من الإجازة الى “موريتامبيا”/ محمد الأمين محمودي
منتجع تيرس كان ضروريا ليرتب العزيز فيه اوراقه المبعثرة، الذبائح و الهدوء و العائلة و القديد و السمن و العودة الى الطبيعة و حياة الأسلاف أمور يحتاجها ابناء الصحراء و لا يمكنهم البقاء لعشر سنوات دون جمعها بشخوصها ودوابها في صحراء لا كهرباء فيها ولا صخب ولا ضوضاء ولا ولد اجاي و لا الكنتي ولا قضية اسمدة روصو المحرجة.
خلال اسبوعين او ثلاثة استطاع ولد عبد العزيز البقاء مع خلصه من الأهل و الأصدقاء، فقد سافر جميع افراد الجماعة الحاكمة الى المنتجع القصي،..صحيح انهم ليسوا من قبيلة واحدة لكنهم بالاضافة لأفراد الأسرة الصغيرة يشكلون الجسم الذي يحكم البلد، من العسكري اللطيف غزواني الى الخشن ولد باية مرورا برجال أعمال يصنفون جميعهم في سوق الأعمال بأنهم تجار وباعة وليسوا رجال اعمال.
السيدة تكيبر تقضي وقتها بين السرادقين وهي تلعب في التراب لعبة ” استغفر الله” وان قطعت غمزها للتراب مرة فلكي تسمع من عرافتها ما يسرها و يسر الرئيس الذي يتلقى من هذه المرابطة “تنزيلات سماوية”، عرافة الرئيس عادة لاتتحدث الا بمايسر خوفا على حياتها ومستقبلها” المهني” .
هناك في مجلس ” الرجال” يتمرفق عزيز، في حين على باقي اعضاء الشلة ان يظلوا جالسين و يستحسن ان ينظروا في وجهه بين الفينة و الأخرى لدراسة حالته الشعورية اذ أنها المحدد الوحيد لإمكانية تمرير صفقة أو طلب تعيين او نميمة يكون ضحيتها احد الأطر او الوزراء الذين لم يتمكنوا من تنفيذ بعض طلبات اعضاء الأخوية، تعففا و ورعا في ظاهر الأمر وإن كان السبب الحقيقي للإعراض يكمن في عدم ظهور عزيز في الصورة بصفة واضحة.
سيتخيل الكثيرون ان الرجل يستظل بخيمة عادية ويفترش حصيرا او سجادة عادية، بينما الأمر مختلف عن ذلك تماما فقد حركت من اجله غرفة نوم في قافلة خاصة، العسكري الذي ألف المبيت في العراء لم يتمكن من النوم ليلة واحدة بدون السرير و فرشة القطن الخالص و مناضد الابنوس.. هكذا تتغير ابدان الناس في لمح البصر، أذكر انني كنت اسافر بصفة يومية الى المذرذرة ودون الشعور بالتعب او الرغبة في التقيؤ رغم ان الرحلة كانت تدوم ثمان ساعات بين التلال المبتلعة.. الآن بعد أن تم تعبيد الطريق وبعد أن أصبحت الرحلة قصيرة أفكر الف مرة قبل أن أقرر القيام بزيارة لأرض أحببتها و أحببت اهلها..أما السبب فهو ان جسمي ألف البقاء في انواكشوط و انواكشوط فقط..إنه الخمول المكتسب و هو الذي يعاني منه الرؤساء الموريتانيون بعد البقاء لشهرين في القصر الرئاسي. إنه قياس مع وجود الف فارق لكن الدنيا في النهاية جمعتني و الرجل في عالم واحد و بالتالي فليس بالشاذ قياس بدني ببدنه و قوة تحملي بقوة تحمله.
حين تنتهي الشلة من احاديثها ضحى كل يوم يجلب ” الحرطنيان” ذبيحة مشوية، وطبعا سيحظى ” أسن ” القوم بشرف تقطيع الأضلع لرئيس يتناول اصلا من كومة من قطع اللحم تسابق الباقون لوضعها بين يديه قبل ان يمنحه “صاحب السكين” اطايبه و لينه..،طبعا في النهاية سيأكل افراد الشلة أكلهم الطبيعي حين يغسل الرئيس يديه ويدخل غرفة النوم ليترك لهم الفرصة للافتراس فهنا سيكشر كل واحد منهم عن أنيابه و يذهب الوقار والإيثار الى الجحيم فهم امام الرئيس يختلفون عنهم حين يكون غائبا.
في خلوة الرجل لا يشغله غير احمد ولد داداه وولد بدر الدين والاسلاميين، إنهم من يحتمل ان يعكروا عليه صفو السنوات المقبلة.. إذا حاول البقاء سيصرخون في وجهه ويستصرخون العالم، إن اراد التعديل بقوة الشعب، فهم أيضا يملكون أكثر من نصف أصوات هذا الشعب، أما أن أراد شق صفهم فستبقى الشرعية مع احمد وبدر و جميل أينما كانوا ، آه على ذكر اسم بدر يندب الرئيس حظه بأن ولده الجامح ما انفك يزعجه و يخلق له المشاكل و لا يستقر على حال، حتى بعد ان تم ” تعميده” و أدخل قسرا في الحقل الخيري مازال مضطربا و يحتاج لسنوات في الاصلاحية.. رحم الله احمدو كان يمكن ان يكون حلا و حلا منطقيا لحلم البقاء و الخروج في آن واحد.. رحمه الله كان متعلما ومحترما..
حين يعود الرئيس ليحلل طباع و مزايا و طموحات خصومه يجد ان احمد لا يريد و لا يريد له أنصاره غير الرئاسة، وفي حين لا يريد بدر الدين و حزبه شيئا محددا يسعى جميل لأن يكون الاسلاميون ككل وككيان القوة الحاكمة .. في داخل الرجال الثلاثة أشخاص يحتمل و يمكن ان يشق بهم الصف لكن حين يصل عزيز في كل مرة لهذا الاحتمال يصطدم بأن الشرعية ستبقى مع هؤلاء الأشخاص كظل ملازم..
تعيين جبريل و ميمونة “وخض”كمبة اكرا قبل فتحها (اي ازاحتها) قرارات من وحي المنتجع ولها علاقة بأفراد الشلة وتقارير شواء الضحى.
عاد ولد عبد العزيز في النهاية وقد وجد حلولا ولو غير منطقية لأغلب مشاكله الا المشكل الذي يؤرق الجميع، و ينتظر الجميع تحركه بشأنه حتى يصير الناس الى الفسطاطين التقليديين فسطاط القبول وفسطاط الرفض.
عزيز عاد وقد زاد خمسة كيلوغرامات حسب اطبائه ومقربيه، و طبعا لن اتصور او اتخيل ان يسأل برلماننا الرئاسة عن المواد التي كانت السبب في زيادة الوزن،، هل اشتريت من مال خاص ام من ميزانية الدولة، و هل زيادة الوزن هذه مسموح بها للرئيس لأنها ستكلف الميزانية ميزانية اخرى للتخسيس واخرى لشراء ادوية الضغط والسكري ومعدات رياضية..
لا يمكننا ان نحلم فنحن ما زلنا نتعامل مع قضاء يعتبر الرئيس فوق القضاة و برلمان يعتبره تحت السماء لكن بسنتيمترات فقط.
انتهت الإجازة،إجازة من ماذا؟
و عاد الرئيس إلى انواكشوط حزينا لأنه رغم الجو المريح لم يخلص الى حل مقنع له وللعالم.
ومع خروجه من خلوته واثناء تخبطه الذهني أرسل الله مشكل غامبيا فوجد فيه مايشغل الناس مؤقتا، ثم ما لبث أن قرر للمدة أن تطول إذ قرر أن تكون مبادرته التي أخرجت جامي هي نفسها التي ستكرس بقاء صاحب المبادرة في قصر آخر، فلو دخلنا حربا و لو نظريا مع السنغال الصديق اللدود فالأكيد أن الجيش سيدخل البلاد في حالة طوارئ تشتغل بموجبها طاحونة القوميين التي ستتحدث عن الوحدة التاريخية بين البلدين، “موريتامبيا” وعن سبحة جامي ومصحفه ومصاهرته لسكان “الرجل الحمراء” و يدخل بموجب هذه البروباكاندا دستور البلاد في إغفاءة طويلة تكون لوحدها كافية ليظل الحال كما هو عليه لسنوات عديدة و على المتضرر اللجوء الى قضاء دولي يقوده منذ أيام مجنون يسمى ترامب..
لم ندخل في الحرب بعد لكنها فكرة ولدت بعد الإجازة والاسترخاء و الانتهاء الى أن المعارضة الثلاثية الأضلاع قذى لن يبرح عيون العسكر و لو انضم للحزب الحاكم كل الموريتانيين.. فالفرسان الثلاثة عند الكسندر ديماس أرهقوا الشارب الأسود “الموستاش انوار”منذ معاوية و ولد محمد فال و انتهاء بعزيز. قضية السنغال و غامبيا ستكون حلا لمشكل شخصي و ستكون مشكلة لمنطقة بالكامل، و الأيام القليلة القادمة ستكشف انها ليست سحابة صيف وانما مطر صلى من اجل هطوله الصالحون من أنصار بقاء من في سلطة انواكشوط في قصر ام ركبة..