هل تكفي المعارضة بالبيانات؟ / بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
نادرًا ما يخرج قادة المعارضة من مكاتبهم، وأنصارهم رهن مخطط القادة، فيما يُلاحظ عمومًا تركيز معارضتنا على البيانات وخرجات إعلامية وميدانية محدودة.
وفي هذا السياق فضّل المنتدى التركيز على إصدار البيانات بوتيرة شبه منتظمة، منذ أكثر من سنتين،حرصًا على مواكبة المستجدات السياسية المختلفة.
مع أن هذه المعارضة أصبحت مكبًا لكل مغاضب، فظهر في صفوفها الأمامية رئيس سابق،أمضى أكثر من 20 سنة مديرًا للأمن، بما تعني وظيفة مدير أمن من أوامر التعذيب أحيانًا، ومصادرة الحرية على الأقل، كما ظهر في الصفوف الأمامية لهذه المعارضة وزراء سابقون ومسؤولون سامون من مختلف الحقب السياسية في البلاد، مما غطى على المعارضة الأصلية، فأضحى طموح هؤلاء للعودة لساحة النفوذ، عبر ركوب المعارضة، أسلوبًا متاحًا لاختبار الحظ.
ومعلوم أن معارضتنا الراديكالية بوجه خاص، مؤسسة على أحزاب معروفة، يتمتع بعضها بتاريخ نضالي وطرح فكري، يحمل ضمنيًا رؤى واعدة في مجال الحكم، فما الذي يحمله أصحاب الحقائب السابقة، سوى حلم استعادة تلك الحقائب وما يترتب عليها من حظوة؟.
وبسبب هذا الزحام في الصف الأمامي، أضحى الصف المعارض الراديكالي، مشحونًا بالمنافسين الطامحين، القادمين في الأصل من جهة الموالاة، بل رأينا بعضهم استعجل سقوط النظام القائم، ورجع إلى صف الموالاة، الذي ألفه طويلا، بعدما أعطي جزءًا يسيرًا جدًا من الكعكة المُغرية لمن تعودها، حسب ما يبدو.
لقد فقدت المعارضة تماسكها، فأنتجنا محليًا، معارضة تعملُ لصالح النظام، سموها “المعاهدة”، كما فقدت هذه المعارضة عمومًا صفاءها بسبب دخول كثير من أبناء الأنظمة المتعاقبة، فظهرت المعارضة عندنا كأنها طريق رجعي فقط لساحة النفوذ.
توسع المعارضة مجالها لكل من دب وهب، ربما للجمع والحشد ضد النظام، إلا أن الدخول الزائد للنفعيين يُفقد الجسم المعارض جمال سمت الممانعة ضد الباطل وطابع الرفض للتساهل وسوء تسيير الشأن العام.
ولعل اعتماد المعارضة الراديكالية على النشاط الإعلامي بالدرجة الأولى، عبر إصدار البيانات لا يكفي طبعًا، فلابد من النزول للشارع، بصورة مستمرة ضاغطة وسلمية وحضارية، فالنظام الاستبدادي الانقلابي القائم أضعف مما يتصور البعض.
فثمة معارضة كامنة داخل “الموالاة”، لكنها تحتاج إلى تشجيع ومؤشر صمود وصلابة.
وتبقى أيضًا المعارضة بحاجة لبلورة برامج بديلة للحكم في كل مجال على حدة، وعدم الاعتماد على الشعارات الفارغة.
الشعار يكتسب تأثيره مع مزاوجته مع برامج ومقترحات شاملة، لإقناع المعنيين بقدرة المعارضة على تمثيل البديل الجاهز الجاد المتبلور، وإلا فإن إلقاء شعار هنا وهناك، قد لا يكفي البتة، لجذب المواطنين للتوق للوصول لدور هذه المعارضة في الحكم، هذه المعارضة التي تعتبر نفسها بالدوام بديلاً للنمط الحالي.
أتُرى يكفي استبدال عزيز بمدير أمن سابق، أو وزير أول سابق، متهم في قضية الخطوط أو الأرز الفاسد، أو غيرهما ممن يحتل واجهة مسيرات المعارضة، من رجالات الأنظمة السابقة البائدة؟.
لقد غطى بعض هؤلاء على رمزية رجالات المعارضة المعروفين، بصبرهم على ساحة الرفض منذ وقت مُعتبر، وكادوا يفسدون نوع البذور الفاعلة بغشها بأخرى شبه منتهية الصلاحية، أو على الأقل غير مغرية في حساب الكثيرين.
لقد آن للمعارضة أن تُراجع أسلوبها وطريقة خروجها وخارطة طريقها النضالية للوصول بفعالية وسرعة لأهدافها الإصلاحية المنشودة.
أما إن أصرت على نفس الأسلوب، فأخاف أن تصل يومًا إلى مستوى تتماهى فيه مع المجموعة الحاكمة، من حيث الأشخاص والتشدق بالشعارات الرنانة الفارغة من برامج ملموسة مُصاحبة.
الفرق بين الموالي والمعارض قد لا يخفى كثيرًا.
الأول، الظاهر أنه أحرص على كسب عاجل ضيق ولا يريد التضحية كثيرًا، أما الثاني فضحى ببعض مصالحه أو كلها، من أجل نموذج حكم أفضل لهذا الشعب المغبون، لكن ساحة المعارضة تعرضت للغزو والعدوى من طرف متساقطى تجارب الحكم السابقة، وأصبح الميدان المعارض الراديكالي ساحة يتشبث بها الفاشلون للرجوع ـ على نمطٍ ما ـ للواجهة.
فهل فوق هذا من خسارة للتميز، بحجة أن بعض الوافدين مست منهم أدوارًا وملفات سابقة متعددة، كما أنهم ربما غير مشبعين بالقناعات الإصلاحية، فكيف قُبلوا بهذه البساطة دون مراعاة هذه المآخذ المنطقية.
الشعب الموريتاني على وشك أن يضيع أمله في التغيير الإيجابي، إن لم تبادر هذه المعارضة الراديكالية، ولا أعني طبعًا ـ المعاهدة ـ لمراجعة ذاتها ومنهجيتها، لتقريب الشعب من أمل التغيير الجاد السلمي المُقنع.
ومن المؤسف أن تحركات المنتدى اليوم ضد التعديلات الدستورية، تسببت في جرح بعض المتظاهرين المناوئين لهذه التعديلات المثيرة، مما يؤكد واقعية الحذر من العمل الميداني المباشر.
فرغم الإجازة المبدئية لنشاطات المنتدى، إلا أن السلطة لم تحمها وإنما هجمت على المتظاهرين بمسيلات الدموع والقوة القاهرة، ولو استمر هذا العنف من جانب السلطة فقد يُفضي إلى إدخال البلد في وضع أمني غير محسوب، إلا أن العنف لا يكفي لمصادرة خيارات الشعوب وحرصها على الإنعتاق والتحرر من ربقة الأنظمة الأحادية.
ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد.