تسيير أزمتنا

alt

أزمتنا السياسية ليست وليدة حكم عزيز لوحده، ولكنها ترسخت وتعمقت في ايامه، فلم تحصل إنقلابات بهذا الحجم من التأثير السلبي في وقت متقارب، كما حدث في ايام نفوذ محمد ولد عبد العزيز.

يوم الأربعاء 3 اغسطس2005، عزيز هو القائد الفعلي للإنقلاب على الرئيس معاوية، يوم الأربعاء 6 أغسطس 2008عزيز هو الواجهة العلنية للانقلاب على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، رغم ما يروج له من أن الجنرال محمد ولد الهادي هو صاحب المبادرة الأولى في تنفيذ إنقلاب سيدي، أول حاكم مدني للبلاد بعد الراحل الرئيس المخطار ولد داداه.

ثم خرق اتفاق دكار بإجازة انتخابات مثيرة، كان من المتوقع لها على الأٌقل، ان تنتهي -ولو بشكل مثير كذلك – إثر شوط ثان، إحتال عليه ولد عبد العزيز، ومنعه من الحدوث، فكان له الحكم بعد انقلابين وإقتراع حرك الشكوك بالتزوير والتحايل.

ثم دخلنا في دوامة من الشد والجذب بين أطراف المسرح السياسي الوطني، وخصوصا -في المرحلة الراهنة- بين النظام القائم المهيمن وأغلبيته ومنسقية المعارضة من جهة ثانية، تلك الأغلبية المشكلة أساسا من كتيبة البرلمانيين وأحزاب المنفعة والتزمير.

تواصل وتصاعد هذا التجاذب السياسي المقلق، خصوصا بعد الربيع العربي في تونس ومصر، ولم تأت الرصاصات -إن كانت رصاصات فعلا- بخير كثير للساحة السياسية المشتعلة، سوى تشكيك المعارضة المستمر في قدرة “الرئيس” على أداء مهامه المفترضة، بغض النظر عن موضوع الشرعية، مع تناقص طفيف ملحوظ في لهجة “الرحيل”.

المهم، مازال الانسداد السياسي في أوجهي، ومازالت الديمقراطية والعدل والمساواة، مجرد حلم كبير مشوق، وكابوس في نظر أنصار الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة، القائمة على الزبونية والقيم التقليدية، في المناصرة والتحالف، من قبلية وجهوية، وما سوى ذلك، من وشائج إجتماعية، لم يستطع كثير من الموريتانيين الخروج على دائرة أسرها المرهق المعوق.

فكيف نخرج دون تقليد واستنساخ لسلبيات العنف، في تجربة “الربيع العربي”، رغم إيجابية وعد التغيير ومحدوديته الكلفة، في تجربتي تونس ومصر، ومن جهة اخرى دون تباطئ عن إنجاز حلم التغيير المنشود الوشيك المرتقب، وفق أكثر من مؤشر وإرهاص..

تلك هي الإشكالية، أو السؤال الكبير، الذي سأدندن حوله، بحذر وإيجاز بإذن الله.

عزيز-شفاه الله وأبعده عن أمانة حكم لا يصلح له، ليس مخلدا في كرسي الحكم، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك، ولن نفسد أمر وطننا ومجتمعنا، بسبب غيظ استبداده وسوء تسييره لدفة الحكم والأمر العمومي، بل الحل هو تصعيد الضغط السلمي القانوني المتاح، ومحاولة توسيع الهامش، تدريجيا بحكمة وتعقل وحذر، دون الوصول إلى حدود العنف أو إهمال دعوة الرحيل المشروعة وشعارات ومشاريع التغيير السلمي المطلوب.

وأما ما يخطط له من انتخاب أحادي خادع، فهو أمر محرج، خير لاهل المعارضة المشاركة فيه، حتى لا نسمح بإطالة عمر نظام العسكر والاستبداد، فهم لن يتراجعوا عن محاولة تشريع حكمهم وتجميله، ببرلمان مفبرك في أغلب مكوناته الانتخابية.

ولو قاطعت المعارضة، فلن تحصد إلا ابتلاء الشعب الموريتاني ببرلمان أضعف مستوى، وأقل أداءا من الحالي، وكذلك في شق البلديات.

والمشاركة قد تتيح زيادة عدد مقاعد الرافضين للاستبداد وسوء التسيير.

فزحام النظام الأحادي الاستبدادي في أكثر من موقع وساحة، قد يمهد لخلاص سريع من الورطة المزمنة، حكم العسكر ومافيا النفوذ التقليدي المحابي، و لو على مر مراحل ومدارات تدريجية مدروسة.

إن الانزلاق نحو دائرة العنف، لا تسمح به عوامل واعتبارات عدة، فنحن مكونون من فسيفساء أتنية وطبقية، شديدة القابلية للاشتعال، ولا يجوز تجريب عود الثقاب في مخزن الوقود.

ولبقاء سلميتنا نموذجنا حيا، لدى الجوار الإفريقي المضطرب في بعض جوانبه، مثل الحالة المالية في الوقت الراهن.

فلقد ظللنا دعاة وتجارا مسالمين، في نظر الإخوة الأفارقة الزنوج، في منطقة غرب إفريقيا، على وجه الخصوص، ومن الأفضل لوحدتنا الوطنية داخليا، وللحفاظ على دورنا الريادي الدعوي والرسالي، أن لا نخوض فيما تساهل فيه البعض، من هرج ومرج، حذر منه قائدنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، وبشر بأن منطقته في الغرب، ستبقى أقل لوثا بالفتن.

فهل من مدكر؟

عزيز، حذار من التفكير بأي دعوى أو سبب في تجريب مدى صبر الناس، أو محاولة استنفارهم على الدوام، نحو خيار العنف المرفوض نظريا وعمليا.

والمعارضة، لو ذهبت في ساحة العنف، فقليل من الناس-وبصعوبة-، سيقبل -لا قدر الله -الخوض في هذا المسار المخيف العواقب في حساب العقلاء.

إن استقرارنا لن يتحقق بالتغيير السياسي وحده، فبعض ما يرهقنا إجتماعي عنصري طبقي صرف.

إنه مجتمع التمييز الصامت غالبا، الصارخ أحيانا.

فنحن عرب، وآخرون سمر، وداخل هؤلاء أصناف عدة وعديدة.

وآخرون زنوج، وهم أمم وطبقات شتى كذلك.

فلا حياة هادئة إسلامية، هنيئة لهؤلاء جميعا، في ساحة بلاد شنقيط، إلا بمزيد من الشراكة في المال والدم، عبر التمويل والتواصل الاجتماعي المفتوح، وصولا إلى التزاوج والاندماج الفعلي الكامل، وأعرف أنه سيواجه صعوبات نفسية وشعورية معقدة ومتنوعة، لكنه هو المشروع المكمل، وربما المؤسس الأول لاستقرار سياسي واجتماعي واقتصادي دائم، في هذه البلاد، ما قامت دولتها وقصة وجودها.

عسى أن تزداد لبنة السياسة والشورى إن لاح صبحها، بلبنة البناء الاجتماعي والتقارب الحقيقي، المزيل لضغائن واختلافات العرق واللون، وهي في الحقيقة مجرد ابتلاء واختبار من الله، ليعلم ويميز الجاهل الأحمق من الحاذق الملتزم.

اللهم أصلح بيننا واهدي سفيهنا، وقوم طريقنا نحو الإسلام والعدل والشورى والتآلف الجاد الأبدي. اللهم آمين.

إن إدارة وتسيير أزمتنا المزمنة المتعددة الأوجه، يحتاج أيضا إلى تحريك الساحة بقوة وحزم، فالمعارضة تتحمل مسؤولية التغيير نحو الأفضل -إن شاء الله- ومن واجبها الإصرار على نهجها الداعي للإصلاح الفوري او الرحيل السريع الفوري كذلك، فمصالح الناس، لم تعد تسمح ببقاء هذا العنيد المبتلى، عافاه الله، وما من سبيل إلا زيادة الضغط السياسي السلمي، والمشاركة في انتخاباته الهشة بشروط كثيرة، ومواصلة مسار الزحام الحضاري الحذر، والسهر على هذه المقاصد النبيلة بتوازن، حتى نخرج من لجي الظلم والظلمات، الخصوصية والمحسوبية في الشأن العام والمال العام.

فقد ضاعت الحقوق وأهملت الواجبات، دون خوف من الله أو ردع من القانون، والقضاء معطل محاصر عن قصد وسبق إصرار.

إن الانشغال بالمؤتمرات، ودراسة الأوراق والبيانات، قد لا يكون الأهم، رغم الحاجة المحدودة إليه، وإنما مراجعة أساليب النضال السلمي، وتوسيع نطاقها الزماني والمكاني، هو العنوان الأفضل للمرحلة الحرجة الحالية.

لقد فاض الكأس وانتشرت مطامح الحكم، إلى حد التفكير الصريح، في دورة استبعاد ثانية، لم يتردد بيجل في إعلان الترحيب بها، إن حصلت، لا حول ولا قوة إلا بالله.

ولنعلم أن طلب التغيير نحو فرصة أخرى، لتسيير أفضل للشأن العام، لا تعني مباركة الكراهية أو رفض الآخر أو قصد تصفية الحسابات، قليلا أو كثيرا.

لا، وكلا، بل الهدف هو رضوان الخالق بالعدل فحسب، تعبدا وقربى إليه وحده.

“إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون”

“إنا عرضنا الامانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا”.

الله سلمنا من حمل الأمانة، واعن من تحملها بحق.

لقد أتعبنا -معشر الرعية- من ابتغوها برغبة وعنف وتكالب. اللهم سلم…سلم….

عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير جريدة “الأقصى”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى