابلة بدأت أميل إلى أن أسامحه… معاوية ولد سيدي احمد الطايع:

ساءت علاقاتي بالرئيس معاوية ولد الطايع إلى درجة لا تتصور نتيجة ما أكتب وأذيع في وسائل الاعلام العربية والأجنبية.. كنت في الواقع مستقلا في ما أكتب أتوخى المهنية، لكن الأحداث كانت في معظم الحالات سيئة ولا تخدم النظام، وأنا أغطيها كما هي… وحينما تكون الوقائع جيدة تكون التقارير جيدة للنظام.. ينضاف إلى ذلك ما يرد الرئيس من تقارير من مخابراته “الموازية”، التي كانت أكثر تحاملا علي من المخابرات الرسمية…

تعرضت لتهديد بالطرد من الوظيفة العمومية العام 1992 بسبب خبرعن قطاع البنوك، فطلبت تجميد قرار توظيفي (الوضع في حالة استيداع) رافضا التهديد.. وكان لي ذلك..

قررت الانتقام بإصدار صحيفة “المراقب” التي كنت حائزا على رخصة لإصدارها، لكن حينما بدأت العدد الأول رفض المهني القابع بداخلي استخدام الصحيفة في حملة ضد السلطة… فكانت أسبوعية مهنية أكتب فيها مقالا نقديا في ركن خاص بالرأي..

والحقيقة أن النظام حاول أحيانا استمالتي، لكنني كنت أرفض التقاط الإشارة..

تطور الوضع إلى مضايقتي في لقمة العيش التي أحصل عليها من مركز مراسل لعدد من وسائل الاعلام فصدر أمر لوزير الاعلام بأن يكتب إلى بي بي سي وجريدة الحياة أني ممنوع من الكتابة رفضت الوسيلتان الاعلاميتان وشنت منظمات دولية حملة لصالحي، واخترت شخصيا أن أدير الأزمة سلما، فلا أنا مستجيب لعرض بالعمل انطلاقا من السنغال أو لندن… فأنا قررت منذ زمن بعيد ألا أعيش إلاهنا.. أجريت سلسلة من الاتصالات شارحا الحالة.. وبعد نحو الشهرين استدعتني السلطات وقالت إنه يمكنني أن أستأنف عملي ( هنا أشيد بالأمير خالد بن سلطان مالك الحياة الذي كلف رئيس التحرير جهاد الخازن بالاتصال بي وإبلاغي أن راتبي مستمر وأنه لا قلق على أسرتي في حال تطورات أخرى.. وأشيد كذلك بموقف الـ بي بي سي القوي الذي قال في رسالة إنه أفضل لموريتانيا المراسل فلان في بلده منه خارج البلد.. والرسالة موجودة عندي)..

مع كل هذا كان ولد الطايع يحترمني كل الاحترام، ويعترف بقدراتي المهنية والكتابية، ويظهر لي ذلك كلما تقدمت فرصة.. وهناك شواهد لا مجال لذكرها الآن…

في آخر أيام ولد الطايع في السلطة هدأت علاقاتي معه. ولعب المرحوم النائب أحمد ولد اج دورا كبيرا في ذلك.. ولم يتغير في الأمر (من الناحية المهنية) سوى أن أذن النظام أصبحت أقل حساسية إزاء تقاريري فهي ظلت كما هي لا تريد إغضاب أحد ولا إرضاءه…

عينت في العام 2002 مديرا للصحافة والعلاقات الخارجية، والله خير شاهد على أنه لا علم لي بذاك التعيين… فقد كنت في تكانت أستفيد من عطلتي السنوية.. كان لدي دخل لا تمثل امتيازات مدير مركزي نسبة 2 في المائة منه، ولا رغبة لي في وظائف الحكومة… لكنني قبلت الوظيفة شاكرا.. واستجاب الرئيس الطايع لشرطين قلتهما للوزير شياخ ولد علي أحدهما أن أظل مراسلا من دون تدخل في عملي، والثاني أن تكون إدارة الصحافة إدارة فنية فقط، لا علاقة لها بالأمن) ..

أذكر لولد الطايع أنه كان يحترمني رغم ما تعرضت له من ظلم في عهده…

علي ولد محمد فال:

من أفضاله علي أن أعفيت من وظيفة مدير الصحافة في عهده.. وكنت وقتها في حاجة إلى وظيفة بعد أن فقدت بسبب الادارة اثنتين من المؤسسات التي كنت أعمل لها( وتلك قصة أخرى)..

وعموما كان الرئيس علي يحترمني، وذلك أمر مهم… أنا أسامح في كل شيء إلا عدم الاحترام..

سيدي ولد الشيخ عبد الله:

كانت فترته قصيرة.. لا أعرفه ولا يعرفني.. مضت فترته وكأنني غائب.. دخل قلبي مرة وأنا أعد تقريرا لـ “بي بي سي” عن خطاب استقالته. وما زال يرن في أذني صوته والتصفيق المرافق له وهو يقول : ” لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين “.

محمد ولد عبد العزيز:

عهد عانيت فيه من التهميش والتجاهل ما لا أعتقدني أستحق…

نال محمد ولد عبد العزيز نصيبا من تقاريري “المهنية” التي لا تسعى إلى إغضاب جهة أو إرضائها، وليس له أن يشتكي.. لم أقرص الرئيس بعد بمقالات رأي مثلما كان نصيب الرئيس معاوية.. كتبت الكثير من مقالات النقد “الكيس” المتناسب مع المرحلة التي أنا فيها، لكنني أيضا أنصفته في أمور أعتبره محقا فيها… وخيل إلي في وقت ما أني أتبنى بعض الشعارات “الشعبوية” التي رفع.. وأنا فعلا أعترف له بإنجازات محددة.. ولست من القائلين إن محلات “أمل” مسرحية.. هي وجدت فعلا واستفاد منها الكثيرون.. هل يعني هذا أني أتبنى أخطاء النظام ؟.. لا ..أبدا..

الفرق كبير بين الرجلين معاوية وعزيز وبين مرحلتيهما… عزيز لا يهمه “النقد” ولا “الانتقاد”.. وأخشى أن أقول إنه لا يحترم أحدا لفرط احتقاره للمنافقين.. أعني شعبه ( لا أعمم طبعا)…

لم أتشرف بالاقتراب منه .. وجهت إليه طلبا واحدا ذات مرة فرفض.. كنا صحفيين قلة نرافقه إلى نواذيبو حيث أعلن استقالته من العسكرية لترشيح نفسه في الانتخابات.. وكنت في الصف الأول، وكان معه مساعد له يقدرني جيدا، وألح عليه: ” بكاي.. بكاي…” ليسمح لي بطرح سؤال” لكن “الجنرال” وقتها، رئيس الجمهورية الآن، واصل تجاهل يدي، وصوت مساعده…

قد لا يكون سمع صوت مساعده، وقد لا يكون رأي يدي، فلا شيء يمنعه من تركي أطرح سؤالا..

لم يسجن عزيز إلا متهما بإثارة القلاقل، أو باختلاس المال العام.. أنا والحمد لله أحد كبار الداعين إلى الهدوء، وهو لم يأتمنني على مال يسجنني بسببه..

الشيخ بكاي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى