هذا بيان للناس
ذكرنا بالأمس القريب بعمر الأمة الإسلامية الذي لم يبق منه بإذن الله سوى 62 عاما وليس ذلك من باب الدعوة إلى الزهد في الدنيا والاستسلام للواقع المر والأليم الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية ولا إلى فقدان الأمل في المستقبل الذي قد لا يرغب في العمل لأجله من اعتمد في عملية الاستشراف على فظاعة ما يجري اليوم تنفيذه ميدانياوعلى أن ما تخفيه الأيام قد يكون أعظم .
واليوم أنصتوا لمن يصرخ برفضه لنمط الحكامة الذي عرفته البشرية منذ فترة غير قصيرة والذي يتميز بالتحالف الصريح بين الطبقة السياسية الحاكمة أو المؤهلة للحكم وأصحاب المال والأعمال؛ ومن سمات تلك الحكامة في الدول الغربية الكبرى احتكار منصب الرئيس والوظائف السامية المحيطة بالحاكم على جزء قليل من الطبقة السياسية المنظرة ومن البرجوازية الممولة والراشية. أما في الدول النامية فمن استطاع الوصول إلى كرسي الرئاسة فقد يبقى ما شاء الله وما أذن ربنا بانقلاب عسكري أو بتدخل أجنبي مباشر أو غير مباشر. لكن السلطان يعتمد في هذه الحالة ـ خلافا لما في الغرب ـ على القوة الاجتماعية التقليدية والدينية والطبقة المثقفة أكثر من السياسيين وأصحاب المال والقوة العسكرية والأمنية.
ومن سمات الحكامة الحالية أيضا التوجه الليبرالي الأعمى على أساس مبدأ السوق الحرة وقانون العرض والطلب وهو التوجه الذي انتهى بخدعة العولمة وجعل الكرة الأرضية فضاء تتنافس فيه كل الدول وتتكامل حيث يسمح لكل لاعب أن يسد أي نوع من الفراغ يوجد لدى غيره. ومن هنا تعذر على الكثير من الدول استخراج ثرواتها الطبيعية وخلق قاعدة صناعية قادرة على منافسة الدول الكبرى على الصعيد الوطني وفي الأسواق العالمية على السواء. إنها سياسة أدت في محصلتها إلى ضمان تبعية الدول النامية مع إعطائها هامشا من الحرية في النمو كاف فقط ليرفع دخل المواطن إلى المستوى الذي يجعله مستهلكا جيدا للبضاعة الأجنبية.
إن الشعوب في كل مكان أصبحت ترفض هذا النوع من الحكامة وتبحث عن بديل له، إنه البديل الذي نرى الشعوب متخوض كل أنواع المغامرات في سبيله وتقدم مختلف التضحيات الجسام من أجل تحقيقه؛ وما الإرهاب والغوغاء والفوضى والفتن التي تعم المعمورة إلا تجليات لفقدان الأمل ونفوذ الصبر وضبابية الأفق، إنها أعمال يقوم بها من أيقنوا أن امتلاك السلاح النووي يقتصر على ناد محدود الأعضاء وأن الغرب ومنافسيه الجدد ماضون جميعهم في نفس النهج، وهو النهج الذي بلغ الحد الأقصى بالنسبة للشعوب في تقديم الدعم الصريح لدرجة الوقاحة لحكام الدول التي تعطي الأولوية لتمكين الغرب شركاته العابرة للقارات وتساند مواقفه في المحافل الدولية وتغض الطرف عن سياسة ازدواجية المواقف والكيل بمكيالين.
وفي هذا الإطار تدخل الأصوات المتزايدة التي تصدع في كل مكان من العالم بكفانا صبرا على الحكام الذين شجعهم هذا التصرف على التعبير هنا وهناك عن الرغبة في البقاء الأبدي في الحكم مباشرة أو عن طريق توريثه لأبنائهم أو لمن يكفل لهم عدم المساءلة ويضمن مصالحهم ومصالح من كانوا أداة بأيديهم أو من خلفهم. ومن وراء حجاب
أيها الناس اعلموا أن الإرهاب ظاهرة تخشى وعلينا جميعا أن نخشاه ونخشى عواقبه إذ سيوجد في السنوات القادمة إرهابي في كل بيت من بيوت القارات الخمس وسيوجد إلى جانبه مهاجر ليشد عضده، والإرهاب الذي نعنيه هنا هو الذي يشمل الحركات التحررية (فلسطين) والقومية (وحدة الأمة العربية واليمين المتطرف في الغرب وغيره) والحركات التي تؤمن بإعادة الخلافة (بعض الحركات الإسلامية) والدول التي تصبوا وتتطلع إلى استقلالية القرار والتحكم في المصير ثم المتمردون الرافضون للحالة التي آلت إليها الفروق بين مكونات المجتمع الواحد (المهاجرون وغيرهم) وأخيرا ألئك الرجال والنساء الذين يرفضون بالفطرة الظلم ويصطفون دائما إلى جانب المظلوم بغض النظر عن لونه ودينه ومكانته حسب منظومة قيم مجتمعه. إنها بوار صعود جيل جديد أصبح هدفه الوحيد أن لا يطمئن الحكام الوطنيون الذين استسلموا وسلموا بلادهم وأن يبعثوا الرعب وينشروه في قلوب قادة دول الغرب ومواطنيهم وأن يحاربوا مصالحهم في الداخل والخارج.
واعلموا أيضا أيها الناس أن لا يلوح في الأفق تغيير سياسة شرطي العالم والحل العسكري للخلافات والنزاعات على الرغم من فشلها في أفغانستان والصومال ثم العراق وليبيا وسوريا واليمن ومالي وساحل العاج وإفريقيا الوسطى ..إلخ. نعم إن أصحاب هذه السياسة بدل اللجوء إلى مقاربة جديدة تتمثل في إعادة النظر في الأسباب ثم البحث عن الحلول السياسية المناسبة نرى أجنداتهم تضم لائحة دول جديدة لا ندري متى ستشجع فيها الفوضى الداخلية أو توجه إليها نيران السلاح المدمرة.
أيها الناس لا يعرنكم تقلب الروس والقطب الذي في طور التشكل حول رئيسهم بوتــــن لأن هذا القطب سوف لن يختلف كثيرا عن منافسه الذي انفردت الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن بقيادته؛ لكن قد يقول قائل إنه سيخلق هامشا للتحرك لمن سيجيد لعبة التعامل مع متنافسين لا يتظاهرون بالعداء إلا حين تتعارض مصالحهم الإستراتيجية.
أيها الناس لا تغرنكم كذلك المطالبة بإعادة هيكلة منظمة الأمم المتحدة بعد أن شتت الفاعلون فيها أعضاءها وخططوا لإعادة صياغة حدود العالم على أساس يضمن السيطرة على مصادر الطاقة والممرات المائية والبرية الإستراتيجية ويجعل في نفس الوقت من إسرائيل عروس البر والبحر.
إن الذين يأملون بناء المنظمة الأممية على أسس أكثر عدالة يكون فيها للدول دورا يأخذ بعين الاعتبار مستوى النمو وعدد السكان واهمون وواهم كذلك من يأمل أن تسترجع المنظمة الدور الذي لعبته قبل سقوط الاتحاد السوفيتي واستئثار أمريكا وذيلها من الدول الغربية بالقرار.
أيها المسلمون اتقوا مواجهة الحكام في بلادكم مهما سادوا وأفسدوا ولا تركنوا إلى الذين قد يثيرون الغوغاء والفتن بلمز أو غمز قد تجر إساءة فهمه إلى انطلاق الشرارة الأولى لما لا تحمد عقباه من قول وفعل. واخفضوا جناح الذل من الخوف للدول المنتصرة اليوم وتعاملوا معها بطريقة ابراغماتية حتى يأتي الله بأمره.
هذا بلاغ للناس عامة ولمن يتذكر من المسلمين خاصة نهج رسولنا صلى الله عليه وسلم من يوم بعثته الأول إلى يوم فتح مكة وكيف أدار مرحلة التمكين وهو النهج الذي يحاول أن يردنا إليه فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه بوسطيته وعبر عنه الحسن محمد ماديك ب “فقه المرحلة”.
أيها المسلمون قوا أنفسكم وأهليكم نارا واقدها الحقيقي الظلم المتفشي في كل مكان وقد تكونون أنتم وقودها بحجة مكافحة الإرهاب الذي سببه ذلك الظلم والمسبب.ـ كما تعلمون ـ لا يزول إلا بزوال السبب.
أنصتوا واسمعوا وعوا حفظكم الله وحفظ موريتانيا من كيد أبنائها وكيد الكائدين.
د.سيدي المختار الطالب هامه